الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قد وصل إلى أسرار كثيرة من خلق الإنسان، فإن المتأمل لخلقه ابتداء وانتهاء، والناظر فيما اختصه الله به من عقل وإرادة، يدرك أنه إنما خلق لأمر عظيم، قال تبارك وتعالى:{وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} (1) قال قتادة رحمه الله: ((من تفكر في نفسه عرف أنما لينت مفاصله للعبادة)(2).
وإن أعظم ما يدعو المرء إلى التفكر في خلق الإنسان ما جاء في القرآن الكريم عن مراحل خلقه وتصويره، لا سيما وقد شهد العصر الحديث من الاكتشافات والأسرار في خلق الإنسان ما يدعو إلى زيادة الإيمان بعظيم قدرة الله تعالى وبديع صنعه.
(1) سورة الذاريات الآية 21
(2)
الأصبهاني، كتاب العظمة، ج1، ص 234. والآية في سورة الذاريات، الآية 21.
7 -
التفكر في الحيوان والنبات:
عالم الحيوان والنبات عالم فسيح يتسم بالحركة والتناسق مع هذا الكون، وقد سخر الله تبارك وتعالى الحيوان والنبات للإنسان، قال تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} (1){وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} (2){وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ} (3).
(1) سورة يس الآية 71
(2)
سورة يس الآية 72
(3)
سورة يس الآية 73
(4)
سورة الأنعام الآية 99
إن التفكر في عالم الحيوان، وما أودع الله فيه من أسرار، مطلوب من كل أحد، فكما سخرها الله تعالى، وذللها للإنسان؛ لينتفع بها فكذلك جعلها له آية ليعتبر بها ويتعظ، وكل صنف من عالم الحيوان له أسراره وطبائعه، ومن هذه الأصناف النحل التي جاء ذكرها في القرآن الكريم لبيان مهمتها في الحياة وما يفيد منها الناس، قال تعالى:{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} (2){ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (3).
قال ابن جرير رحمه الله: ((يقول تعالى ذكره إن في إخراج الله من بطون هذه النحل: الشراب المختلف الذي هو شفاء للناس لدلالة وحجة واضحة على من سخر النحل، وهداها لأكل الثمرات التي تأكل، واتخاذها البيوت التي تنحت من الجبال والشجر والعروش، وأخرج من بطونها ما أخرج من الشفاء للناس، أنه الواحد الذي ليس كمثله شيء،
(1) سورة الرعد الآية 4
(2)
سورة النحل الآية 68
(3)
سورة النحل الآية 69
وأنه لا ينبغي أن يكون له شريك ولا تصبح الألوهية إلا له " (1).
وقال ابن كثير رحمه الله: " أي إن في إلهام الله لهذه الدواب الضعيفة الخلقة إلى السلوك في المهامه، والاجتناء من سائر الثمار، ثم جمعها للشمع والعسل، وهو من أطيب الأشياء لآية لقوم يتفكرون في عظمة خالقها ومقدرها ومسخرها وميسرها، فيستدلون بذلك على أنه الفاعل القادر الحكيم العليم الكريم الرحيم "(2).
وإن من تدبر اختصاص النحل بكل العلوم الدقيقة والأفعال العجيبة حق التدبر علم قطعا أن لا بد من قادر حكيم يلهمها ذلك ويحملها عليه (3).
واختير وصفى التفكر هنا، لأن الاعتبار بتفصيل ما أجملته الآية في نظام النحل محتاج إلى إعمال فكر دقيق ونظر عميق (4).
وكما أن الحيوان مدعاة للتفكر فإن النبات بأشكاله وألوانه وثماره وأطواره مدعاة للتفكر والتأمل أيضا، والآيات في ذلك كثيرة جدا، قال تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} (5){يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (6)، أي
(1) ابن جرير، جامع البيان، ج 14، ص 141.
(2)
ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج2، ص635
(3)
انظر: محيي الدين زادة، حاشية زادة على البيضاوي، ج3، ص 189.
(4)
انظر: ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج 7، ص 21.
(5)
سورة النحل الآية 10
(6)
سورة النحل الآية 11