الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيا: التفكر طريق التذكر وحياة القلوب:
فالتفكر طريق إلى التذكر، وبينهما ارتباط وثيق " والتفكر والتذكر منزلان يثمران أنواع المعارف وحقائق الإيمان والإحسان، والعارف لا يزال يعود بتفكره على تذكره، وتذكره على تفكره حتى يفتح قفل قلبه بإذن الفتاح العليم، قال الحسن البصري: ما زال أهل العلم يعودون بالتذكر على التفكر وبالتفكر على التذكر ويناطقون القلوب حتى نطقت "(1).
وتذكر المرء واتعاظه بالآيات إنما يبدأ من التفكر؛ ولذلك قال بعض السلف: إن للموعظة غطاء، وكشف غطائها التفكر (2).
والتفكر يذهب الغفلة عن المرء ويجلب الحياة لقلبه، قال بعض السلف: دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتفكر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين (3). وقال ابن عون: الفكرة تذهب الغفلة وتحدث للقلب الخشية كما يحدث الماء للزرع النبات، وما جليت القلوب بمثل الأحزان، ولا استنارت بمثل الفكرة (4).
(1) انظر: أبا نعيم، حلية الأولياء، ج10، ص19، وانظر: ابن القيم، مدارج السالكين، ج1، ص441.
(2)
انظر: أبا نعيم، حلية الأولياء، ج8، ص208
(3)
انظر: أبا نعيم، حلية الأولياء، ج10، ص327
(4)
انظر: البغوي، معالم التنزيل، ج4، ص152
كما أن التفكر نور يدخله المرء إلى قلبه. قال سفيان بن عيينة رحمه الله: " الفكرة نور تدخله إلى قلبك، كما أنه يظهر على المرء في هيئته وسكونه ووقاره ". وقال وهب بن منبه رحمه الله: " المؤمن إذا تفكر علته السكينة "(1).
وأعظم ما يتفكر به المرء وينتفع به كتاب الله تبارك وتعالى، قراءة وتدبرا وتفكرا، ففيه حياة القلوب والأبدان، قال ابن القيم رحمه الله:" فلا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر، فإنه جامع لجميع منازل السائرين وأحوال العاملين، ومقامات العارفين، وهو الذي يورث المحبة والشوق والخوف والرجاء والإنابة والتوكل والرضا والتفويض والشكر والصبر وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكماله، وكذلك يزجر عن جميع الصفات والأفعال المذمومة التي بها فساد القلب وهلاكه، فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها، فإذا قرأه بتفكر ومر بآية وهو محتاج إليها في شفاء قلبه كررها ولو مائة مرة، ولو ليلة، فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم "(2).
إن قراءة القرآن بالتفكر أصل صلاح القلب، وكانت عادة السلف أن يقوم أحدهم بالآية يرددها حتى الصباح، وتقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بآية يرددها إلى أن أصبح، وهي قوله تعالى:
(1) انظر: أبا نعيم، حلية الأولياء، ج4، ص68
(2)
ابن القيم، مفتاح دار السعادة، ج1 ص 187