المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني: صفة توبة القاذف - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٦٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌ من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

- ‌ حكم وضع اليد اليمنى على اليسرى حال القيام في الصلاة

- ‌حكم قول المصلي (آمين) والجهر بها

- ‌من لا يحسن غير الإنجليزية كيف يصلى

- ‌هل يقول في الصلاة: سيدنا ومولانا محمد

- ‌ معنى الصلاة على النبي

- ‌لعن الرجل نفسه وهو في الصلاة

- ‌اجتماع الإمام والمأمومين على الدعاء في أدبار الصلوات بدعة

- ‌المصافحة بعد الجلوس في المسجد

- ‌المرور بين يدي المصلي

- ‌صلى بهم خمس ركعات ساهيا ولم ينبهوه فما الواجب

- ‌ظن أنه التشهد الأخير فسجد للسهو

- ‌ سها الإمام فقال أحد المأمومين: اسجد واقترب

- ‌لا راتبة للعشاء قبله

- ‌تنفل المسافر

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌تمني الموت طلبه لا يجوز

- ‌كيفية تلقين المحتضر

- ‌حكم قراءة سورة يس عند المحتضر

- ‌حكم تلقين الكافر

- ‌حكم وضع المصحف على بطن الميت

- ‌حكم قراءة القرآن على الأموات

- ‌حكم وضع الحناءفي يد المرأة التي تحتضر

- ‌بعض البدع التي تقال عند المحتضر

- ‌ توجيه المحتضر للقبلة

- ‌كيفية توجيه المحتضر إلى القبلة

- ‌حكم تقبيل الميت

- ‌تارك الصلاة لا يغسل، ولا يصلى عليه، ولايدفن في مقابر المسلمين

- ‌حكم سؤال المغسل عن حال الميت

- ‌ الأولى بتغسيل الميت

- ‌جواز غسل أحد الزوجين للآخر بعد الوفاة

- ‌حكم غسل الرجل لامرأته والبنت الصغيرة

- ‌العلاقة الزوجية لا تنتهي بالموت

- ‌المطلقة طلاقا رجعيا يغسلها زوجها

- ‌عدد من يتولى غسل الميت

- ‌الأشياء التي يغسل بها الميت

- ‌حكم استخدام السدر في الغسل

- ‌حكم الأخذ من شاربوإبط وأظفار وعانة الميت

- ‌حكم نزع أسنان الذهب من الميت

- ‌تطييب الميت وكفنه

- ‌حكم تسويك الميت

- ‌حكم الزيادة على سبع غسلات

- ‌حث النساء علىالمشاركة في غسل الميتات

- ‌حكم إقامة دورات لتعليم تغسيل الأموات

- ‌حكم تصويرغسل الميت للتذكير أو التعليم

- ‌تغسيل المحرم إذا توفي

- ‌حكم تغسيل جريح المعركة إذا مات بعدها

- ‌المظلوم يغسل ويصلى عليه

- ‌حكم تغسيل المنتحر والصلاة عليه

- ‌كيفية تغسيل من ماتفي حادث وقد تشوه جسده

- ‌المغسل يخبر بعلامات الخير لا الشر

- ‌مدى صحة حديثمن غسل مسلما فستر عيوبه

- ‌كيفية تكفين الميت

- ‌كيفية تكفين المحرمة

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌ نصاب الزكاة في الدولارات الأمريكية

- ‌ الوضوء لصلاة الجنازة

- ‌قول (حي على خير العمل) في الأذان

- ‌ الدعاء لإخواننا في فلسطين

- ‌ إذا بال الإنسان أو تغوط واستجمر، ثم عرق، هل هذا العرق ينجس الملابس

- ‌ سؤر البغل والحمار وسباع البهائم وجوارح الطير

- ‌التفكير في آيات الله تعالى ومخلوقاته في ضوء القرآن والسنة

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأول: مفهوم التفكر وأهميته:

- ‌المطلب الأول: مفهوم التفكر وكيفيته:

- ‌المطلب الثاني: أهمية التفكر وحكمه:

- ‌المبحث الثاني: أنواع التفكر ومجالاته:

- ‌المطلب الأول: أنواع التفكر:

- ‌المطلب الثاني: مجالات التفكر:

- ‌ التفكر في القرآن العظيم:

- ‌ التفكر في المخلوقات:

- ‌ التفكر في الدنيا والآخرة:

- ‌ التفكر في الموت والبعث:

- ‌ التفكر في المتقابلات:

- ‌ التفكر في خلق الإنسان:

- ‌ التفكر في الحيوان والنبات:

- ‌ التفكر في مصارع الغابرين:

- ‌المبحث الثالث: ثمرات التفكر ومعوقاته:

- ‌المطلب الأول: ثمرات التفكر:

- ‌أولا: زيادة الإيمان واليقين:

- ‌ثانيا: التفكر طريق التذكر وحياة القلوب:

- ‌ثالثا: التفكر طريق إلى التوبة والعمل:

- ‌رابعا: التفكر طريق إلى التفقه:

- ‌خامسا: التفكر طريق إلى الانتفاع بالمخلوقات:

- ‌المطلب الثاني معوقات التفكر:

- ‌أولا: الكفر بالله واليوم الآخر:

- ‌ثانيا: الإعراض والغفلة:

- ‌ثالثا: الكبر:

- ‌الخاتمة:

- ‌بيان معاني الألفاظ:

- ‌ما يستفاد من الآيات:

- ‌ أنواع الربا:

- ‌ ربا النسيئة:

- ‌ ربا الفضل:

- ‌ علة تحريم ربا الفضل:

- ‌ الخلاف في تحريم ربا الفضل:

- ‌ صرع الجن للإنسان:

- ‌ الحكمة من تحريم الربا

- ‌ بيع العينة

- ‌ الربا من أكبر الكبائر:

- ‌ التدرج في تحريم الربا:

- ‌ من كثرت عليه الديون، ولم يستطع الوفاء بها، فللحاكم أن يخلعه عن ماله كله

- ‌ لو أصر أهل بلدة على أكل الربا، فإن للإمام أن يستتيبهم

- ‌ من شروط التوبة الصادقة لآكل الربا، أن يرد المرابي المال الذي أخذه زيادة

- ‌ الربا في دار الحرب:

- ‌ شبهات حول الربا:

- ‌ السلم والمحاقلة والمزابنة والمخابرة:

- ‌ في قوله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ}

- ‌ سبب نزول قوله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ}

- ‌ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً

- ‌ بيع الحيوان بالحيوان:

- ‌المبحث الأول: تعريف الأثر

- ‌المبحث الثاني: تعريف التوبة

- ‌المبحث الثالث: حكم التوبة

- ‌المبحث الرابع: تعريف العقوبة

- ‌المبحث الخامس: تعريف القذف

- ‌المبحث السادس: عقوبة القذف

- ‌الفصل الأول: أقوال العلماء في أثر التوبة على عقوبة القذف:

- ‌المبحث الأول: أثر التوبة على عقوبة الجلد

- ‌المبحث الثاني: أثر التوبة على عقوبة رد الشهادة

- ‌المسألة الأولى: شهادة القاذف بعد الحد والتوبة

- ‌المسألة الثانية: شهادة القاذف قبل الحد والتوبة

- ‌المبحث الثالث: أثر التوبة على عقوبة التفسيق

- ‌الفصل الثاني: صفة توبة القاذف

- ‌الخاتمة:

- ‌كتابة القرآن الكريم بخط برايل للمكفوفين

- ‌الرسم العثماني:

- ‌تعريف الرسم:

- ‌ما لا يدخل في الرسم العثماني:

- ‌أدلة من يرى جواز كتابة المصحف بالرسم القياسي:

- ‌كتابة المصحف بخط برايل للمكفوفين:

- ‌الخاتمة:

- ‌تعدد الزوجات وحقوق الإنسان

الفصل: ‌الفصل الثاني: صفة توبة القاذف

‌الفصل الثاني: صفة توبة القاذف

اختلف العلماء في صفة توبة القاذف التي تزيل عنه الفسق على خمسة أقوال:

القول الأول: أن توبة القاذف إكذاب نفسه، فيقول: كذبت فيما قلت. وهذا مذهب الحنفية (1) وقول في مذهب الشافعية، وهو منصوص الإمام الشافعي (2) ومذهب الحنابلة (3) وهو مروي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (4) رضي الله عنه، وقول عطاء، وسعيد ابن المسيب، والشعبي، والزهري، وإسحاق بن راهويه، وأبي ثور، وأبي عبيد (5).

القول الثاني: أن توبة القاذف تكون بأن يحسن حاله، ويصلح عمله، ويستغفر الله من ذلك، ويعزم على أن لا يعود إلى مثله، وإن لم يكذب نفسه. وهذا مذهب المالكية (6) واختيار ابن جرير الطبري (7).

(1) حاشية ابن عابدين (4/ 479) وأحكام القرآن للجصاص (2/ 277).

(2)

الحاوي للماوردي (17/ 28) والمهذب (2/ 423)، وروضة الطالبين (11/ 248).

(3)

معونة أولي النهي (9/ 375)، والإنصاف (12/ 59، 60).

(4)

الاستذكار لابن عبد البر (22/ 39).

(5)

الاستذكار لابن عبد البر (22/ 41، 42).

(6)

القوانين الفقهية ص (264)، والذخيرة للقرافي (10/ 221)، والمنتقى للباجي (5/ 207).

(7)

تفسير ابن جرير الطبري (17/ 108، 109).

ص: 323

القول الثالث: أن توبة القاذف، تكون بقوله: قذفي باطل، وأنا نادم عليه، ولا أعود إلى مثله، ولا يقول: إني كنت كاذبا. وهذا مذهب الشافعية (1).

القول الرابع: أن القذف إن كان سبا، فالتوبة منه إكذاب نفسه، وإن كان شهادة فالتوبة منه أن يقول: القذف حرام وباطل، ولا يقول: إني كنت كاذبا. وهذا وجه في مذهب الشافعية (2) وقول القاضي أبي يعلى من الحنابلة.

فأصحاب هذا القول يفرقون بين القذف على سبيل السب والإيذاء، والقذف على صورة الشهادة إذا لم يتم عدد الشهود (3) القول الخامس: أن القاذف من علم من نفسه الصدق فيما قذف به، فتوبته الاستغفار، والإقرار ببطلان ما قاله وتحريمه، وأنه لا

(1) المهذب (2/ 423)، ونهاية المحتاج (8/ 308)، والحاوي للماوردي (17/ 28).

(2)

الحاوي للماوردي (17/ 31، 32، 33)، وروضة الطالبين (11/ 248، 249).

(3)

روضة الطالبين (11/ 248، 249)، والحاوي للماوردي (17/ 31، 32، 33).

ص: 324

يعود إلى مثله. وإن لم يعلم صدق نفسه، فتوبته إكذاب نفسه، سواء أكان القذف بشهادة أم سب. وهذا اختيار ابن قدامة (1).

الأدلة: أدلة القول الأول:

1 -

ما روى الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في قول الله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (2)«توبته إكذاب نفسه (3)» فدل هذا الحديث بنصه على أن توبة القاذف إكذاب نفسه.

ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:

الوجه الأول: أن هذا الحديث لم يثبت رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال ابن حجر عنه: " لم أره مرفوعا"(4).

الوجه الثاني: أنه على فرض صحة رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه بهذا السند ضعيف؛ لأن فيه انقطاعا بين سعيد ابن المسيب وعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فإن سعيدا لم يثبت

(1) المغني لابن قدامة (14/ 191).

(2)

سورة النور الآية 5

(3)

ذكره صاحب كنز العمال (2/ 474) وقال: أن ابن مردويه أخرجه.

(4)

تلخيص الحبير (4/ 204) وقد بحثت عنه في مظانه فلم أقف عليه مرفوعا

ص: 325

سماعه من عمر رضي الله عنه (1).

2 -

أن عرض المقذوف تلوث بكلام القاذف، وهذه معصية تعلق بها حق آدمي، فيجب عليه أن يتوب منها، ومن توبته أن يعلن كذبه بكلامه؛ لأن في ذلك رد اعتبار للمقذوف، وإزالة للتلوث الذي لحق بعرض المقذوف، فتكون توبة القاذف بإكذاب نفسه (2).

3 -

أن القاذف قذف بلسانه، فتوبته أن يكذب نفسه بلسانه، كالمرتد الذي كفره بلسانه، لا تقبل توبته حتى ينطق بالشهادتين بلسانه (3).

4 -

أن القاذف حكم بكذبه وفسقه في الظاهر، فلو لم يكذب نفسه، لكان مصرا على الكذب الذي فسق في الظاهر من أجله، فلهذا لا بد في توبته من أن يكذب نفسه، ليزول الوصف الذي فسق من أجله (4).

ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:

الوجه الأول: أن القاذف قد يكون صادقا في قذفه، فتكذيبه

(1) تهذيب التهذيب (4/ 87).

(2)

المغني لابن قدامة (14/ 191)، ونهاية المحتاج (8/ 308).

(3)

الاستذكار لابن عبد البر (22/ 38)، والحاوي للماوردي (17/ 28)، ونهاية المحتاج (8/ 308).

(4)

الذخيرة للقرافي (10/ 220).

ص: 326

لنفسه كذب، والكذب معصية، فكيف تشترط المعصية في التوبة، وهي ضدها، وتجعل المعاصي سبب صلاح العبد، وقبول شهادته، ورفعته؟ (1).

الوجه الثاني: أن القاذف إن كان كاذبا في قذفه فهو فاسق، وإن كان صادقا فهو عاص؛ لأن تعيير الزاني بزناه معصية، فكيف ينفعه تكذيبه لنفسه، مع كونه عاصيا بكل حال؟ (2).

وأجيب عن هاتين المناقشتين بما يلي:

أولا: الإجابة عن الوجه الأول:

أ- أن تكذيب الصادق نفسه، يرجع إلى أنه كاذب في حكم الله تعالى، وإن كان في نفس الأمر صادقا؛ لأن الله سبحانه وتعالى سمى القاذف الذي لم يأت بأربعة شهداء كاذبا على الإطلاق (3)، بقوله تعالى:{لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} (4).

ب- أن الكذب إذا كان يتحقق به مصلحة ولا يترتب عليه مفسدة جائز، ككذب الرجل مع امرأته، أو للإصلاح بين الناس

(1) الذخيرة للقرافي (10/ 220).

(2)

الذخيرة للقرافي (10/ 220).

(3)

المغني لابن قدامة (14/ 192)

(4)

سورة النور الآية 13

ص: 327

ونحوه، وفاعل الجائز لا يعد عاصيا، ولا فاسقا، وتكذيب القاذف نفسه فيه مصلحة الستر على المقذوف، وتقليل الأذية، والفضيحة عند الناس، وقبول شهادة القاذف، وعوده إلى الولايات التي تشترط فيها العدالة (1).

فإذا أكذب القاذف نفسه مع كونه صادقا في قذفه فكذبه مباح، ولا يعد فاسقا، ولا عاصيا؛ لأنه يحقق مصلحة، ولا يترتب عليه مفسدة.

ثانيا: الإجابة عن الوجه الثاني:

أن القاذف إن كان كاذبا في قذفه، أو صادقا، ولم يأت بأربعة شهداء، فقد لوث عرض المقذوف بلسانه، وهذا معصية تعلق بها حق آدمي، ويجب عليه أن يتوب منها، ومن توبته أن يعلن كذبه بلسانه؛ لأن في ذلك رد اعتبار للمقذوف، وإزالة للتلويث الذي لحق بعرض المقذوف، وبهذا ينفعه تكذيبه لنفسه. بل يتعين عليه؛ ليعلن براءة عرض المقذوف، وتتحقق به توبته.

أدلة القول الثاني:

1 -

استدلوا بعموم الآيات والأحاديث الواردة في التوبة، فإنها

(1) الذخيرة للقرافي (10/ 220، 221).

ص: 328

مطلقة غير مقيدة، بأن التائب من الذنب لا بد أن يكذب نفسه (1).

ومنها قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (2) وقوله تعالى {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} (3){يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} (4){إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (5).

ويناقش:

بأن عموم الآيات والأحاديث الواردة في التوبة محمول على حقوق الله، وأما حقوق الآدميين فلا يكفي فيها مجرد التوبة؛ لأنها لا يخرج منها إلا بالأداء، أو الإبراء، سواء أكانت خالصة له، أم فيها حق الله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض، أو مال، فليستحله اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم (6)»

(1) فتح القدير للشوكاني (4/ 9)

(2)

سورة النور الآية 5

(3)

سورة الفرقان الآية 68

(4)

سورة الفرقان الآية 69

(5)

سورة الفرقان الآية 70

(6)

صحيح البخاري، كتاب الرقائق، باب القصاص يوم القيامة (7/ 197).

ص: 329

والقذف حق آدمي، أو حقه فيه غالب، فلذلك لا بد أن يظهر القاذف مع توبته نقيض ما حصل منه، وهو الاعتراف بالكذب، جبرا لقلب المقذوف، وإزالة للعار الذي لحق بعرضه بسبب القذف.

2 -

أن الله - تعالى ذكره- جعل توبة كل ذي ذنب من أهل الإيمان تركه، وعدم العودة إليه، والندم على ما سلف منه، واستغفار ربه منه، وهذا فيما كان بين العبد وبين ربه، دون ما كان من حقوق عباده، ومظالمهم فيما بينهم.

والقاذف إذا أقيم عليه الحد، أو عفي عنه، لم يبق عليه إلا توبته من جرمه الذي بينه وبين ربه، فسبيل توبته منه، سبيل توبته من سائر إجرامه (1).

ويناقش:

بأن القاذف إذا أقيم عليه الحد، أو عفي عنه، يبقى بعد ذلك حق للمقذوف؛ لأن القاذف لوث عرض المقذوف، وأكسبه العار، فلا تتحقق توبته إلا أن يعلن كذبه؛ ليزيل ما لحق بعرض المقذوف، ويرد إليه اعتباره.

أدلة القول الثالث:

1 -

قالوا: إن القذف معصية قولية، فيشترط في التوبة منها

(1) تفسير ابن جرير الطبري (17/ 108، 109).

ص: 330

القول، كالتوبة من الردة، فيقول القاذف: قذفي باطل، وإني نادم على ما فعلت، ولا أعود إليه. أو يقول: ما كنت محقا في قذفي، وقد تبت منه، ونحو ذلك؛ ليندفع عار القذف الذي لحق بالمقذوف بسبب القذف، ولا يكلف أن يقول: كنت كاذبا؛ لجواز أن يكون صادقا في قذفه، فيصير بتكذيبه نفسه عاصيا، كما كان بقذفه عاصيا (1).

ونوقش هذا الدليل من وجهين:

الوجه الأول: أن قوله: قذفي باطل، أو ما كنت محقا في قذفي صريح في إكذاب نفسه (2).

وأجيب:

أ- بأن المحذور إلزام القاذف بالتصريح بكذبه لا بالتعريض به، وهذا فيه تعريض لا تصريح، فإنه لو قيل لمن قال شيئا: هذا باطل. لم يحصل له به كبير مشقة، ولو قيل له: كذبت حصل له غاية الحنق (3).

ب - أن البطلان لا ينافي مطلق الصدق، لأنه قد يحصل لاختلال بعض المقدمات، فقد يعجز الرجل عن إقامة البينة وهو صادق في قذفه، بخلاف الكذب فإنه مناف للصدق (4)، فلهذا يؤمر

(1) روضة الطالبين (11/ 248)، نهاية المحتاج (8/ 308)، والحاوي للماوردي (17/ 31، 32).

(2)

مغني المحتاج (4/ 439)، ونهاية المحتاج (8/ 308).

(3)

نهاية المحتاج (8/ 308).

(4)

نهاية المحتاج (8/ 308)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/ 203).

ص: 331

القاذف بأن يقول: قذفي باطل، أو نحوه، ولا يؤمر بأن يقول كنت كاذبا.

وأجيب عن هذه الإجابة:

بأن القاذف إذا لم يحقق قذفه ببينة، أو إقرار من المقذوف، فإنه في حكم الله كاذب، وإن كان في نفس الأمر صادقا (1)؛ لقوله تعالى:{لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} (2) فتكذيب الصادق نفسه يرجع إلى أنه كاذب في حكم الله، وإن كان في نفس الأمر صادقا (3).

أدلة القول الرابع:

أولا: إذا كان القذف سبا فأدلته ما سبق أن استدل بها أصحاب القول الأول (4).

ثانيا: إذا كان القذف على صورة شهادة، فأدلته ما سبق أن استدل به أصحاب القول الثالث (5).

ثالثا: دليل الفرق بين القذف على صورة الشهادة، وقذف

(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (112/ 203)، والمغني لابن قدامة (14/ 192).

(2)

سورة النور الآية 13

(3)

المغني لابن قدامة (14/ 192).

(4)

انظر: ص (312) من هذا البحث

(5)

انظر: ص (330) من هذا البحث

ص: 332

السب، أن الشهادة على الزنا لحق الله، ولو كمل عدد الشهود للزمه أن يشهد، فلهذا لا يقول: إني كنت كاذبا، ولا يقول: لا أعود (1).

بخلاف قذف السب والإيذاء، فإنه معصية تعلق حق آدمي، فلا بد أن يكذب نفسه؛ ليزول العار الذي لحق بعرض المقذوف بسبب القذف.

ونوقش: بأن هذا استدلال بالمعقول، وهو مخالف للمنقول، والمنقول مقدم على المعقول.

فهو مخالف لقوله تعالى: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} (2) فإن هذه الآية تدل بعمومها على أن كل قاذف لم يأت ببينة فهو في حكم الله كاذب، من غير فرق بين قذف السب، والقذف على صورة الشهادة.

أدلة القول الخامس:

أولا: إذا علم من نفسه الصدق فيما قذف به، فتوبته الاستغفار، والإقرار ببطلان ما قاله، وتحريمه، وأن لا يعود إلى مثله، ولا يؤمر بإكذاب نفسه؛ لأنه صادق، والصادق لا يؤمر بالكذب (3).

ثانيا: إذا لم يعلم صدق نفسه، فتوبته إكذاب نفسه لأنه لا

(1) الحاوي للماوردي (17/ 33).

(2)

سورة النور الآية 13

(3)

المغني لابن قدامة (14/ 191، 192).

ص: 333