الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والخوف والبكاء والاعتبار بهم وأن يستعيذ بالله من ذلك " (1).
والاعتبار بقصص الماضين من الأمم والأفراد من أعظم دواعي التفكر، كما قال تعالى:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} (2){وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (3)، أي اقصص هذه القصة وغيرها. .، فإن في القصص تفكرا وموعظة فيرجى منه تفكرهم وموعظتهم؛ لأن للأمثال واستحضار النظائر شأنا عظيما في اهتداء النفوس بها وتقريب الأحوال الخفية إلى النفوس الذاهلة أو المتغافلة (4).
(1) النووي، شرح النووي على صحيح مسلم، ج9، ص 321.
(2)
سورة الأعراف الآية 175
(3)
سورة الأعراف الآية 176
(4)
ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج5، ص 179
المبحث الثالث: ثمرات التفكر ومعوقاته:
المطلب الأول: ثمرات التفكر:
للتفكر ثمرات عديدة نذكر منها ما يلي:
أولا: زيادة الإيمان واليقين:
وهو أعظم فوائد التفكر حيث يستدل به المرء على ما لله من صفات الكمال والجلال، ويعلم أنه لا يخلق أحد كخلق الله ولا يدبر كتدبيره سبحانه وتعالى.
قال ابن القيم رحمه الله: " التفكر يوقع صاحبه من الإيمان على ما لا يوقعه عليه العمل المجرد، فإن التفكر يوجب له من انكشاف حقائق الأمور وظهورها له، وتميز مراتبها في الخير والشر ومعرفة مفضولها وفاضلها وأقبحها من قبيحها ومعرفة أسبابها الموصلة إليها، وما يقاوم تلك الأسباب ويدفع موجبها والتمييز بين ما ينبغي السعي في تحصيله وبين ما ينبغي السعي في دفع أسبابه "(1).
وأعظم ما ينبغي أن يتفكر به المرء القرآن العظيم، ليجني من ذلك علوما عديدة منها: علم التوحيد وما لله من صفات الكمال، فإذا مرت عليه الآيات في توحيده وأسمائه وصفاته أقبل عليها، فإذا فهمها وفهم المراد منها أثبتها لله على وجه لا يماثله فيه أحد، وعرف أنه ليس له مثيل في ذاته ولا في صفاته، وامتلأ قلبه من معرفة ربه وحبه بحسب العلم بكمال الله وعظمته، فإن القلوب مجبولة على محبة الكمال فكيف بمن له الكمال المطلق؟ ومنه النعم الجزيلة، وهذا العلم هو أجل علوم القرآن على الإطلاق وهو أصل العلم وأصل التعبد.
ومنها: معرفة صفات الرسل وأحوالهم وما جرى لهم وعليهم، وما كانوا عليه من الأوصاف الراقية والأخلاق الكريمة. ومن ذلك علم أهل السعادة والخير، وأهل الشقاء والشر، والفرقان بين هؤلاء وهؤلاء.
(1) ابن القيم، مفتاح دار السعادة، ج1، ص 180.
ومنها: علم الجزاء في الدنيا والبرزخ والآخرة على أعمال الخير وأعمال الشر، وفي ذلك مقاصد جليلة من الإيمان بكمال عدل الله وسعة فضله والإيمان باليوم الآخر. ومن ذلك معرفة النهي والأمر ومعرفة حدود ما أنزل الله على رسوله، فإن العباد محتاجون إلى معرفة ما أمر الله به وما نهوا عنه والعمل بذلك، والعلم سابق للعمل.
وطريق ذلك: إذا مر على القارئ نص فيه أمر بشيء أو نهى عنه وفهم ما يدخل فيه وما لا يدخل فيه، حاسب نفسه، فإن كان قائما بالأمر متجنبا للنهي فليحمد الله ويسأله الثبات والزيادة، وإن كان غير ذلك فليجاهد نفسه على ذلك.
وبذلك يزداد إيمان العبد ويقينه، فالتفكر من الأسباب الرئيسة في زيادة الإيمان، قال العلماء: أسباب زيادة الإيمان أربعة:
1 -
معرفة الله بأسمائه وصفاته.
2 -
النظر في آيات الله الكونية والشرعية (التفكر).
3 -
كثرة الطاعات وإحسانها.
4 -
ترك المعاصي تقربا إلى الله عز وجل (1).
وأما التفكر في المخلوقات فإن العبد يستدل به على ما لله من
(1) انظر: ابن عثيمين، شرح العقيدة الواسطية، ص 580
صفات الكمال والعظمة والحكم البالغة، وما له من النعم الواسعة والأيادي المتكاثرة، وعلى صدق ما أخبر به من المعاد والجنة والنار، وعلى صدق رسله وحقيقة ما جاءوا به من عنده (1).
وكلما تدبر العاقل في هذه المخلوقات وتغلغل فكره في بدائع المبتدعات وزاد تأمله للصنعة وما أودع فيها من لطائف البر والحكمة، علم بذلك أنها خلقت للحق وبالحق، وأنها صحائف آيات وكتب دلالات على ما أخبر الله به عن نفسه ووحدانيته، وما أخبرت به الرسل عن اليوم الآخر، وأنها مسخرات ليس لها تدبير ولا استعصاء على مدبرها ومصرفها، فيعلم أن العالم العلوي والسفلي كلهم إليه مفتقرون وإليه صائرون، وأنه الغني بالذات عن جميع المخلوقات (2).
قال ابن العربي: " أمر الله تعالى بالنظر في آياته والاعتبار بمخلوقاته في أعداد كثيرة من آي القرآن، أراد بذلك زيادة في اليقين وقوة في الإيمان، وتثبيتا للقلوب على التوحيد، قيل لأبي الدرداء: أفترى الفكر عملا من الأعمال؟ قال: نعم هو اليقين "(3). فالتفكر طريق العبد إلى اليقين، قال بعض السلف: مازال المؤمنون يتفكرون فيما خلق ربهم حتى أيقنت قلوبهم بربهم (4).
(1) انظر: السعدي، القواعد الحسان، ص84
(2)
انظر: السعدي، تيسير الكريم الرحمن، سورة البقرة الآية 164
(3)
ابن العربي، أحكام القرآن، ج2، ص353
(4)
انظر أبا نعيم، حلية الأولياء، ج6، ص303