الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهل الأمصار)
ما لا يدخل في الرسم العثماني:
لا يدخل في الرسم العثماني الأمور التالية:
أولا: النقط التي تتميز بها الحروف فإنها إنما ألحقت بالحروف العربية في عصر التابعين وكانت الحروف قبل ذلك تكتب غير منقوطة قال أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني المتوفى سنة 444 هـ: باب ذكر من نقط المصاحف أولا من التابعين ومن كره ذلك ومن ترخص فيه من العلماء: اختلفت الرواية لدينا فيمن ابتدأ بنقط المصاحف من التابعين فروينا أن المبتدئ بذلك كان أبا الأسود الدؤلي.
وروينا أن ابن سيرين كان عنده مصحف نقطه يحيى بن يعمر وأن يحيى أول من نقطها" (1).
ثانيا: الحركات والتنوين وأول من وضعها أبو الأسود الدؤلي وكانت نقطا وذلك أنه أراد أن يعمل كتابا في العربية يقوم الناس به ما فسد من كلامهم إذ كان ذلك قد نشأ في خواص الناس وعوامهم
(1) كتاب النقط المطبوع مع المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار ص129.
فأحضر من يمسك المصحف وأحضر صبغا يخالف لون المداد وقال للذي يمسك المصحف عليه: إذا فتحت فاي فاجعل نقطة فوق الحرف وإذا كسرت فاي فاجعل نقطة تحت الحرف وإذا ضممت فاي فاجعل نقطة أمام الحرف فإن أتبعت هذه الحروف غنة يعني تنوينا فاجعل نقطتين حتى آتي على آخر المصحف. وقيل إن أول من فعل ذلك نصر بن عاصم الليثي (1) ثم إن الخليل بن أحمد طور ذلك حيث اخترع الحركات المأخوذة من الحروف (2).
ثالثا: الهمزة والتشديد والروم والإشمام وأول من وضعها الخليل بن أحمد الفراهيدي.
رابعا: علامات التجويد وعلامات الوصل والوقف فإنها لم تكن في الرسم العثماني وإنما كتبت بعد الكتابة في علم التجويد.
خامسا: علامات ختم الآية وكتابة الأعشار والأخماس وأسماء السور وعدد الآيات وعلامة السجدة. قال قتادة بدءوا فنقطوا ثم خمسوا وعشروا، وقال يحيى بن أبي كثير: ما كانوا يعرفون شيئا مما أحدث في المصاحف إلا النقط الثلاث على رءوس الآي وأخرج أبو عبيد وغيره جردوا القرآن ولا تخلطوه بشيء. وقال الحليمي: تكره كتابة الأعشار والأخماس وأسماء السور وعدد الآيات فيه لقوله جردوا القرآن (3).
(1) كتاب النقط المطبوع مع المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار ص129.
(2)
الإتقان في علوم القرآن ص 219
(3)
الإتقان في علوم القرآن ص 218، 219.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لم يكن الصحابة ينقطون المصاحف ويشكلونها حيث كانوا عربا لا يلحنون فلم يحتاجوا إلى تقييدها بالنقط وكان في اللفظ الواحد قراءتان يقرأ بالياء والتاء مثل يعملون وتعملون فلم يقيدوه بأحدهما ليمنعوه من الأخرى.
ثم إنه في زمن التابعين لما حدث اللحن صار بعض التابعين يشكل المصاحف وينقطها وكانوا يعملون ذلك بالحمرة ويعملون الفتح بنقطة حمراء فوق الحرف والكسرة بنقطة حمراء تحته والضمة بنقطة حمراء أمامه ثم مدوا النقطة الحمراء وصاروا يعملون الشدة بقولك " شد " ويعملون المدة بقولك " مد " وجعلوا علامة الهمزة تشبه العين؛ لأن الهمزة أخت العين ثم خففوا ذلك وصارت علامة الشدة مثل رأس السين وعلامة المدة مختصرة كما يختصر أهل الديوان ألفاظ العدد وغير ذلك كما يختصر المحدثون أخبرنا وحدثنا فيكتبون أول اللفظ وآخره على شكل أنا وعلى شكل ثنا وتنازع العلماء هل يكره تشكيل المصاحف وتنقيطها على قولين معروفين وهما روايتان عن أحمد لكن لا نزاع بينهم أن المصحف إذا شكل ونقط وجب احترام الشكل والنقط كما يجب احترام الحرف) (1) اهـ
وإن المتأمل في خط المصحف العثماني المجرد من الشكل
(1) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 12/ 101، 102.
والنقط يجد انحصار مخالفته للخط القياسي في هيئة بعض الحروف مثل زيادة الألف بعد الواو في قوله تعالى: (ملاقوا ربهم) وقوله سبحانه: (تفتؤا) وقوله عز وجل: (الظنونا)، وإبدال الألف واوا في (الصلاة) و (الزكاة) و (الربا)، وحذف الألف في وسط الكلمة ألف (العالمين)، ومن ياء النداء في قوله تعالى:(يا أيها الناس) و (يا آدم) و (يا رب).
وقد سئل الإمام مالك عن الحروف في القرآن مثل الواو والألف أترى أن يغير من المصحف إذا وجد فيه ذلك قال: لا (1) وقال الإمام أحمد: يحرم مخالفة خط مصحف عثمان في واو أو ياء أو ألف أو غير ذلك. والمقصود الواو والألف المزيدتان في الرسم المعدومتان في اللفظ نحو (أولوا)(2).
وقد خالفت المصاحف المطبوعة في استانبول عاصمة الدولة العثمانية رسم المصحف العثماني المجمع عليه بين علماء الرسم في مواضع منها كتابة الألف المتوسطة في مثل (العالمين) و (مسلمات) ونحوها فإنها محذوفة في رسم المصحف العثماني (3)
(1) انظر: المقنع في معرفة رسوم مصاحف أهل الأمصار ص 36 والإتقان 213.
(2)
الآداب الشرعية 2/ 295.
(3)
إيقاظ الأعلام ص 17.
التزام الرسم العثماني في كتابة المصحف:
كتابة القرآن الكريم بالرسم العثماني قضية هامة، اهتم بها
العلماء قديما وحديثا، واختلفوا في حكم التزام الرسم العثماني في كتابة المصاحف، هل يجب اتباعه أم يجوز مخالفته؟ ولهم في ذلك ثلاثة أقوال:
القول الأول: ذهب جمهور العلماء إلى وجوب اتباع الرسم العثماني عند كتابة المصحف، وأنه لا تجوز مخالفته، لأنه اصطلاح اتفق عليه الصحابة رضي الله عنهم وأجمعوا عليه، وتلقته الأمة بالقبول، فلا يجوز العدول عنه. ويرى بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به معاوية رضي الله عنه حين كتابة الوحي (1).
ومن نصوص العلماء على وجوب الأخذ به:
قال أبو عمرو الداني - بإسناده- (. . . قال أشهب: سئل مالك فقيل له: أرأيت من استكتب مصحفا اليوم أترى أن يكتب على ما أحدث الناس من الهجاء اليوم؟
فقال: لا أرى ذلك، ولكن يكتب على الكتبة الأولى.
قال أبو عمرو: ولا مخالف له في ذلك من علماء الأمة) (2).
وقال في موضع آخر: (سئل مالك عن الحروف في القرآن: الواو، والألف، أترى أن يغير من المصحف إذا وجد فيه كذلك؟
(1) مسند الفردوس للديلمي 5/ 394 حديث رقم 8533 ولم يصح ذلك بسند يعتد به كما سيأتي.
(2)
المقنع ص 9، 10، وينظر: الإتقان للسيوطي 4/ 1154.
قال: لا.
قال أبو عمرو: يعني الواو والألف المزيدتين في الرسم المعدومتين في اللفظ، نحو الواو (أولئك) و (أولي) و (أولات) و (سأوريكم) و (الربوا) وشبهه ونحو ذلك الألف في (لن ندعوا) و (ليبلوا) و (لا تايسوا) و (أولا أذبحنه) و (مائة) و (مائتين) و (لا تايسوا) و (لا يا يئس) و (أفلم يايئس) و (يبدءا) و (تفتئوا) و (يعبؤا) وشبهه وكذلك الياء في نحو (من نبأي المرسلين) و (ملائه) و (أفأن مت) وما أشبهه) (1) ا. هـ.
وقال الهيتمي بعد ذكر كلام الإمام مالك رحمه الله: (قال بعض أئمة القراء: ونسبته إلى مالك، لأنه المسئول، وإلا فهو مذهب الأئمة الأربعة. . وقال بعضهم: والذي ذهب إليه مالك هو الحق إذ فيه بقاء الحالة الأولى إلى أن يتعلمها الآخرون، وفي خلافها تجهيل آخر الأمة- أولهم)(2).
وقال الإمام أحمد بن حنبل: تحرم مخالفة خط عثمان في واو وياء وألف وغير ذلك (3).
وقال البيهقي: (من كتب مصحفا فينبغي أن يحافظ على
(1) المقنع ص؟؟؟، فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم 13/ 81، 82.
(2)
الفتاوى الفقهية الكبرى 1/ 38.
(3)
الآداب الشرعية 2/ 295، فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم 13/ 82.
الهجاء الذي كتبوا به هذه المصاحف، ولا يخالفهم فيه، ولا يغير مما كتبوه شيئا، فإنهم كانوا أكثر علما وأصدق قلبا ولسانا، وأعظم أمانة منا، فلا ينبغي أن نظن بأنفسنا استدراكا عليهم ولا سقطا لهم.
- وروى بإسناده - عن زيد بن ثابت قال: القراءة سنة.
قال سليمان: يعني ألا تخالف الناس برأيك في الاتباع، وبمعناه بلغني عن أبي عبيد في تفسير ذلك، قال: ونرى القراء لم يلتفتوا إلى مذاهب العربية في القراءة إذا خالف ذلك خط المصحف، ورأوا تتبع حروف المصاحف عندهم كالسنن القائمة التي لا يجوز لأحد أن يتعداها) (1).
وحكى القرطبي عن ابن بطال أنه قال: (. . . إنما يجب تأليف سورة في الرسم والخط خاصة. . .)(2).
وقال ابن العربي في تفسير قوله تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} (3):
(وأما من قرأها: (لأقسم) فاختلفوا: فمنهم من حذفها في الخط كما حذفها في اللفظ وهذا لا يجوز، فإن خط المصحف أصل ثابت بإجماع الصحابة) (4).
(1) شعب الإيمان 2/ 548، حديث رقم 2679، فصل في تفخيم قدر المصحف وتفريج خطه.
(2)
تفسير القرطبي 1/ 61.
(3)
سورة البلد الآية 1
(4)
تفسير أحكام القرآن 4/ 1934.
وقال البهوتي: (وتحرم مخالفة خط عثمان بن عفان رضي الله عنه في رسم واو وياء وألف وغير ذلك، كمد التاء وربطها نصا)(1)
(1) كشاف القناع 1/ 155.
أدلة هذا القول: استدل أصحاب هذا القول على وجوب اتباع الرسم العثماني في كتابة المصحف بالأدلة الآتية:
1 -
السنة القولية: قالوا: إن هذا الرسم توقيفي، وكتب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال لمعاوية:«ألق الدواة وحرف القلم وانصب الياء، وفرق السين، ولا تعور الميم، وحسن الله ومد الرحمن، وجود الرحيم (1)»
فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم كيف يكتبون، ويأمرهم بتحسين الحروف وطريقة كتابة القرآن، فلا تجوز مخالفة أمره إذ يقول تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (2).
نوقش هذا الدليل بأن هذا الحديث لم يثبت سندا (3)، فلا
(1) الفردوس بمأثور الخطاب للديملي 5/ 394 حديث رقم 8633، أدب الإملاء والاستملاء للسمعاني 1/ 170 وتفسير القرطبي 13/ 353، مباحث علوم القرآن للقطان ص 127.
(2)
سورة الحشر الآية 7
(3)
ينظر: فتح الباري 7 4، مباحث في علوم القرآن للقطان ص 128.
يعتمد عليه.
2 -
السنة التقريرية: كان للنبي صلى الله عليه وسلم كتاب يكتبون الوحي، وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على ما كتبوا وكيفما كتبوا، وهم كتبوا هذا الرسم، فلم ينتقل صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى إلا وكان القرآن كله مكتوبا، وكانت كتابته الأولى في عهده عليه الصلاة والسلام على الأكتاف وقطع الجلود واللخاف ونحوها، ولم يجمع في مصحف واحد لتوقع حصول النسخ في شيء، منه ولما انقطع الوحي بوفاته صلى الله عليه وسلم وانتهى زمن النسخ كتب الصحابة رضي الله عنهم القرآن في مصحف واحد بأمر أبي بكر رضي الله عنه، وكانت الكتابة بالرسم الذي أقره صلى الله عليه وسلم. ومعلوم أن السنة التقريرية واجبة الاتباع كالسنة القولية.
ويناقش هذا بأن غاية ما يدل عليه ذلك الجواز والاستحباب ولا تصلح السنة التقريرية دليلا على المنع لما عداها وتحريمه.
3 -
عمل الصحابة رضي الله عنهم: عندما كتب الصحابة رضي الله عنهم المصاحف بأمر عثمان الخليفة الراشد رضي الله عنه واتبعوا ما كتب في مصحف أبي بكر رضي الله عنه، فجاءت الكتابة
بهذا الرسم وارتضاه عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو الخليفة الراشد، وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم باتباع سنة الخلفاء الراشدين بقوله في حديث العرباض بن سارية:«فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ (1)»
فلا يجوز لنا أن نخالف عمل الخلفاء الراشدين. ولا سيما مثل هذا العمل الذي أقره الصحابة كلهم ولم يخالف منهم أحد، فيكون إجماعا منهم، كما جاء عن مصعب بن سعد قال:"أدركت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حين شقق عثمان المصاحف، قال: فأعجب، أو قال: لم يعب ذلك منهم أحد"(2).
ويناقش هذا الدليل بأننا لو فرضنا التسليم له لحرمنا كتابة النقط والحركات والهمز وعلامات الوقف والوصل وترقيم الآيات وغيرها فذلك مما لم يوجد في مصحف عثمان وقد صح عن عبد الله
(1) سنن الترمذي، كتاب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة، حديث رقم 2600، سنن أبي داود، كتاب السنة، باب في لزوم السنة، حديث رقم 3991، سنن ابن ماجه في المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين، حديث رقم 42.
(2)
خلق أفعال العباد للبخاري 1/ 86، المقنع للداني ص 9.
ابن مسعود رضي الله عنه أنه لما بلغه أن عثمان أمر بإحراق المصاحف التي تخالف المصحف الإمام ساءه ذلك فقام وخطب وقال من استطاع أن يغل مصحفه فليفعل ثم قرأ {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (1).
4 -
إجماع الأمة: أجمعت الأمة من العصور الأولى على اتباع هذا الرسم، فكما اتفق الصحابة رضي الله عنهم عليه، كذلك اتفق من بعدهم من التابعين وتابعيهم، فلم يخالف أحد منهم في هذا الرسم، ولم ينقل أن أحدا منهم استبدل به رسما آخر من الرسوم التي حدثت في عهد ازدهار التأليف، ونشاط التدوين وتقدم العلوم، بل بقي الرسم العثماني محترما متبعا في كتابة المصاحف لا يمس استقلاله ولا يباح حماه (2). وقد نقل الإجماع عدد من العلماء كأبي عمرو الداني وابن حجر الهيتمي وابن العربي كما مر في ذكر نصوص العلماء في هذه المسألة.
ونوقش هذا الدليل. بما نوقش به الدليل السابق فليس في الإجماع إن سلم به ما يدل على تحريم ما سواه وكيف يقال بالإجماع وقد زاد التابعون على رسم عثمان النقط والحركات والهمز كما سبق.
(1) سورة آل عمران الآية 161
(2)
ينظر: مناهل العرفان 1/ 377، إيقاظ الأعلام ص 16، الفتح الرباني للدكتور محمد محمد سالم محيسن ص 59.
القول الثاني:
ذهب بعض العلماء إلى جواز كتابة المصاحف بغير الرسم العثماني، وأنه تجوز مخالفته، ولا مانع من كتابة المصحف بالخطوط المستحدثة، وممن قال به: العز بن عبد السلام وابن خلدون، والقاضي أبو بكر الباقلاني والشوكاني، ورجحه صاحب التبيان والزركشي في البرهان، ورشيد رضا والزرقاني في مناهل العرفان.
ومن نصوص هؤلاء الفقهاء نأخذ ما يلي:
قال العز بن عبد السلام: لا تجوز كتابة المصحف الآن على غير الرسم الأول باصطلاح الأئمة لئلا يوقع في تغيير من الجهال ولكن لا ينبغي إجراء هذا على إطلاقه لئلا يؤدي إلى دروس العلم وشيء قد أحكمته القدماء لا يترك مراعاة لجهل الجاهلين ولن تخلو الأرض من قائم لله بحجة" (1).
وقال القاضي أبو بكر الباقلاني في الانتصار:
(وأما الكتابة فلم يفرض الله على الأمة فيها شيئا، إذ لم يأخذ على كتاب القرآن وخطاط المصاحف رسما بعينه دون غيره أوجبه عليهم وترك ما عداه، إذ وجوب ذلك لا يدرك إلا بالسمع والتوقيف، وليس في نصوص الكتاب ولا مفهومه أن رسم القرآن وضبطه لا يجوز إلا على وجه مخصوص، وحد محدود لا يجوز تجاوزه،
(1) مناهل العرفان ص 385.
ولا في نص السنة ما يوجب ذلك ويدل عليه، ولا في إجماع الأمة ما يوجب ذلك، ولا دلت عليه القياسات الشرعية.
بل السنة دلت على جواز رسمه بأي وجه سهل، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر برسمه ولم يبين لهم وجها معينا ولا نهى أحدا عن كتابته، ولذلك اختلفت خطوط المصاحف، فمنهم من كان يكتب الكلمة على مخرج اللفظ، ومنهم من كان يزيد وينقص لعلمه بأن ذلك اصطلاح وأن الناس لا يخفى عليهم الحال، ولأجل هذا بعينه جاز أن يكتب بالحروف الكوفية والخط الأول، وأن يجعل اللام على صورة الكاف، وأن تعوج الألفات، وأن يكتب على غير هذه الوجوه، وجاز أن يكتب المصحف بالخط والهجاء القديمين، وجاز أن يكتب بالخطوط والهجاء المحدثة، وجاز أن يكتب بين ذلك.
وإذا كانت خطوط المصاحف وكثير من حروفها مختلفة متغايرة الصورة، وكان الناس قد أجازوا ذلك وأجازوا أن يكتب كل واحد منهم بما هو عادته، وما هو أسهل وأشهر وأولى، من غير تأثيم ولا تناكر علم أنه لم يؤخذ في ذلك على الناس حد محدود مخصوص، كما أخذ عليهم في القراءة والأذان.
والسبب في ذلك أن الخطوط إنما هي علامات ورسوم تجري مجرى الإشارات والعقود والرموز، فكل رسم دال على الكلمة مفيد لوجه قراءتها تجب صحته وتصويب الكاتب به على أي صورة كانت.
وبالجملة فكل من، ادعى أنه يجب على الناس رسم خاص وجب عليه أن يقيم الحجة على دعواه وأنى له ذلك) (1).
ويؤكد الشوكاني بأن هذه الخطوط والنقوش مجرد اصطلاح ولا مشاحة في الاصطلاح، فلا مانع من تغيير الرسم، حيث يقول في تفسيره (فتح القدير): عند كلامه على الربا:
(وقياس كتابة الربا بالياء للكسرة في أوله، وقد كتبوه في المصحف بالواو، قال في الكشاف: على لغة من يفخم كما كتبت الصلاة والزكاة، وزيدت الألف بعدها تشبيها بواو الجمع- انتهى - قلت: - أي الشوكاني - وهذا مجرد اصطلاح لا يلزم المشي عليه، فإن هذه النقوش الكتابية أمور اصطلاحية لا يشاحح في مثلها إلا فيما كان يدل به منها على الحرف الذي كان في أصل الكلمة- ونحوه كما هو مقرر في مباحث الخط من علم الصرف. وعلى كل حال فرسم الكلمة- وجعل نقشها الكتابي على ما يقتضيه اللفظ بها هو الأولى)(2).
وقال عبد الرحمن بن محمد بن خلدون: كان الخط العربي أول الإسلام غير بالغ إلى الغاية من الإحكام والإتقان والإجادة ولا إلى التوسط لمكان العرب من البداوة وبعدهم عن الصنائع وانظر ما وقع
(1) مناهل العرفان 1/ 380، 381.
(2)
تفسير فتح القدير 1/ 294، 295.
من أجل ذلك في رسمهم المصحف حيث رسمه الصحابة بخطوطهم وكانت غير مستحكمة في الإجادة فخالف الكثير من رسمهم ما اقتضته رسوم صناعة الخط عند أهلها ثم اقتفى التابعون من السلف رسمهم فيها تبركا. مما رسمه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخير الخلف من بعده المتلقون لوحيه من كتاب الله تعالى.
ولا تلتفتن في ذلك إلى ما يزعمه بعض المغفلين من أنهم كانوا محكمين لصناعة الخط، وما حملهم على ذلك إلا اعتقادهم أن في ذلك تنزيها للصحابة عن توهم النقص في قلة إجادة الخط وحسبوا أن الخط كمال فنزهوهم عن نقصه ونسبوا إليهم الكمال بإجادته وطلبوا تعليل ما خالف الإجادة من رسمه وليس ذلك بصحيح) (1) ا. هـ
وقال الشيخ محمد رشيد رضا في فتاواه (2). مست الضرورة لطبع مصحف مفسر بالرسم العرفي ليقرأه الجماهير قراءة صحيحة غير محرفة ويفهموه إذ علم بالتجربة أن أكثر الناس يخطئون في القراءة في هذه المصاحف إلا من تلقاها من القراء وقليل ما هم وسئلنا عن ذلك فأجبنا عنه. مما رأيتموه في الجزء الثاني من منار هذه السنة من الجواز وتعليله " ا. هـ
(1) انظر: تاريخ المصحف ص82، الفتح الرباني في علاقات القراءات بالرسم العثماني ص65.
(2)
فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا 6/ 2541، 2542