المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القسم الأول: الموالاة الكفرية - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٧٩

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌الصلاة على الميت الصف عن يمين الإمام فيها

- ‌الصلاة على الحائض والنفساء في المسجد

- ‌المقتول في الزنا أو غيره من الحدود

- ‌هل يصلى على المتخلف عن الجماعة من غير عذر

- ‌رفع الصوت حال اتباع الجنازة

- ‌جواز إدخال الأجنبي المرأة في قبرها، وخلعه عقد أكفانها

- ‌هل يجوز الدعاء عند قبر الميت بعد دفنه

- ‌تشجير المقابر وإضاءتها وترخيمها لا يجوز

- ‌وجوب تعدد المقابر في نواحي مكة

- ‌إذا بلي الميت في قبره جاز أن يدفن فيه غيره

- ‌المقابر والطرق والأسواق لها أحوال

- ‌نقل من دفن في أرض مملوكة

- ‌صورة الجواب

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌ زكاة الدين الذي لم يوف

- ‌ لي دين عند أحد الإخوة، هل يلزمني زكاته، أو أن هناك وقتا محددا لذلك

- ‌ الزكاة في الدين المؤجل

- ‌أقوال العلماء حول كون الدين مانعا من الزكاة

- ‌الديون لا تمنع الزكاة ولو كانت أكثر من المال الموجود

- ‌ إذا كان لدي مبلغ من المال وحال عليه الحول، وعلي التزام تسديد صندوق التنمية العقاري

- ‌المقرض يزكي القرض إذا كان عند مليء

- ‌ هل في القرض زكاة

- ‌بهيمة الأنعام إذا لم تكن سائمة أغلب الحول فلا زكاة فيها

- ‌ ضم بعض المواشي إلى بعض لتكمل نصابا

- ‌أحكام خلطة المواشي

- ‌تجب الزكاة فيما أعد للتجارة من بهيمة الأنعام ولو كانت معلوفة

- ‌ ضرب الوالي قيمة محددةلعين ما يجب إخراجه من بهيمة الأنعام

- ‌ هل على الخضار والفواكه زكاة

- ‌الزكاة تجب في الحبوب والثمار التي تكال وتدخر وينتفع بها حالا ومآلا

- ‌ الزكاة في التين والزيتون

- ‌ الزكاة في البصل

- ‌ما يشترط لوجوب الزكاة في محصول المزرعة

- ‌ما يسقى بالأمطار والأنهار فيه العشروما يسقى بالمكائن فيه نصف العشر

- ‌ما اشتري من الحبوب قوتا لا تجب فيه الزكاة

- ‌العمدة في معرفة الأنصبة صاع النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌نصاب النقدين

- ‌ أملك خمسة وثمانين جراما من الذهب، ما هو مقدار الزكاة

- ‌ مقدار الذهب الذي يجب إخراج زكاته؟ وهل كل حلي المرأة ليس عليه زكاة

- ‌ ما هو نصاب زكاة الفضة بالريال السعودي في وقتنا الحاضر

- ‌إذا بلغ النقدان النصاب ففيهما ربع العشر

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌ قام المسلم من نومه وأدخل يديه في الماء قبل أن يغسلهما ثلاث مرات، فهل يصلح هذا الماء للوضوء

- ‌ لا ينبغي للمسلم أن يدخل الخلاء بشيء فيه ذكر الله

- ‌قد كتب عليه لفظ الجلالة وأنا ألبسه دائما في الليل والنهار، فهل حرام أن أدخل به دورة المياه

- ‌ هل يلزم المرأة مسح جميع رأسها عند الوضوء

- ‌ هل لمس عورة الطفل ينقض الوضوء

- ‌ مصافحة النساء

- ‌ الوضوء في الحمام

- ‌ التسمية عند الوضوء

- ‌ دائما في حالة شك وإذا توضأت أشك هل أنا بقيت على وضوئي أو لا

- ‌ هل يجوز للمرء أن يقرأ القرآن من المصحف بدون وضوء

- ‌ هل التيمم لصلاة النافلة يمكن أن يصلي به الإنسان الفريضة

- ‌ هل غسل الرأس يدخل في الغسل من الجنابة أو الغسل للجسم فقط

- ‌ قراءة القرآن الكريم إذا كانت المرأة في عذرها

- ‌ إذا طهرت المرأة في وقت الظهر، هل تصلي الفجر والظهر جميعا

- ‌ ينزل علي بعد الطهر شيء يسير وقد لا ينزل، فهل يصح غسلي

- ‌من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ الصلاة بدون طهارة

- ‌ صلى الفرد وهو غير متوضئ وتذكر في نفس الصلاة سواء كان إماما أو مأموما

- ‌ الموجب للاستنجاء خروج شيء من القبل أو الدبر

- ‌ لاحظت وجود مني في إزاري، فاغتسلت وصليت المغرب ولكني لا أعلم متى حصل الاحتلام:

- ‌ أثناء الصلاة أصبح يخرج مني نزيف دم من مكان خلع الضروس وهو دم كثير

- ‌ نزل مني نزيف وأنا في الصلاة في الصف الأول

- ‌ تجوز الصلاة بعد الطهارة فروضا ونوافل ولو لم ينوها عند الوضوء

- ‌ بال ولم يستنج ثم توضأ وصلى فهل صلاته صحيحة

- ‌ رأى المسلم في ثوبه أو بدنه نجاسة بعد ما فرغ من الصلاة

- ‌ صلى الإنسان في أرض طاهرة وشك في طهارة ما أمامه بقدر شبر

- ‌ هل يصلي الرجل في الثوب الذي جامع زوجته فيه

- ‌ من صلى وعليه ثوب نجس ولم يتذكر إلا وهو في الصلاة

- ‌ رجل صلى وفي آخر الصلاة جاء طفل وبال على مكان سجوده وهو في صلاة الجماعة قبل آخر سجدة

- ‌ يواظب على الصلاة المكتوبة في الحمام

- ‌ دخول المساجد بالأحذية والصلاة فيها

- ‌أقسام الناس في الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأول: معنى القضاء والقدر والفرق بينهما

- ‌المطلب الأول: تعريف القضاء

- ‌المطلب الثاني: تعريف القدر

- ‌المطلب الثالث: الفرق بين القضاء والقدر

- ‌المبحث الثاني: الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌المطلب الأول: الأدلة من الكتاب:

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة

- ‌المطلب الثالث: أقوال بعض الصحابة والتابعين

- ‌المبحث الثالث: أقسام الناس في الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌المطلب الأول: الجبرية

- ‌ عقيدتهم في القدر:

- ‌المطلب الثاني: القدرية

- ‌ التعريف بهم:

- ‌ عقيدتهم في القدر:

- ‌ شبهاتهم والردود عليها:

- ‌الشبهة الأولى:

- ‌الشبهة الثانية:

- ‌الشبهة الثالثة:

- ‌الشبهة الرابعة:

- ‌المطلب الثالث: قول أهل السنة والجماعة

- ‌الخاتمة:

- ‌الولاء والبراءوأحكام التعامل مع الكفار والمبتدعة والفساق

- ‌المبحث الأول: تعريف الولاء والبراء وبيان حكمهما

- ‌المبحث الثاني: مظاهر الولاء المشروع والولاء المحرم

- ‌المطلب الأول: مظاهر الولاء المشروع

- ‌المطلب الثاني: مظاهر الولاء المحرم

- ‌القسم الأول: الموالاة الكفرية

- ‌القسم الثاني: المولاة المحرمة غير الكفرية:

- ‌المبحث الثالث: ما يجوز أو يجب التعامل به مع الكفار مما لا يدخل في الولاء المحرم

- ‌القسم الثاني: الذميون:

- ‌القسم الثالث: المستأمنون

- ‌القسم الرابع: الحربيون:

- ‌حكم مصليات الأعيادوهل تأخذ حكم المساجد

- ‌المبحث الأول: تعريف المساجد وبيان بعض أحكامها

- ‌المبحث الثاني: مصليات الأعياد وأحكام المساجد

- ‌المبحث الثالث: استبدال الوقف إذا تعطلت منافعه

- ‌المبحث الرابع: استبدال أو بيع مصليات الأعياد عند الاستغناء عن الصلاة فيها

- ‌أهم النتائج:

- ‌المماطلةمظاهرها وأضرارها وأنواعها وأسبابها في الفقه الإسلامي

- ‌المقدمة:

- ‌المطلب الأول: تعريف المماطلة في اللغة والاصطلاح:

- ‌المطلب الثاني: تعريف الحقوق في اللغة والاصطلاح:

- ‌المطلب الثالث: أسباب شيوع ظاهرة الاستدانة:

- ‌المبحث الأول، وجوب إبراء الذمم من الحقوق

- ‌المطلب الأول: أهمية إبراء الذمم من الحقوق

- ‌المطلب الثاني: أنوع الحقوق:

- ‌القسم الثاني: حق خالص للعباد:

- ‌القسم الثالث: ما اجتمع فيه الحقان، وكان حق الله هو الغالب

- ‌القسم الرابع: ما اجتمع فيه الحقان، وحق العباد فيه غالب:

- ‌ثانيا: تقسيم الحق باعتبار متعلق الحق

- ‌أولا: الحق المالي:

- ‌ثانيا: الحق غير المالي:

- ‌المطلب الثالث: أهمية توثيق الحقوق ووسائلها:

- ‌المطلب الأول: مظاهر المماطلة والتسويف:

- ‌المطلب الثاني: أنواع الضرر المترتب على المماطلة:

- ‌المبحث الثالث: أنواع المطل

- ‌المطلب الأول: مطل المدين المعسر:

- ‌المطلب الثاني: مطل المدين الغني المعذور:

- ‌المطلب الثالث: مطل المدين الموسر بلا عذر:

- ‌المبحث الرابع، أسباب المطل

- ‌المطلب الأول: أسباب تعود إلى من عليه الحق:

- ‌المطلب الثاني: أسباب تعود إلى صاحب الحق:

- ‌المطلب الثالث: أسباب تعود إلى العلاقة بينهما:

- ‌المطلب الرابع: أسباب تعود إلى غير ما سبق:

- ‌الخاتمة

- ‌العقلتعريفه، منزلته، مجالاته، ومداركه

- ‌المسألة الأولى: تعريف العقل لغة واصطلاحا:

- ‌أولا: العقل في اللغة:

- ‌ثانيا: تعريف العقل اصطلاحا:

- ‌المسألة الثانية: منزلة العقل في الإسلام:

الفصل: ‌القسم الأول: الموالاة الكفرية

الطب والصناعة والزراعة وغيرها، ومن تحذيرهم مما يضرهم، وإرشادهم إلى ما ينفعهم في أمور حياتهم. ومنها ما هو مستحب، كعيادة المريض، ومساعدة المحتاج غير المضطر بالبدن والمال، والدعاء لهم، والسلام على من لقيه منهم، وغير ذلك.

ص: 187

‌المطلب الثاني: مظاهر الولاء المحرم

موالاة أعداء الله من عباد الأصنام والبوذيين والمجوس واليهود والنصارى والمنافقين وغيرهم والتي هي ضد البراء بجميع أقسامها وأمثلتها محرمة بلا شك - كما سبق بيانه - وهي تنقسم إلى قسمين:

‌القسم الأول: الموالاة الكفرية

بعض مظاهر وأمثلة الولاء المحرم مظاهر كفرية تخرج مرتكبها من ملة الإسلام، وهي كثيرة، أهمها:

1 -

الإقامة ببلاد الكفار اختيارا لصحبتهم مع الرضى بما هم عليه من الدين، أو مع القيام بمدح دينهم، وإرضائهم بعيب المسلمين، فهذه الموالاة ردة عن دين الإسلام، قال الله تعالى:{لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} (1) فمن تولى الكافرين ورضي عن دينهم، وابتعد عن المسلمين

(1) سورة آل عمران الآية 28

ص: 187

وعابهم فهو كافر عدو لله ولرسله ولعباده المؤمنين.

2 -

أن يتجنس المسلم بجنسية دولة كافرة تحارب المسلمين، ويلتزم بجميع قوانينها وأنظمتها بما في ذلك التجنيد الإجباري، ومحاربة المسلمين ونحو ذلك، فالتجنس على هذه الحال محرم لا شك في تحريمه، وقد ذكر بعض أهل العلم أنه كفر وردة عن دين الإسلام بإجماع المسلمين (1)، وقد سئلت لجنة الفتوى بمصر برئاسة الشيخ علي محفوظ عن حال من يتجنس بجنسية دولة كافرة حالها كما ذكر آنفا، فقالت:(إن التجنس بجنسية أمة غير مسلمة على نحو ما في السؤال هو تعاقد على نبذ أحكام الإسلام عن رضى واختيار، واستحلال لبعض ما حرم الله، وتحريم لبعض ما أحل الله، والتزام لقوانين أخرى يقول الإسلام ببطلانها، وينادي بفسادها، ولا شك أن شيئا من ذلك لا يمكن إلا بالردة، ولا ينطبق عليه حكم إلا حكم الردة، فما بالك بهذه الأربعة مجتمعة في ذلك التجنس الممقوت). وهذا كله فيما إذا كان ذلك عن رغبة ورضى من المسلم، أما إن كان ملجأ إلى ذلك لعدم وجود بلد مسلم يمكنه الهجرة إليه أو لعدم وجود بلد كافر أحسن

(1) كما قال علامة مصر محمد رشيد رضا. ينظر مجلة المنار (مجلد 25، ج 1، ص 22).

ص: 188

حالا من حال هذا البلد المحارب للمسلمين ينتقل إليه، فحكمه حكم المكره، فلا يحرم عليه ذلك إذا كره ذلك بقلبه.

3 -

التشبه المطلق بالكفار، بأن يتشبه بهم في أعمالهم، فيلبس لباسهم، ويقلدهم في هيئة الشعر وغيرها، ويسكن معهم، ويتردد معهم على كنائسهم، ويحضر أعيادهم، فمن فعل ذلك فهو كافر مثلهم بإجماع أهل العلم (1)، وقد ثبت عن عبد الله بن عمرو قال:" من بنى ببلاد الأعاجم، وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة "(2)

4 -

أن يتشبه بهم في أمر يوجب الخروج من دين الإسلام، كأن يلبس الصليب تبركا به مع علمه بأنه شعار للنصارى وأنهم يشيرون بلبسه إلى عقيدتهم الباطلة في عيسى عليه السلام، حيث يزعمون أنه قتل وصلب، ومع علمه بأن الله تعالى نفى ذلك في كتابه بقوله:{وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} (3)

5 -

أن يزور كنائسهم معتقدا أن زيارتها قربة إلى الله تعالى (4).

6 -

الدعوة إلى وحدة الأديان، أو إلى التقريب بين الأديان، فمن

(1) ينظر التعليق الذي يلي التعليق الآتي، وينظر الاقتضاء 1/ 242.

(2)

"رواه البيهقي في سننه في الجهاد 9 - 234 بإسنادين "" وهو حسن بمجموع الطريقين. "

(3)

سورة النساء الآية 157

(4)

مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 27 - 14، مختصر الفتاوى المصرية ص 514.

ص: 189

قال: إن دينا غير الإسلام دين صحيح ويمكن التقريب بينه وبين الإسلام أو إنهما دين واحد صحيح فهو كافر مرتد، بل إن من شك في بطلان جميع الأديان غير دين الإسلام كفر، لرده لقوله تعالى:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} (1) ولرده لما هو معلوم من دين الإسلام بالضرورة من أن دين الإسلام قد نسخ جميع الأديان السابقة، وأنها كلها أديان محرفة، وأن من دان بشيء منها فهو كافر مشرك.

والدعوة إلى توحيد الأديان دعوة إلحادية قديمة، دعا إليها بعض ملاحدة الصوفية المتقدمين، كابن سبعين، والتلمساني وغيرهم، وجدد الدعوة إليها في هذا العصر بعض المنتسبين إلى الإسلام، ومن أشهرهم جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده المصري، ورجاء جارودي وغيرهم (2).

7 -

موالاة الكفار بإعانتهم على المسلمين:

إعانة الكفار على المسلمين سواء أكانت بالقتال معهم، أم بإعانتهم

(1) سورة آل عمران الآية 85

(2)

ينظر: الصفدية 1/ 98، 99، 268، مجموع الفتاوى 14/ 164، 165.

ص: 190

بالمال أو السلاح، أم كانت بالتجسس لهم على المسلمين أم غير ذلك، تكون على وجهين.

الوجه الأول

أن يعينهم بأي إعانة، محبة لهم ورغبة في ظهورهم على المسلمين، فهذه الإعانة كفر مخرج من الملة).

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (1): (وذلك الظلم يكون بحسب التولي، فإن كان توليا تاما، كان ذلك كفرا مخرجا عن دائرة الإسلام، وتحت ذلك من المراتب ما هو غليظ وما هو دونه).

وقال أيضا في تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (2): إن التولي التام يوجب الانتقال إلى دينهم، والتولي القليل يدعو إلى الكثير، ثم يتدرج شيئا فشيئا حتى يكون العبد منهم).

وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بعد ذكره لقصة حاطب ونزول صدر سورة الممتحنة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} (3)

(1) سورة الممتحنة الآية 9

(2)

سورة المائدة الآية 51

(3)

سورة الممتحنة الآية 1

ص: 191

الآيات في شأن حاطب، قال:(فدخل حاطب في المخاطبة باسم الإيمان، ووصفه به، وتناوله النهي بعمومه، وله خصوص السبب، الدال على إرادته، مع أن في الآية الكريمة ما يشعر أن فعل حاطب نوع موالاة، وأنه أبلغ إليهم بالمودة، وأن فاعل ذلك قد ضل سواء السبيل، لكن قوله: (صدقكم، خلوا سبيله) ظاهر في أنه لا يكفر بذلك، إذ كان مؤمنا بالله ورسوله، غير شاك ولا مرتاب، وإنما فعل ذلك لغرض دنيوي، ولو كفر لما قال: خلوا سبيله. ولا يقال، قوله صلى الله عليه وسلم:«ما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم (1)» هو المانع من تكفيره؛ لأنا نقول: لو كفر لما بقي من حسناته ما يمنع من لحاق الكفر وأحكامه؛ فإن الكفر يهدم ما قبله، لقوله تعالى:{وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} (2)، وقوله:{وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (3) والكفر محبط للحسنات والإيمان بالإجماع؛ فلا يظن هذا.

وأما قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (4)، وقوله:{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (5) وقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (6)

(1) صحيح البخاري الجهاد والسير (3007)، صحيح مسلم فضائل الصحابة (2494)، سنن الترمذي تفسير القرآن (3305)، سنن أبي داود الجهاد (2650)، مسند أحمد (1/ 80).

(2)

سورة المائدة الآية 5

(3)

سورة الأنعام الآية 88

(4)

سورة المائدة الآية 51

(5)

سورة المجادلة الآية 22

(6)

سورة المائدة الآية 57

ص: 192

فقد فسرته السنة وقيدته وخصته بالموالاة المطلقة العامة.

وأصل الموالاة هو: الحب، والنصرة، والصداقة، ودون ذلك، مراتب متعددة، ولكل ذنب حظه وقسط من الوعيد والذم انتهى كلام الشيخ عبد اللطيف رحمه الله.

وقد حكى غير واحد من أهل العلم إجماع العلماء على أن إعانة الكفار على المسلمين محبة لهم ورغبة في انتصارهم على المسلمين كفر مخرج من الملة.

الوجه الثاني:

أن يعين الكفار على المسلمين بأي إعانة ويكون الحامل له على

ص: 193

ذلك مصلحة شخصية، أو خوفا، أو عداوة دنيوية بينه وبين من يقاتله الكفار من المسلمين، فهذه الإعانة محرمة، وكبيرة من كبائر الذنوب، ولكنها ليست من الكفر المخرج من الملة.

ومن الأدلة على أن هذه الإعانة غير مكفرة: ما حكاه الإمام الطحاوي من إجماع أهل العلم على أن الجاسوس المسلم لا يجوز قتله، ومقتضى ما حكاه الطحاوي أنه غير مرتد.

ومستند هذا الإجماع: أن حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه قد جس على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين في عزوة فتح مكة،

فكتب كتابا إلى مشركي مكة يخبرهم فيه بمسير النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، وكان النبي عليه الصلاة والسلام قد أخفى وجهة سيره؛ لئلا تستعد قريش للقتال، وكان الدافع لحاطب ولكتابة هذا الكتاب هو مصلحة شخصية، ومع ذلك لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم بردته، ولم يقم عليه حد الردة، فدل ذلك على أن ما عمله ليس كفرا مخرجا

ص: 194

من الملة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية عند كلامه على الكفار: (وقد تحصل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة، فتكون ذنبا ينقص به إيمانه، ولا يكون به كافرا، كما حصل من حاطب لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله فيه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} (1)، وكما حصل

(1) سورة الممتحنة الآية 1

ص: 195

لسعد بن عبادة لما انتصر لابن أبي في قصة الإفك، فقال لسعد بن معاذ: والله لا تقتله، ولا تقدر على قتله. قالت عائشة: وكان قبل ذلك رجلا صالحا، ولكن احتملته الحمية. ولهذه الشبهة سمي عمر حاطبا منافقا .. فكان عمر متأولا في تسميته منافقا للشبهة التي فعلها.

فإذا ثبت أن ما فعله حاطب ليس ردة - وهذا مجمع عليه - مع أن رسالته لو وصلت إلى مشركي مكة لاستعدت قريش للحرب، وهذا خلاف ما قصد إليه النبي صلى الله عليه وسلم من تعمية خبر غزوه لهم، فما عمله حاطب إعانة عظيمة للكفار في حربهم للمسلمين في غزوة من أهم الغزوات الفاصلة في الإسلام - إذا ثبت ذلك علم أن الإعانة لا تكون كفرا حتى يكون الحامل عليها محبة الكفار والرغبة في انتصارهم على المسلمين.

وهذا كله إنما هو في حق من كان مختارا لذلك، أما من كان مكرها أو ملجئا إلى ذلك إلجاء اضطراريا كمن خرج مع الكفار لحرب المسلمين مكرها ونحو ذلك فلا ينطبق عليه هذا الحكم لقوله تعالى:

ص: 196