الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطب والصناعة والزراعة وغيرها، ومن تحذيرهم مما يضرهم، وإرشادهم إلى ما ينفعهم في أمور حياتهم. ومنها ما هو مستحب، كعيادة المريض، ومساعدة المحتاج غير المضطر بالبدن والمال، والدعاء لهم، والسلام على من لقيه منهم، وغير ذلك.
المطلب الثاني: مظاهر الولاء المحرم
موالاة أعداء الله من عباد الأصنام والبوذيين والمجوس واليهود والنصارى والمنافقين وغيرهم والتي هي ضد البراء بجميع أقسامها وأمثلتها محرمة بلا شك - كما سبق بيانه - وهي تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: الموالاة الكفرية
بعض مظاهر وأمثلة الولاء المحرم مظاهر كفرية تخرج مرتكبها من ملة الإسلام، وهي كثيرة، أهمها:
1 -
الإقامة ببلاد الكفار اختيارا لصحبتهم مع الرضى بما هم عليه من الدين، أو مع القيام بمدح دينهم، وإرضائهم بعيب المسلمين، فهذه الموالاة ردة عن دين الإسلام، قال الله تعالى:{لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} (1) فمن تولى الكافرين ورضي عن دينهم، وابتعد عن المسلمين
(1) سورة آل عمران الآية 28
وعابهم فهو كافر عدو لله ولرسله ولعباده المؤمنين.
2 -
أن يتجنس المسلم بجنسية دولة كافرة تحارب المسلمين، ويلتزم بجميع قوانينها وأنظمتها بما في ذلك التجنيد الإجباري، ومحاربة المسلمين ونحو ذلك، فالتجنس على هذه الحال محرم لا شك في تحريمه، وقد ذكر بعض أهل العلم أنه كفر وردة عن دين الإسلام بإجماع المسلمين (1)، وقد سئلت لجنة الفتوى بمصر برئاسة الشيخ علي محفوظ عن حال من يتجنس بجنسية دولة كافرة حالها كما ذكر آنفا، فقالت:(إن التجنس بجنسية أمة غير مسلمة على نحو ما في السؤال هو تعاقد على نبذ أحكام الإسلام عن رضى واختيار، واستحلال لبعض ما حرم الله، وتحريم لبعض ما أحل الله، والتزام لقوانين أخرى يقول الإسلام ببطلانها، وينادي بفسادها، ولا شك أن شيئا من ذلك لا يمكن إلا بالردة، ولا ينطبق عليه حكم إلا حكم الردة، فما بالك بهذه الأربعة مجتمعة في ذلك التجنس الممقوت). وهذا كله فيما إذا كان ذلك عن رغبة ورضى من المسلم، أما إن كان ملجأ إلى ذلك لعدم وجود بلد مسلم يمكنه الهجرة إليه أو لعدم وجود بلد كافر أحسن
(1) كما قال علامة مصر محمد رشيد رضا. ينظر مجلة المنار (مجلد 25، ج 1، ص 22).
حالا من حال هذا البلد المحارب للمسلمين ينتقل إليه، فحكمه حكم المكره، فلا يحرم عليه ذلك إذا كره ذلك بقلبه.
3 -
التشبه المطلق بالكفار، بأن يتشبه بهم في أعمالهم، فيلبس لباسهم، ويقلدهم في هيئة الشعر وغيرها، ويسكن معهم، ويتردد معهم على كنائسهم، ويحضر أعيادهم، فمن فعل ذلك فهو كافر مثلهم بإجماع أهل العلم (1)، وقد ثبت عن عبد الله بن عمرو قال:" من بنى ببلاد الأعاجم، وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة "(2)
4 -
أن يتشبه بهم في أمر يوجب الخروج من دين الإسلام، كأن يلبس الصليب تبركا به مع علمه بأنه شعار للنصارى وأنهم يشيرون بلبسه إلى عقيدتهم الباطلة في عيسى عليه السلام، حيث يزعمون أنه قتل وصلب، ومع علمه بأن الله تعالى نفى ذلك في كتابه بقوله:{وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} (3)
5 -
أن يزور كنائسهم معتقدا أن زيارتها قربة إلى الله تعالى (4).
6 -
الدعوة إلى وحدة الأديان، أو إلى التقريب بين الأديان، فمن
(1) ينظر التعليق الذي يلي التعليق الآتي، وينظر الاقتضاء 1/ 242.
(2)
"رواه البيهقي في سننه في الجهاد 9 - 234 بإسنادين "" وهو حسن بمجموع الطريقين. "
(3)
سورة النساء الآية 157
(4)
مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 27 - 14، مختصر الفتاوى المصرية ص 514.
قال: إن دينا غير الإسلام دين صحيح ويمكن التقريب بينه وبين الإسلام أو إنهما دين واحد صحيح فهو كافر مرتد، بل إن من شك في بطلان جميع الأديان غير دين الإسلام كفر، لرده لقوله تعالى:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} (1) ولرده لما هو معلوم من دين الإسلام بالضرورة من أن دين الإسلام قد نسخ جميع الأديان السابقة، وأنها كلها أديان محرفة، وأن من دان بشيء منها فهو كافر مشرك.
والدعوة إلى توحيد الأديان دعوة إلحادية قديمة، دعا إليها بعض ملاحدة الصوفية المتقدمين، كابن سبعين، والتلمساني وغيرهم، وجدد الدعوة إليها في هذا العصر بعض المنتسبين إلى الإسلام، ومن أشهرهم جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده المصري، ورجاء جارودي وغيرهم (2).
7 -
موالاة الكفار بإعانتهم على المسلمين:
إعانة الكفار على المسلمين سواء أكانت بالقتال معهم، أم بإعانتهم
(1) سورة آل عمران الآية 85
(2)
ينظر: الصفدية 1/ 98، 99، 268، مجموع الفتاوى 14/ 164، 165.
بالمال أو السلاح، أم كانت بالتجسس لهم على المسلمين أم غير ذلك، تكون على وجهين.
الوجه الأول
أن يعينهم بأي إعانة، محبة لهم ورغبة في ظهورهم على المسلمين، فهذه الإعانة كفر مخرج من الملة).
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (1): (وذلك الظلم يكون بحسب التولي، فإن كان توليا تاما، كان ذلك كفرا مخرجا عن دائرة الإسلام، وتحت ذلك من المراتب ما هو غليظ وما هو دونه).
وقال أيضا في تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (2): إن التولي التام يوجب الانتقال إلى دينهم، والتولي القليل يدعو إلى الكثير، ثم يتدرج شيئا فشيئا حتى يكون العبد منهم).
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بعد ذكره لقصة حاطب ونزول صدر سورة الممتحنة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} (3)
(1) سورة الممتحنة الآية 9
(2)
سورة المائدة الآية 51
(3)
سورة الممتحنة الآية 1
الآيات في شأن حاطب، قال:(فدخل حاطب في المخاطبة باسم الإيمان، ووصفه به، وتناوله النهي بعمومه، وله خصوص السبب، الدال على إرادته، مع أن في الآية الكريمة ما يشعر أن فعل حاطب نوع موالاة، وأنه أبلغ إليهم بالمودة، وأن فاعل ذلك قد ضل سواء السبيل، لكن قوله: (صدقكم، خلوا سبيله) ظاهر في أنه لا يكفر بذلك، إذ كان مؤمنا بالله ورسوله، غير شاك ولا مرتاب، وإنما فعل ذلك لغرض دنيوي، ولو كفر لما قال: خلوا سبيله. ولا يقال، قوله صلى الله عليه وسلم:«ما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم (1)» هو المانع من تكفيره؛ لأنا نقول: لو كفر لما بقي من حسناته ما يمنع من لحاق الكفر وأحكامه؛ فإن الكفر يهدم ما قبله، لقوله تعالى:{وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} (2)، وقوله:{وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (3) والكفر محبط للحسنات والإيمان بالإجماع؛ فلا يظن هذا.
وأما قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (4)، وقوله:{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (5) وقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (6)
(1) صحيح البخاري الجهاد والسير (3007)، صحيح مسلم فضائل الصحابة (2494)، سنن الترمذي تفسير القرآن (3305)، سنن أبي داود الجهاد (2650)، مسند أحمد (1/ 80).
(2)
سورة المائدة الآية 5
(3)
سورة الأنعام الآية 88
(4)
سورة المائدة الآية 51
(5)
سورة المجادلة الآية 22
(6)
سورة المائدة الآية 57
فقد فسرته السنة وقيدته وخصته بالموالاة المطلقة العامة.
وأصل الموالاة هو: الحب، والنصرة، والصداقة، ودون ذلك، مراتب متعددة، ولكل ذنب حظه وقسط من الوعيد والذم انتهى كلام الشيخ عبد اللطيف رحمه الله.
وقد حكى غير واحد من أهل العلم إجماع العلماء على أن إعانة الكفار على المسلمين محبة لهم ورغبة في انتصارهم على المسلمين كفر مخرج من الملة.
الوجه الثاني:
أن يعين الكفار على المسلمين بأي إعانة ويكون الحامل له على
ذلك مصلحة شخصية، أو خوفا، أو عداوة دنيوية بينه وبين من يقاتله الكفار من المسلمين، فهذه الإعانة محرمة، وكبيرة من كبائر الذنوب، ولكنها ليست من الكفر المخرج من الملة.
ومن الأدلة على أن هذه الإعانة غير مكفرة: ما حكاه الإمام الطحاوي من إجماع أهل العلم على أن الجاسوس المسلم لا يجوز قتله، ومقتضى ما حكاه الطحاوي أنه غير مرتد.
ومستند هذا الإجماع: أن حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه قد جس على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين في عزوة فتح مكة،
فكتب كتابا إلى مشركي مكة يخبرهم فيه بمسير النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، وكان النبي عليه الصلاة والسلام قد أخفى وجهة سيره؛ لئلا تستعد قريش للقتال، وكان الدافع لحاطب ولكتابة هذا الكتاب هو مصلحة شخصية، ومع ذلك لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم بردته، ولم يقم عليه حد الردة، فدل ذلك على أن ما عمله ليس كفرا مخرجا
من الملة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عند كلامه على الكفار: (وقد تحصل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة، فتكون ذنبا ينقص به إيمانه، ولا يكون به كافرا، كما حصل من حاطب لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله فيه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} (1)، وكما حصل
(1) سورة الممتحنة الآية 1
لسعد بن عبادة لما انتصر لابن أبي في قصة الإفك، فقال لسعد بن معاذ: والله لا تقتله، ولا تقدر على قتله. قالت عائشة: وكان قبل ذلك رجلا صالحا، ولكن احتملته الحمية. ولهذه الشبهة سمي عمر حاطبا منافقا .. فكان عمر متأولا في تسميته منافقا للشبهة التي فعلها.
فإذا ثبت أن ما فعله حاطب ليس ردة - وهذا مجمع عليه - مع أن رسالته لو وصلت إلى مشركي مكة لاستعدت قريش للحرب، وهذا خلاف ما قصد إليه النبي صلى الله عليه وسلم من تعمية خبر غزوه لهم، فما عمله حاطب إعانة عظيمة للكفار في حربهم للمسلمين في غزوة من أهم الغزوات الفاصلة في الإسلام - إذا ثبت ذلك علم أن الإعانة لا تكون كفرا حتى يكون الحامل عليها محبة الكفار والرغبة في انتصارهم على المسلمين.
وهذا كله إنما هو في حق من كان مختارا لذلك، أما من كان مكرها أو ملجئا إلى ذلك إلجاء اضطراريا كمن خرج مع الكفار لحرب المسلمين مكرها ونحو ذلك فلا ينطبق عليه هذا الحكم لقوله تعالى: