الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولذلك فإن العلماء أكثر الناس تفكرا؛ لأنهم يعكفون على العلم ويتفكرون في مسائله ودلائله وأحكامه، وكلما ازداد العالم تفكرا في مسائل العلم ازداد علما وفهما لأحكام الشرع ومقاصده.
خامسا: التفكر طريق إلى الانتفاع بالمخلوقات:
فالتفكر يقود إلى استخراج المنافع المتنوعة من المخلوقات، فإن الله سخرها للإنسان وأودع فيها من المنافع والخيرات الدينية والدنيوية.
قال السعدي رحمه الله: فجميع فنون الصناعات على كثرتها وتنوعها وتفوقها - ولا سيما في هذه الأوقات - كل ذلك داخل في تسخيرها لنا، وقد عرفت الحاجة بل الضرورة في هذه الأوقات إلى استنباط المنافع وترقية الصنائع إلى ما لا حد له، وقد ظهر في هذه الأوقات من موادها وعناصرها ما فيه فوائد عظيمة للخلق، ومن القواعد المقررة أن ما لا تتم الأمور المطلوبة إلا به فهو مطلوب بطلبها، وهذا يدل أن تعلم الصناعات والمخترعات الحادثة من الأمور المطلوبة شرعا كما هي مطلوبة لازمة عقلا، وأنها من الجهاد في سبيل الله، ومن علوم القرآن، فإن الله نبه العباد أنه جعل الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس، وأنه سخر لهم ما في الأرض، فعليهم أن يسعوا لتحصيل هذه المنافع من أقرب الطرق، وهي لا تعرف إلا بالبحث والتنقيب والتجارب المتكررة والدراسات المناسبة لكل نوع منها، وهذا من آيات القرآن، وهو أكبر دليل على سعة علم الله وحكمته
ورحمته بعباده؛ بأن أباح لهم جميع النعم ويسر لهم الوصول إليها بطرق لا تزال تحدث وقتا بعد وقت (1).
إن من أعظم نعم الله على العبد أن يتفكر في مخلوقاته ويتأملها من خلال الآيات القرآنية التي أشارت إليها، كقوله تعالى:{صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} (2)، وقوله تعالى:{الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} (3)، وقوله تعالى:{وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} (4)، وغيرها من الآيات الدالة على أن الله - جل وعلا - خلق هذه المخلوقات وقدر لها وهداها إلى ما قدر لها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فقوله سبحانه: {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} (5) يتضمن أنه قدر ما سيكون للمخلوقات وهداها إليه، وعلم ما يحتاج إليه الناس والدواب من الرزق وهدى غيره من الأحياء أن يسوق إليه ذلك الرزق، وخلق الأرض وقدر حاجتها إلى المطر، وقدر السحاب وما يحمله من المطر، وخلق ملائكة ليسوقوا السحاب إلى تلك الأرض فيمطر المطر الذي قدره، وقدر ما ينبت منها من الرزق، وقدر حاجة العباد إلى ذلك الرزق، وهداهم إلى ذلك الرزق وهدى من يسوق ذلك الرزق إليهم)) (6) فسبحان من بهر بحكمته الألباب ((ففي
(1) السعدي، القواعد الحسان ص86، 87 بتصرف يسير
(2)
سورة النمل الآية 88
(3)
سورة طه الآية 50
(4)
سورة الأعلى الآية 3
(5)
سورة الأعلى الآية 3
(6)
ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ج16، ص 139
كل ما خلقه إحسان إلى عباده يشكر عليه، وله فيه حكمة تعود إليه يستحق أن يحمد عليها لذاته)) (1).
ولكل مخلوق حكمة خلق لأجلها، والحكمة الموجودة في المخلوقات أمر يفوق العد والإحصاء.
وهذه المخلوقات كلها تسبح بحمد الله كما قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} (2) وليس تسبيح هذه المخلوقات هو دلالتها على الخالق فقط، بل لها تسبيح آخر لا يفقهه العباد، قال شيخ الإسلام:((زعم طائفة أن ما ذكر في القرآن من تسبيح المخلوقات هو من هذا الباب، وهو دلالتها على الخالق تعالى، ولكن الصواب أن ثم تسبيحا آخر زائدا على ما فيها من الدلالة)) (3).
وقد أودع الله في هذه المخلوقات قوة بقدرته تعالى، قال العلماء: " وقد تماسكت الكونيات كلها ولزم كل منها مكانه بقدرة الله تعالى، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} (4) وقد يكون هذا التماسك بسر أودعه الله الكائنات يعرفه من هيأ الله له من أسباب معرفته من علماء السنن الكونية وغيرهم)) (5).
(1) ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ج8، ص 208
(2)
سورة الإسراء الآية 44
(3)
ابن تيمية، مجموع الفتاوي، ج12، 406.
(4)
سورة فاطر الآية 41
(5)
فتاوى اللجنة الدائمة ج1، ص24، والآية من سورة فاطر، الآية 41.