الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه هؤلاء الفتيان. فقال سعيد ما هذه العبادة، ولكن العبادة: التفقه في الدين والتفكر في أمر الله تعالى (1).
ولذلك فإن العبادة الحقة هي التي تجمع بين العلم والعمل، بين الفقه والتفكر، وبين حسن العمل وحسن القصد.
(1) انظر: أبا نعيم، حلية الأولياء، ج2، ص 162
المبحث الثاني: أنواع التفكر ومجالاته:
المطلب الأول: أنواع التفكر:
التفكر في مخلوقات الله وآياته يتفاوت فيه الناس، ويختلفون باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمان، ويمكن أن نتبين نوعين ظاهرين للتفكر والنظر في آيات الله ومخلوقاته.
الأول: نظر إليها بالبصر الظاهر فيرى مثلا زرقة السماء ونجومها وعلوها وسعتها، ويرى سعة الأرض وامتدادها، وجبالها ووهادها، وهذا نظر يشارك الإنسان فيه غيره من الحيوانات وليس هذا المقصود بالأمر.
الثاني: أن يتجاوز هذا إلى النظر بالبصيرة الباطنة، ويتفاوت الناس في هذا تفاوتا عظيما، فمنهم من يأخذ بحظ يسير منه، ومنهم من يتجاوز ذلك حتى ينظر ببصيرته الباطنة سعة وعظمة ملكوت الله وهيمنته على خلقه؛ فيستدل بها على ما لله من صفات الكمال والجلال والعظمة والكبرياء (1).
(1) انظر: ابن القيم، مفتاح دار السعادة ج1، ص199
وقد جاءت آيات عديدة في القرآن الكريم تدعو إلى السير في الأرض، والاعتبار بأحوال الأمم الماضية، قال تعالى:{قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (1) وقال تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} (2) وقال تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} (3).
فالأمر بالسير في الأرض ينقسم إلى قسمين: سير بالأقدام، وسير بالقلب. قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:(أما السير بالقدم فأن يسير الإنسان في الأرض على أقدامه أو على راحلة من بعير أو سيارة أو طيارة أو غيرها حتى ينظر ماذا حصل للكافرين، وماذا كانت حال الكافرين، وأما السير بالقلب فهذا يكون بالتأمل وبالتفكر فيما نقل من أخبارهم)(4).
ومن هنا تبين نوعان من أنواع التفكر:
الأول: التفكر مع النظر وهو لا ينفع إلا أهل الإيمان والقلوب السليمة الذين يعلمون الغاية من الخلق، وهو عبادة الله تعالى كما في قوله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (5).
(1) سورة آل عمران الآية 137
(2)
سورة النمل الآية 69
(3)
سورة العنكبوت الآية 20
(4)
ابن عثيمين، شرح رياض الصالحين، ج1، ص 845
(5)
سورة الذاريات الآية 56