المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الثانية: شهادة القاذف قبل الحد والتوبة - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٦٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌ من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

- ‌ حكم وضع اليد اليمنى على اليسرى حال القيام في الصلاة

- ‌حكم قول المصلي (آمين) والجهر بها

- ‌من لا يحسن غير الإنجليزية كيف يصلى

- ‌هل يقول في الصلاة: سيدنا ومولانا محمد

- ‌ معنى الصلاة على النبي

- ‌لعن الرجل نفسه وهو في الصلاة

- ‌اجتماع الإمام والمأمومين على الدعاء في أدبار الصلوات بدعة

- ‌المصافحة بعد الجلوس في المسجد

- ‌المرور بين يدي المصلي

- ‌صلى بهم خمس ركعات ساهيا ولم ينبهوه فما الواجب

- ‌ظن أنه التشهد الأخير فسجد للسهو

- ‌ سها الإمام فقال أحد المأمومين: اسجد واقترب

- ‌لا راتبة للعشاء قبله

- ‌تنفل المسافر

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌تمني الموت طلبه لا يجوز

- ‌كيفية تلقين المحتضر

- ‌حكم قراءة سورة يس عند المحتضر

- ‌حكم تلقين الكافر

- ‌حكم وضع المصحف على بطن الميت

- ‌حكم قراءة القرآن على الأموات

- ‌حكم وضع الحناءفي يد المرأة التي تحتضر

- ‌بعض البدع التي تقال عند المحتضر

- ‌ توجيه المحتضر للقبلة

- ‌كيفية توجيه المحتضر إلى القبلة

- ‌حكم تقبيل الميت

- ‌تارك الصلاة لا يغسل، ولا يصلى عليه، ولايدفن في مقابر المسلمين

- ‌حكم سؤال المغسل عن حال الميت

- ‌ الأولى بتغسيل الميت

- ‌جواز غسل أحد الزوجين للآخر بعد الوفاة

- ‌حكم غسل الرجل لامرأته والبنت الصغيرة

- ‌العلاقة الزوجية لا تنتهي بالموت

- ‌المطلقة طلاقا رجعيا يغسلها زوجها

- ‌عدد من يتولى غسل الميت

- ‌الأشياء التي يغسل بها الميت

- ‌حكم استخدام السدر في الغسل

- ‌حكم الأخذ من شاربوإبط وأظفار وعانة الميت

- ‌حكم نزع أسنان الذهب من الميت

- ‌تطييب الميت وكفنه

- ‌حكم تسويك الميت

- ‌حكم الزيادة على سبع غسلات

- ‌حث النساء علىالمشاركة في غسل الميتات

- ‌حكم إقامة دورات لتعليم تغسيل الأموات

- ‌حكم تصويرغسل الميت للتذكير أو التعليم

- ‌تغسيل المحرم إذا توفي

- ‌حكم تغسيل جريح المعركة إذا مات بعدها

- ‌المظلوم يغسل ويصلى عليه

- ‌حكم تغسيل المنتحر والصلاة عليه

- ‌كيفية تغسيل من ماتفي حادث وقد تشوه جسده

- ‌المغسل يخبر بعلامات الخير لا الشر

- ‌مدى صحة حديثمن غسل مسلما فستر عيوبه

- ‌كيفية تكفين الميت

- ‌كيفية تكفين المحرمة

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌ نصاب الزكاة في الدولارات الأمريكية

- ‌ الوضوء لصلاة الجنازة

- ‌قول (حي على خير العمل) في الأذان

- ‌ الدعاء لإخواننا في فلسطين

- ‌ إذا بال الإنسان أو تغوط واستجمر، ثم عرق، هل هذا العرق ينجس الملابس

- ‌ سؤر البغل والحمار وسباع البهائم وجوارح الطير

- ‌التفكير في آيات الله تعالى ومخلوقاته في ضوء القرآن والسنة

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأول: مفهوم التفكر وأهميته:

- ‌المطلب الأول: مفهوم التفكر وكيفيته:

- ‌المطلب الثاني: أهمية التفكر وحكمه:

- ‌المبحث الثاني: أنواع التفكر ومجالاته:

- ‌المطلب الأول: أنواع التفكر:

- ‌المطلب الثاني: مجالات التفكر:

- ‌ التفكر في القرآن العظيم:

- ‌ التفكر في المخلوقات:

- ‌ التفكر في الدنيا والآخرة:

- ‌ التفكر في الموت والبعث:

- ‌ التفكر في المتقابلات:

- ‌ التفكر في خلق الإنسان:

- ‌ التفكر في الحيوان والنبات:

- ‌ التفكر في مصارع الغابرين:

- ‌المبحث الثالث: ثمرات التفكر ومعوقاته:

- ‌المطلب الأول: ثمرات التفكر:

- ‌أولا: زيادة الإيمان واليقين:

- ‌ثانيا: التفكر طريق التذكر وحياة القلوب:

- ‌ثالثا: التفكر طريق إلى التوبة والعمل:

- ‌رابعا: التفكر طريق إلى التفقه:

- ‌خامسا: التفكر طريق إلى الانتفاع بالمخلوقات:

- ‌المطلب الثاني معوقات التفكر:

- ‌أولا: الكفر بالله واليوم الآخر:

- ‌ثانيا: الإعراض والغفلة:

- ‌ثالثا: الكبر:

- ‌الخاتمة:

- ‌بيان معاني الألفاظ:

- ‌ما يستفاد من الآيات:

- ‌ أنواع الربا:

- ‌ ربا النسيئة:

- ‌ ربا الفضل:

- ‌ علة تحريم ربا الفضل:

- ‌ الخلاف في تحريم ربا الفضل:

- ‌ صرع الجن للإنسان:

- ‌ الحكمة من تحريم الربا

- ‌ بيع العينة

- ‌ الربا من أكبر الكبائر:

- ‌ التدرج في تحريم الربا:

- ‌ من كثرت عليه الديون، ولم يستطع الوفاء بها، فللحاكم أن يخلعه عن ماله كله

- ‌ لو أصر أهل بلدة على أكل الربا، فإن للإمام أن يستتيبهم

- ‌ من شروط التوبة الصادقة لآكل الربا، أن يرد المرابي المال الذي أخذه زيادة

- ‌ الربا في دار الحرب:

- ‌ شبهات حول الربا:

- ‌ السلم والمحاقلة والمزابنة والمخابرة:

- ‌ في قوله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ}

- ‌ سبب نزول قوله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ}

- ‌ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً

- ‌ بيع الحيوان بالحيوان:

- ‌المبحث الأول: تعريف الأثر

- ‌المبحث الثاني: تعريف التوبة

- ‌المبحث الثالث: حكم التوبة

- ‌المبحث الرابع: تعريف العقوبة

- ‌المبحث الخامس: تعريف القذف

- ‌المبحث السادس: عقوبة القذف

- ‌الفصل الأول: أقوال العلماء في أثر التوبة على عقوبة القذف:

- ‌المبحث الأول: أثر التوبة على عقوبة الجلد

- ‌المبحث الثاني: أثر التوبة على عقوبة رد الشهادة

- ‌المسألة الأولى: شهادة القاذف بعد الحد والتوبة

- ‌المسألة الثانية: شهادة القاذف قبل الحد والتوبة

- ‌المبحث الثالث: أثر التوبة على عقوبة التفسيق

- ‌الفصل الثاني: صفة توبة القاذف

- ‌الخاتمة:

- ‌كتابة القرآن الكريم بخط برايل للمكفوفين

- ‌الرسم العثماني:

- ‌تعريف الرسم:

- ‌ما لا يدخل في الرسم العثماني:

- ‌أدلة من يرى جواز كتابة المصحف بالرسم القياسي:

- ‌كتابة المصحف بخط برايل للمكفوفين:

- ‌الخاتمة:

- ‌تعدد الزوجات وحقوق الإنسان

الفصل: ‌المسألة الثانية: شهادة القاذف قبل الحد والتوبة

وضعف أدلة المخالفين لهم، فقد ورد عليها من الاعتراضات، والمناقشات، ما جعلها لا تقوى على معارضة أدلة القول الثالث. وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل عند مناقشة أدلة جميع الأقوال. والله أعلم بالصواب.

ص: 311

‌المسألة الثانية: شهادة القاذف قبل الحد والتوبة

اختلف العلماء في قبول شهادة القاذف إذا شهد قبل إقامة الحد عليه وقبل التوبة على قولين:

القول الأول: أن شهادة القاذف مقبولة ما لم يحد. وهذا مذهب الحنفية (1)، والمالكية (2).

القول الثاني: أن شهادة القاذف قبل الحد مردودة ما لم يتب، فإذا تاب قبلت، وهذا مذهب الشافعية (3)، والحنابلة (4)، وقول الليث ابن سعد، وعبد الملك بن الماجشون، من المالكية (5).

(1) المبسوط للسرخسي (16/ 128) وبدائع الصنائع (6/ 271).

(2)

حاشية الدسوقي (4/ 173)، وكفاية الطالب الرباني (4/ 124) والاستذكار (24/ 44، 45).

(3)

الحاوي للماوردي (17/ 25).

(4)

كشاف القناع (6/ 425، 426).

(5)

الاستذكار (22/ 45).

ص: 311

الأدلة: أدلة القول الأول:

1 -

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (1).

وجه الاستدلال: دلت الآية على جواز شهادة القاذف قبل إقامة الحد عليه؛ لأن (ثم) في قوله: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} (2) للتراخي في حقيقة اللغة، فاقتضى ذلك أن القاذف متى أتى بأربعة شهداء متراخيا عن حال القذف أن يكون غير فاسق، وإنما يحكم بفسقه متراخيا عن حال القذف في حال العجز عن إقامة الشهود، فمن حكم بفسقه بنفس القذف، فقد خالف حكم الآية (3).

ويناقش هذا الاستدلال من وجهين:

الوجه الأول: أن الآية تدل على أن شهادة القاذف ترد بشرطين:

الأول: القذف، والثاني: عدم إقامة الشهود، وهما متحققان في القاذف قبل إقامة الحد عليه.

فالأول: متحقق بنفس القذف، والثاني: متحقق حتى يأتي

(1) سورة النور الآية 4

(2)

سورة النور الآية 4

(3)

أحكام القرآن للجصاص (3/ 271، 272).

ص: 312

بالشهود؛ لأن القاذف قبل ذلك في حكم العاجز عن إقامة الشهود؛ لأن الأصل عدم الشهود، فيبقى على هذا الأصل ولا ينتقل عنه إلا بإقامة الشهود.

الوجه الثاني: أن الآية دلت على أن القذف يتعلق به ثلاثة أحكام: الجلد، والشهادة، والفسق، والجلد يتعلق بنفس القذف لا غير، فكذلك رد الشهادة؛ لأنها عقوبة للقاذف بسبب القذف كالجلد (1).

2 -

ما رواه الحجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون عدول بعضهم على بعض، إلا محدودا في فرية (2)»

وجه الاستدلال: دل الحديث على أن القاذف مقبول الشهادة حتى يحد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن المسلمين عدول بعضهم على بعض، ثم استثنى منهم المحدود في القذف، فدل ذلك على أن القاذف قبل الحد، باق على حكم الأصل وهو قبول الشهادة.

ونوقش: أن الحديث بهذا السند ضعيف، والضعيف لا يحتج به، وقد سبق الكلام عليه مفصلا (3)

(1) الحاوي للماودي (17/ 25) وإعلام الموقعين (1/ 128).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب البيوع والأقضية، باب من قال: لا تجوز شهادته إذا تاب (6/ 172).

(3)

انظر: ص (288) من هذا البحث.

ص: 313

3 -

ما ورد أن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: "الآن يجلد هلال وتبطل شهادته في المسلمين".

وجه الاستدلال: دل هذا الأثر على أن شهادة القاذف لا تبطل قبل إقامة الحد عليه؛ لأن بطلان الشهادة علق على إقامة الحد، وإذا لم يوجد المعلق عليه، لم يوجد المعلق.

ونوقش: سبق مناقشة هذا الأثر (1).

4 -

أن رد شهادة القاذف من تمام حد القذف، وتكملته، فهو كالصفة، والتتممة للحد، فلا يتقدم عليه (2).

ونوقش: بأن رد الشهادة ليس من تمام الحد، فإن الحد تم باستيفاء عدده، وسبب الحد نفس القذف، ورد الشهادة حكم آخر غير الحد، أوجبه الفسق بالقذف، فالقذف أوجب ثبوت الفسق، الذي كان سببا في رد الشهادة وحصول الحد، وهما حكمان متغايران (3).

5 -

أن إقامة الحد على القاذف، ينقص حاله عند الناس، وتقل

(1) انظر: ص (285) من هذا البحث

(2)

المبسوط (16/ 126)، وإعلام الموقعين (1/ 128).

(3)

إعلام الموقعين (1/ 128).

ص: 314

حرمته فترد شهادته، وهو قبل إقامة الحد قائم الحرمة، غير منتهكها (1) فتقبل شهادته.

ويناقش هذا الدليل بما يلي:

أ - بأن دعوى قيام حرمة القاذف بعد القذف وقبل الحد غير مسلم بها، بل إن حرمة القاذف انتهكت وسقطت عدالته بسبب ارتكابه كبيرة من الكبائر، وهي القذف، فلا تقبل شهادته حتى تصح براءته بإقرار المقذوف، أو بقيام البينة أو يتوب.

ب- أن القول بأن حال القاذف بعد القذف وقبل الحد أكمل من حاله بعد الحد، دعوى غير مسلم بها، بل إن حال القاذف قبل الحد أسوأ من حاله بعد الحد؛ لأن الحدود كفارات لأهلها (2)، فرد شهادته قبل الحد أولى من ردها بعد الحد؛ لأنه بالحد حصل له تكفير وتطهير. وفي ذلك يقول الإمام الشافعي:" هو قبل أن يحد شر منه بعد أن يحد، لأن الحدود كفارات لأهلها، فكيف تردونها في أحسن حالاته، وتقبلونها في شر حالاته "(3) ج - أن جلد القاذف تطهير وتكفير له؛ لقوله صلى الله عليه

(1) إعلام الموقعين (1/ 128).

(2)

الاستذكار (12/ 45)، والحاوي للماوردي (17/ 25).

(3)

الأم للشافعي (8/ 413).

ص: 315

وسلم: «. . . ومن أتى منكم حدا فأقيم عليه فهو كفارة له. . . (1)» ، فلم يجز أن يكون تكفير ذنبه موجبا لتغليظ حكمه (2).

6 -

أن القاذف قبل الحد لم يحكم بكذبه، فتقبل شهادته، وبعد الحد يصير محكوما بكذبه، والمتهم بالكذب لا شهادة له، فالمحكوم عليه بالكذب أولى (3).

ونوقش: بأن القاذف محكوم عليه بالكذب قبل الحد إذا عجز عن الإتيان بالشهود، يقول الله تعالى:{فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} (4)، وهذا في حكم الشرع، وظاهر الأمر، لا في علم الله تعالى، فإن الله سبحانه وتعالى رتب الحدود على حكمه الذي شرع في الدنيا، لا على مقتضى علمه الذي تعلق بالإنسان على ما هو عليه، فإنما يبنى على ذلك حكم الآخرة (5).

7 -

أن القاذف قبل الجلد على أصل عدالته، وربما أقام البينة بما قال، أو اعترف له مقذوفه، فلا وجه لإسقاط عدالته، ورد

(1) هذا جزء من حديث أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب الحدود كفارات لأهلها (3/ 1333).

(2)

الحاوي للماودي (17/ 25).

(3)

المبسوط للسرخسي (16/ 128).

(4)

سورة النور الآية 13

(5)

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/ 203).

ص: 316

شهادته قبل إقامة الحد عليه (1).

فحالة القاذف قبل الحد مترددة بين الكذب السالب للعدالة، وبن الصدق المصحح لها، فلا، يسقط يقين حاله. بمحتمل مقاله (2).

فلهذا تقبل شهادته حتى يقام عليه الحد؛ لأنه إذا أقيم عليه الحد تبين كذبه؛ لعجزه عن إثبات ما قال.

ونوقش: بأن القاذف يفسق وتسقط عدالته بالقذف؛ لأن القذف من الكبائر، فلا تقبل شهادته حتى تصح براءته بإقرار المقذوف بما قذف به، أو بقيام البينة (3).

أدلة القول الثاني:

أولا: أدلة القول الثاني على رد شهادة القاذف قبل الحد والتوبة:

1 -

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (4).

(1) الاستذكار لابن عبد البر (22/ 44، 45).

(2)

أحكام القرآن لابن العربي (3/ 1340).

(3)

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/ 182).

(4)

سورة النور الآية 4

ص: 317

وجه الاستدلال: دلت هذه الآية على أن القذف يتعلق به ثلاثة أحكام " وهي: الجلد ثمانون جلدة، ورد الشهادة، والفسق المسقط للعدالة. وأن الجلد متعلق بالقذف لا غير، وإذا تعلق الجلد بالقذف، وجب أن يكون ما ضم إليه وقرن به وهو رد الشهادة والتفسيق متعلقا به كالجلد (1).

ونوقش:

بأن شهادة القاذف لو كانت تبطل بنفس القذف، لما كان تركه إقامة البينة على الزنا مبطلا لشهادته؛ لأنها قد بطلت قبل ذلك (2).

وأجيب:

بأن بطلان شهادة القاذف معلق بشرطين لا بد من تحققهما جميعا

أحدهما: الرمي بالزنا

والآخر: عدم الإتيان بالشهود الذين يحقق هم قذفه

وهذان الشرطان متحققان بعد القذف حتى يأتي بأربعة شهداء.

2 -

أن رد شهادة القاذف يتعلق بفعله لا بفعل غيره، والقذف من فعله، والجلد من فعل غيره، فيجب أن يتعلق رد الشهادة بالقذف لا بالجلد (3).

(1) الحاوي للماوردي (17/ 25).

(2)

أحكام القرآن للجصاص (3/ 272).

(3)

الحاوي للماوردي (17/ 25).

ص: 318

3 -

أن من فعل جريمة من الجرائم الموجبة للحدود يفسق بفعله للجريمة، لا بالحد المترتب على فعل الجريمة، فالسارق فسق بالسرقة دون القطع، والزاني بالزنا دون الحد، فكذلك يجب أن يكون القاذف مثلهما، فيكون فسقه بالقذف لا بالحد، كسائر الحدود (1) وإذا كان فسقه بالقذف، يجب أن يكون رد شهادته به، لا بالجلد.

4 -

أن الحكم برد شهادة القاذف يتم بعجزه عن إثبات ما قذف به، لا بإقامة الحد عليه؛ لأن الحد تطهير له، فلا يتعلق به رد شهادة كالكفارة (2).

ونوقش:

بأن الحكم على القاذف لا يتم إلا بالجلد، أما قبل ذلك فلا يحكم عليه بالقذف؛ لأنه لو أقر المقذوف. مما قذف به، أو ثبت القذف بالشهود، لسقط عن القاذف الجلد، وخرج عن كونه قاذفا (3)، وذلك يمنع تفسيقه، وإذا امتنع تفسيقه لم ترد شهادته.

وأجيب:

أن القول بعدم تحقق القذف إلا بعد كمال الجلد لا يصح؛ لأن

(1) الحاوي للماوري (17/ 25).

(2)

المنتقى للباجي (5/ 207).

(3)

المنتقى للباجي (5/ 207).

ص: 319

الجلد حكم القذف الذي تعذر تحقيقه، فلا يستوفى قبل تحقق القذف، وكيف يجوز إقامة حد قبل تحقق سببه، ويصير محققا بعده، هذا لا يصح (1).

5 -

أن رد شهادة القاذف يجب أن يثبت بوجود القذف الذي لم يمكنه تحقيقه كالجلد؛ لأن القذف هو الذنب الذي يستحق به العقوبة، وتثبت به المعصية الموجبة للجلد، وما أوجب الجلد أوجب رد الشهادة، لأن الجلد ورد الشهادة حكمان للقذف، فيثبتان جميعا به، وتخلف استيفاء أحدهما لا يمنع ثبوت الآخر (2).

6 -

أن القاذف ثبت فسقه بنفس القذف، لما فيه من هتك ستر العفة على المسلم، ولهذا لزمه الحد به، والحد لا يجب إلا بارتكاب جريمة موجبة للفسق (3)، والفاسق لا يكون أهلا للشهادة.

ثانيا: أدلة القول الثاني على قبول شهادة القاذف بعد التوبة وقبل الحد:

استدل أصحاب هذا القول بما استدلوا به على قبول شهادة القاذف بعد الحد والتوبة؛ لأن أصحاب هذا القول يرون أن شهادة القاذف ترد بسبب القذف؛ لأن القاذف يفسق بالقذف، وتقبل بعد

(1) المغني لابن قدامة (14/ 19).

(2)

المغني لابن قدامة (14/ 190، 191).

(3)

المبسوط للسرخسي (16/ 126).

ص: 320