المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ بيع الحيوان بالحيوان: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٦٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌ من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

- ‌ حكم وضع اليد اليمنى على اليسرى حال القيام في الصلاة

- ‌حكم قول المصلي (آمين) والجهر بها

- ‌من لا يحسن غير الإنجليزية كيف يصلى

- ‌هل يقول في الصلاة: سيدنا ومولانا محمد

- ‌ معنى الصلاة على النبي

- ‌لعن الرجل نفسه وهو في الصلاة

- ‌اجتماع الإمام والمأمومين على الدعاء في أدبار الصلوات بدعة

- ‌المصافحة بعد الجلوس في المسجد

- ‌المرور بين يدي المصلي

- ‌صلى بهم خمس ركعات ساهيا ولم ينبهوه فما الواجب

- ‌ظن أنه التشهد الأخير فسجد للسهو

- ‌ سها الإمام فقال أحد المأمومين: اسجد واقترب

- ‌لا راتبة للعشاء قبله

- ‌تنفل المسافر

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌تمني الموت طلبه لا يجوز

- ‌كيفية تلقين المحتضر

- ‌حكم قراءة سورة يس عند المحتضر

- ‌حكم تلقين الكافر

- ‌حكم وضع المصحف على بطن الميت

- ‌حكم قراءة القرآن على الأموات

- ‌حكم وضع الحناءفي يد المرأة التي تحتضر

- ‌بعض البدع التي تقال عند المحتضر

- ‌ توجيه المحتضر للقبلة

- ‌كيفية توجيه المحتضر إلى القبلة

- ‌حكم تقبيل الميت

- ‌تارك الصلاة لا يغسل، ولا يصلى عليه، ولايدفن في مقابر المسلمين

- ‌حكم سؤال المغسل عن حال الميت

- ‌ الأولى بتغسيل الميت

- ‌جواز غسل أحد الزوجين للآخر بعد الوفاة

- ‌حكم غسل الرجل لامرأته والبنت الصغيرة

- ‌العلاقة الزوجية لا تنتهي بالموت

- ‌المطلقة طلاقا رجعيا يغسلها زوجها

- ‌عدد من يتولى غسل الميت

- ‌الأشياء التي يغسل بها الميت

- ‌حكم استخدام السدر في الغسل

- ‌حكم الأخذ من شاربوإبط وأظفار وعانة الميت

- ‌حكم نزع أسنان الذهب من الميت

- ‌تطييب الميت وكفنه

- ‌حكم تسويك الميت

- ‌حكم الزيادة على سبع غسلات

- ‌حث النساء علىالمشاركة في غسل الميتات

- ‌حكم إقامة دورات لتعليم تغسيل الأموات

- ‌حكم تصويرغسل الميت للتذكير أو التعليم

- ‌تغسيل المحرم إذا توفي

- ‌حكم تغسيل جريح المعركة إذا مات بعدها

- ‌المظلوم يغسل ويصلى عليه

- ‌حكم تغسيل المنتحر والصلاة عليه

- ‌كيفية تغسيل من ماتفي حادث وقد تشوه جسده

- ‌المغسل يخبر بعلامات الخير لا الشر

- ‌مدى صحة حديثمن غسل مسلما فستر عيوبه

- ‌كيفية تكفين الميت

- ‌كيفية تكفين المحرمة

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌ نصاب الزكاة في الدولارات الأمريكية

- ‌ الوضوء لصلاة الجنازة

- ‌قول (حي على خير العمل) في الأذان

- ‌ الدعاء لإخواننا في فلسطين

- ‌ إذا بال الإنسان أو تغوط واستجمر، ثم عرق، هل هذا العرق ينجس الملابس

- ‌ سؤر البغل والحمار وسباع البهائم وجوارح الطير

- ‌التفكير في آيات الله تعالى ومخلوقاته في ضوء القرآن والسنة

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأول: مفهوم التفكر وأهميته:

- ‌المطلب الأول: مفهوم التفكر وكيفيته:

- ‌المطلب الثاني: أهمية التفكر وحكمه:

- ‌المبحث الثاني: أنواع التفكر ومجالاته:

- ‌المطلب الأول: أنواع التفكر:

- ‌المطلب الثاني: مجالات التفكر:

- ‌ التفكر في القرآن العظيم:

- ‌ التفكر في المخلوقات:

- ‌ التفكر في الدنيا والآخرة:

- ‌ التفكر في الموت والبعث:

- ‌ التفكر في المتقابلات:

- ‌ التفكر في خلق الإنسان:

- ‌ التفكر في الحيوان والنبات:

- ‌ التفكر في مصارع الغابرين:

- ‌المبحث الثالث: ثمرات التفكر ومعوقاته:

- ‌المطلب الأول: ثمرات التفكر:

- ‌أولا: زيادة الإيمان واليقين:

- ‌ثانيا: التفكر طريق التذكر وحياة القلوب:

- ‌ثالثا: التفكر طريق إلى التوبة والعمل:

- ‌رابعا: التفكر طريق إلى التفقه:

- ‌خامسا: التفكر طريق إلى الانتفاع بالمخلوقات:

- ‌المطلب الثاني معوقات التفكر:

- ‌أولا: الكفر بالله واليوم الآخر:

- ‌ثانيا: الإعراض والغفلة:

- ‌ثالثا: الكبر:

- ‌الخاتمة:

- ‌بيان معاني الألفاظ:

- ‌ما يستفاد من الآيات:

- ‌ أنواع الربا:

- ‌ ربا النسيئة:

- ‌ ربا الفضل:

- ‌ علة تحريم ربا الفضل:

- ‌ الخلاف في تحريم ربا الفضل:

- ‌ صرع الجن للإنسان:

- ‌ الحكمة من تحريم الربا

- ‌ بيع العينة

- ‌ الربا من أكبر الكبائر:

- ‌ التدرج في تحريم الربا:

- ‌ من كثرت عليه الديون، ولم يستطع الوفاء بها، فللحاكم أن يخلعه عن ماله كله

- ‌ لو أصر أهل بلدة على أكل الربا، فإن للإمام أن يستتيبهم

- ‌ من شروط التوبة الصادقة لآكل الربا، أن يرد المرابي المال الذي أخذه زيادة

- ‌ الربا في دار الحرب:

- ‌ شبهات حول الربا:

- ‌ السلم والمحاقلة والمزابنة والمخابرة:

- ‌ في قوله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ}

- ‌ سبب نزول قوله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ}

- ‌ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً

- ‌ بيع الحيوان بالحيوان:

- ‌المبحث الأول: تعريف الأثر

- ‌المبحث الثاني: تعريف التوبة

- ‌المبحث الثالث: حكم التوبة

- ‌المبحث الرابع: تعريف العقوبة

- ‌المبحث الخامس: تعريف القذف

- ‌المبحث السادس: عقوبة القذف

- ‌الفصل الأول: أقوال العلماء في أثر التوبة على عقوبة القذف:

- ‌المبحث الأول: أثر التوبة على عقوبة الجلد

- ‌المبحث الثاني: أثر التوبة على عقوبة رد الشهادة

- ‌المسألة الأولى: شهادة القاذف بعد الحد والتوبة

- ‌المسألة الثانية: شهادة القاذف قبل الحد والتوبة

- ‌المبحث الثالث: أثر التوبة على عقوبة التفسيق

- ‌الفصل الثاني: صفة توبة القاذف

- ‌الخاتمة:

- ‌كتابة القرآن الكريم بخط برايل للمكفوفين

- ‌الرسم العثماني:

- ‌تعريف الرسم:

- ‌ما لا يدخل في الرسم العثماني:

- ‌أدلة من يرى جواز كتابة المصحف بالرسم القياسي:

- ‌كتابة المصحف بخط برايل للمكفوفين:

- ‌الخاتمة:

- ‌تعدد الزوجات وحقوق الإنسان

الفصل: ‌ بيع الحيوان بالحيوان:

ذهب بعض المتأخرين إلى أن الربا يكون حراما إذا كان أضعافا مضاعفة، أما إذا كان بنسبة معقولة، فإن هذا ليس ربا، ولا يكون حراما، وجعلوا قوله تعالى:{أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} (1) قيدا وعلة في التحريم (2) وهذا فهم يدل على انحراف في التفكير وسوء قصد. فقوله تعالى: {أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} (3) إنما هو وصف لواقع جاهلي، ينفر السامع من التعامل به، فقد كانوا في الجاهلية يقولون إذا حل الدين: إما أن تقضي وإما أن تربي، فإن قضاه وإلا زاده الآخر في المال، وهكذا كل عام، حتى يصبح أصل المال مضاعفا. فأمرهم الله بالتقوى، وبين لهم أن ترك التعامل بالربا من أسباب الفلاح، وحذرهم من نار جهنم التي أعدت للكافرين، ومن هم على شاكلتهم.

وقد جاء تحريم الربا على إطلاقه في سورة البقرة، وبينت ذلك السنة الصحيحة.

(1) سورة آل عمران الآية 130

(2)

في ظلال القرآن 4/ 473.

(3)

سورة آل عمران الآية 130

ص: 244

20 -

‌ بيع الحيوان بالحيوان:

يحرم ربا النسيئة في بيع كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل، وقد ذكرنا الخلاف في علة تحريم ربا الفضل عند العلماء.

وقد اختلف العلماء في حكم بيع الحيوان بالحيوان نسيئة.

ص: 244

فذهب الحنفية، ورواية عند الحنابلة - إلى أنه يجوز بيع الحيوان بالحيوان إذا كان يدا بيد، ولا يشترط التماثل، ويجوز التفاضل، كبيع حيوان بحيوانين، ولكن يحرم كل ذلك في النسيئة (1).

وقال الشوكاني: إنه لا خلاف بين العلماء في جواز بيع الحيوان بالحيوان متفاضلا، إذا كان يدا بيد، وإنما الخلاف في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة (2).

واستدل أصحاب هذا القول بما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة (3)» .

وكذلك ما روي عن الحسن بن سمرة رضي الله عنه قال: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة (4)» .

(1) المغني لابن قدامة 6/ 65 الربا والقروض ص 52.

(2)

نيل الأوطار 5/ 314.

(3)

سنن البيهقي 5/ 289 واختلف العلماء في وصله وإرساله، وقال البخاري: حديث النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، من طريق عكرمة عن ابن عباس، رواه الثقات عن ابن عباس موثوقا، وعن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا. (نيل الأوطار 5/ 315)، وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه 8/ 20 رقم 14133.

(4)

أخرجه الترمذي برقم 1237، في البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال: سماع الحسن من سمرة صحيح، هكذا قال علي بن المديني وغيره، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، وهو قول الشافعي وإسحاق، ثم ذكر رواية جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الحيوان اثنان بواحد لا يصلح نسيئا، ولا بأس به يدا بيد". وقال فيه الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. انظر: سنن الترمذي بشرح عارضة الأحوذي 5/ 246 - 247، وانظر: جامع الأصول 1/ 568 رقم 397، 398، وجاء في نيل الأوطار: إن حديث الحسن عن سمرة رواه الخمسة، وصححه الترمذي، وروى عبد الله بن أحمد مثله من رواية جابر بن سمرة، انظر: نيل الأوطار 5/ 315.

ص: 245

ووجه الاستدلال في هذين الحديثين: أن النهي منصب على التفاضل نسيئة، فإذا كان التفاضل يدا بيد فلا حرج في ذلك.

وقال الإمام مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا، أنه لا بأس في الجمل بالجمل مثله وزيادة دراهم يدا بيد. وقال: لا خير في الجمل بالجمل مثله وزيادة دراهم، إذا كانت الدراهم نقدا والجمل إلى أجل. وكذلك إن أخرت الجمل والدراهم فلا خير في ذلك أيضا. ثم قال: ولا بأس أن يبتاع البعير النجيب بالبعيرين.

وتفسير ما كره من ذلك هو: أن يؤخذ البعير بالبعيرين ليس بينهما تفاضل في النجابة، فإذا كان على هذه الحال فلا يشتري منه اثنان بواحد إلى أجل (1).

وذهب الشافعية (2) وهو رواية عن المالكية، ورواية عن الحنابلة، إلى: جواز بيع الحيوان بالحيوان مطلقا، ولو كان من جنسه، متفاضلا يدا بيد، أو متفاضلا نسيئة، كمن يبيع بعيرا ببعيرين حالا أو إلى أجل.

(1) موطأ مالك 2/ 652.

(2)

المغني لابن قدامة 6/ 64، رقم المسألة 706، الربا والقروض ص 53.

ص: 246

واستدلوا بعدة أدلة من الأحاديث والآثار، نذكر منها ما يلي:

1 -

ما أخرجه أحمد وأبو داود (1) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال:«أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبعث جيشا على إبل كانت عندي، قال: فحملت الناس عليها حتى نفدت الإبل، وبقيت بقية من الناس، قال: فقلت: يا رسول الله الإبل قد نفدت، وقد بقيت بقية من الناس لا ظهر لهم. فقال لي: (ابتع علينا إبلا بقلائص من إبل الصدقة، إلى محلها حتى ننفذ هذا البعث). قال: وكنت أبتاع البعير بالقلوصين (2)، وبالثلاث قلائص من إبل الصدقة إلى محلها، حتى نفذت ذلك البعث، فلما جاءت إبل الصدقة أداها رسول الله صلى الله عليه وسلم» .

وجاء في بداية هذه الرواية عن عبد الله بن عمرو كما أخرجها أحمد: أن رجلا سأل عبد الله بن عمرو فقال: يا أبا محمد إنا بأرض لسنا نجد بها الدينار والدرهم، وإنما أموالنا المواشي، فنحن نتبايعها بيننا، فنبتاع البقرة بالشاء نظرة إلى أجل، والبعير بالبقرات، والفرس بالأباعر، كل ذلك إلى أجل، فهل علينا في ذلك من بأس؟! فقال

(1) أخرجه أحمد في المسند 2/ 216، وأبو داود رقم 3357، وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه 8/ 22 رقم 14144.

(2)

القلوص: الشابة من النوق، وهي بمنزلة الجارية من النساء وجمعها قلص وقلائص (مختار الصحاح، مادة قلص).

ص: 247

عبد الله بن عمرو: على الخبير سقطت ثم ذكر الحديث (1).

2 -

ما رواه مالك والشافعي عن علي رضي الله عنه أنه باع جملا يدعى (عصيفيرا) بعشرين بعيرا إلى أجل (2).

3 -

ما ذكره البخاري في صحيحه تعليقا أن عبد الله بن عمر اشترى راحلة بأربعة أبعرة مضمونة، يوفيها صاحبها بالربذة.

4 -

ما ذكره البخاري في صحيحه تعليقا، ووصله عبد الرزاق، أن رافع بن خديج اشترى بعيرا ببعيرين، فأعطاه أحدهما، وقال: آتيك بالآخر غدا (3).

(1) تم تخريج الحديث آنفا.

(2)

موطأ مالك 2/ 652، وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه 8/ 22، رقم 14142.

(3)

علقه البيهقي عن رافع بن خديج 5/ 287، وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه 8/ 22 رقم 14141.

ص: 248

5 -

ما رواه البخاري ومالك، عن سعيد بن المسيب أنه قال:

(لا ربا في الحيوان)(1) وقد نظر الشوكاني في هذه الأدلة ثم خلص إلى القول:

لا شك أن أحاديث النهي وإن كان كل واحد منها لا يخلو من مقال، لكنها ثبتت من طريق ثلاثة من الصحابة، سمرة، وجابر بن سمرة، وابن عباس، وبعضها يقوي بعضا، فهي أرجح من حديث واحد غير خال من المقال، وهو حديث عبد الله بن عمرو، ولا سيما وقد صحح الترمذي وابن الجارود حديث سمرة، وقد تقرر في الأصول أن دليل التحريم أرجح من دليل الإباحة.

وأما الآثار الواردة عن الصحابة فلا حجة فيها، وعلى فرض ذلك فهي مختلفة (2).

(1) مصنف عبد الرزاق 8/ 20 رقم 14137، موطأ مالك 2/ 654، باب ما لا يجوز من بيع الحيوان.

(2)

نيل الأوطار 5/ 316.

ص: 249

صفحة فارغة

ص: 250

أثر التوبة على عقوبة القذف

في الفقه الإسلامي

للدكتور / عبد الله بن سليمان المطرودي (1)

المقدمة:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد.

فإن الله سبحانه وتعالى حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن من الأقوال والأفعال، وشرع عقوبات تصون الناس أفرادا وجماعات، وتحفظ عليهم دينهم، ونفوسهم، وأعراضهم، وعقولهم، وأموالهم، ليبقى الناس على الاستقامة، وعلى المنهج السوي، فإن إخلاء المجتمع عن الزواجر يؤدي إلى فساده واختلاله.

ومن هذه العقوبات عقوبة القذف، فقد شرع الحكيم الخبير عقوبة

(1) دكتور في قسم الفقه، كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

ص: 251

رادعة لمن يتكلم بعرض آخر، ولم يستطع إثبات كلامه؛ لتبقى الأعراض مصونة، والأنساب محمية، والمجتمعات نقية من أقوال السوء التي توغر الصدور، وتبذر الفجور، فالعقوبة هي السياج المنيع على أعراض الناس من أن تدنس كذبا وبهتانا، وهي الحارس على ألسنة الناس من أن تنطق منكرا من القول وزورا، حتى ينهج الناس في حياتهم وعلاقاتهم منهجا معتدلا سليما.

ومن رحمة الله بعباده أن جعل لمن ابتلي بشيء من هذه مخرجا يطهره مما أصابه من آثار المعاصي والذنوب، فجعل العقوبات التي هي زواجر عن اقتراف المحرمات جوابر من أقيمت عليه، تكفر عنه ما اقترف من الذنوب والخطايا.

فقد روى البخاري (ت 256هـ) في صحيحه بسنده عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه (ت 34 هـ) قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس فقال: «بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، وقرأ هذه الآية كلها (2)» الحديث.

(1) صحيح البخاري، كتاب الحدود، باب الحدود كفارة (4/ 247) حديث (6784).

(2)

(1) فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارته. . .

ص: 252

وجعل التوبة النصوح مزيلة لآثار الذنوب والمعاصي، فمن اقترف ذنبا ثم تاب وأناب إلى ربه، فإن الله يغفر له إن شاء، قال تعالى:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (1) ومما يؤسف له في هذا العصر انتشار السب، والشتم، والقذف على ألسنة كثير من الناس، وتساهلوا به كثيرا، فلا يعي أحدهم خطورة ما يقول، ولا يخاف مما يترتب على قوله من وعيد في الآخرة، وعقوبة في الدنيا، فلا عنه يتورعون، ولا منه يتوبون، فلهذا أحببت أن أساهم بجهد المتواضع في بيان عقوبة القذف، وأثر التوبة عليها. والله المستعان وعليه التكلان.

أسباب اختيار الموضوع:

من أهم الأسباب التي دفعتني إلى الكتابة في هذا الموضوع ما يلي:

1 -

إبراز الأهمية الكبرى لأثر التوبة على عقوبة القذف.

2 -

جمع شتات هذا الموضوع في بحث مستقل، تيسيرا للاستفادة منه.

3 -

استكمال بعض الجوانب التي أغفلتها الدراسات المعاصرة التي تناولت هذا الموضوع.

الدراسات التي تناولت هذا الموضوع:

أولا: الدراسات السابقة:

(1) سورة الزمر الآية 53

ص: 253

لا يكاد يخلو كتاب من المؤلفات القديمة - في التفسير، أو الحديث، أو الفقه- عن مباحث في هذا الموضوع، إلا أنه لا يجمعها كتاب واحد، أو مبحث واحد، بل هي متناثرة في مؤلفات شتى، وفي مباحث متفرقة. فلذلك هي بحاجة ماسة إلى بذل الجهد في جمعها وترتيبها في مؤلف واحد.

ثانيا: الدراسات المعاصرة:

هناك دراسات فقهية معاصرة تناولت هذا الموضوع، إلا أن هذه الدراسات جميعها لم تتناول هذا الموضوع بشكل مستقل- فيما أمكنني الاطلاع عليه- بل إنها تناولته ضمن دراسات أخرى، لذلك لم تستكمل جميع جوانبه، ومنها ما يلي:

1 -

كتاب المبادئ الشرعية في أحكام العقوبات في الفقه الإسلامي، للدكتور / عبد السلام محمد شريف. فقد تحدث في مبحث من كتابه - من ص (237) إلى ص (246) - عن أثر التوبة في إسقاط الحدود عامة، ولم يتطرق إلى التفاصيل الدقيقة.

2 -

كتاب سقوط العقوبات في الفقه الإسلامي، للدكتور / جبر محمود الفضيلات. فقد تحدث في كتابه عن أثر التوبة في إسقاط الحدود على وجه العموم.

3 -

كتاب التوبة في ضوء القرآن الكريم، للدكتورة / آمال بنت صالح نصير.

ص: 254

فقد تحدثت في كتابها- من ص (427) إلى ص (445) - عن أثر التوبة في حد القذف بشيء من الإجمال.

وبهذا يتضح أن الدراسات الفقهية المعاصرة لم تستكمل جميع جوانب الموضوع، وأن الموضوع بحاجة إلى استكمال بعض المسائل، والأقوال، وبسطها، وتفصيلها، واستقصاء الأقوال، والأدلة، ومناقشتها، وتمحيصها. فإذا انضمت هذه الأمور إلى الدراسات السابقة اكتمل الموضوع.

هذا، ولا أدعي أن هذا البحث قد بلغ الكمال، بل هو كسائر أعمال البشر، يعتريه النقص، والقصور، والخطأ، ولكن حسبي أني بذلت غاية ما أستطيع، فإن وفقت فيه إلى الصواب، فذلك من فضل الله وكرمه، وإن لم أوفق فيه إلى الصواب، فأسأل الله أن يغفر لي، وحسبي أني كنت حريصا على الصواب، ساعيا في الوصول إليه، والله الموفق، والهادي إلى سواء السبيل.

خطة البحث: سينتظم هذا البحث الذي أسميته (أثر التوبة على عقوبة القذف في الفقه الإسلامي) في مقدمة، وتمهيد، وفصلين، وخاتمة.

المقدمة:

اشتملت المقدمة على النقاط الآتية:

أ- أهمية الموضوع.

ص: 255

ب- أسباب اختيار الموضوع.

ج- الدراسات السابقة التي تناولت الموضوع.

د- خطة البحث.

هـ- منهج البحث.

التمهيد:

اشتمل التمهيد على ستة مباحث:

المبحث الأول: تعريف الأثر.

المبحث الثاني: تعريف التوبة.

المبحث الثالث: حكم التوبة.

المبحث الرابع: تعريف العقوبة.

المبحث الخامس: تعريف القذف.

المبحث السادس: عقوبة القذف.

الفصل الأول: أثر التوبة على عقوبة القذف ويشتمل على ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: أثر التوبة على عقوبة الجلد.

المبحث الثاني: أثر التوبة على عقوبة رد الشهادة.

المبحث الثالث: أثر التوبة على عقوبة التفسيق.

ص: 256

الفصل الثاني: صفة توبة القاذف.

الخاتمة

منهج البحث:

المنهج الذي سلكته في إعداد هذا البحث يتلخص في النقاط التالية:

1 -

اعتمدت في جمع المادة العلمية لهذا البحث على المصادر الأصلية.

2 -

بذلت الوسع في استقصاء الأقوال الواردة في كل مسألة، وذلك بذكر المذاهب الأربعة والظاهرية، حسب التسلسل الزمني، ثم ذكرت ما وقفت عليه من أقوال الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين، ومن بعدهم من الأئمة المعتبرين حسب الإمكان.

3 -

ذكرت أدلة كل الأقوال، مبتدئا بأدلة القول الأول، ثم الثاني، وهكذا إلى آخر الأدلة، وأذكر المناقشة التي ترد على الدليل عند الاستدلال به، ثم الإجابة عليها إن وجد شيء من ذلك؛ ليتضح الدليل وصلاحيته للاستدلال في مقام واحد.

4 -

وثقت كل مذهب أو قول من مصادره الأصلية.

5 -

عزوت الآيات كلما وردت مبينا اسم السورة ورقم الآية.

6 -

خرجت الأحاديث والآثار الواردة في البحث، وإذا كان الحديث أو الأثر واردا في غير الصحيحين فإني أذكر أقوال العلماء في درجته بإيجاز.

7 -

ترجمت لكل علم يحتاج إلى ترجمة.

8 -

ختمت البحث بخاتمة ذكرت فيها أهم النتائج التي توصلت

ص: 257