الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكبائر أن يموت رجل وعليه دين لا يدع له قضاء. فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أعظم الذنوب عند الله أن يلقاه بها عبد بعد الكبائر التي نهى الله عنها أن يموت رجل وعليه دين لا يدع له قضاء (1)» .
فالسعيد كل السعادة من لقي ربه وليس أحد من العباد يطلبه بمظلمة في عرض ولا مال، فلا يحجب عن خير له، ولا يحبس بسبب دين عليه.
(1) أخرجه أبو داود في سننه (3/ 637) وأحمد في المسند (32/ 246) والحديث في إسناده أبو عبد الله القرشي، قال عنه الذهبي لا يعرف، وقال الحافظ مقبول، وفي الباب أحاديث تقويه راجع تخريج المسند (32/ 247). فائدة: قال الطيبي رحمه الله: فإن قلت قد سبق أن حقوق الله مبناها على المساهلة، وليس كذلك حقوق الآدميين في قوله يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين وهاهنا جعله دون الكبائر فما وجه التوفيق قلت: قد وجهناه أنه على سبيل المبالغة تحذيرا وتوقيا عن الدين، وهذا مجرى على ظاهره ا. هـ وقال بعض العلماء: فعل الكبائر عصيان الله تعالى، وأخذ الدين ليس بعصيان، بل الاقتراض والتزام الدين جائز، وإنما شدد رسول الله صلى الله عليه وسلم على من مات وعليه دين ولم يترك ما يقضي دينه كيلا تضيع حقوق الناس. راجع عون المعبود في شرح سنن أبي داود (9/ 137).
المطلب الثاني: أنوع الحقوق:
الحق له أنواع وتقسيمات باعتبارات عدة ومختلفة ..
ومرجع هذه التقسيمات، إما بالنظر إلى صاحب الحق، أو بالنظر إلى من عليه الحق، أو بالنظر إلى الشيء المستحق، أو بالنظر إلى ما يتعلق به الحق. (1)
(1) انظر: كشف الأسرار (4/ 134) والتلويح على التوضيح لمتن التنقيح (1/ 150) وما بعدها.
والذي يهمنا في هذا البحث هو تقسيمه باعتبارين اثنين:
أولا: باعتبار المستحق أو باعتبار عموم النفع وخصوصه يقسم الحق بهذا الاعتبار إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: حق خالص لله تعالى، وهو ما يتعلق به النفع العام للعالم، فلا يختص به أحد، وإنما هو عائد على مجموع الأفراد والجماعات وشرع حكمه للمصلحة العامة، وإنما نسب إلى الله تعظيما لشأنه، أو لئلا يتجرأ أحد على دعوى اختصاصه به وقدرته على إسقاطه عن نفسه أو عن غيره، وإلا فالله الغني عن كل شيء؛ لأن الله تعالى وتقدس أن ينتفع بشيء، فلا يجوز أن يكون شيء حقا له بهذا الوجه.
وهذا القسم تحته أنواع ثمانية (1):
1 -
العبادات المحضة (الخالصة): كالصلاة والصيام، والزكاة، والحج وما بنيت عليه هذه العبادات من الإيمان والإسلام، وهذه العبادات فرض على المكلف الإتيان بها، وفي ترك بعضها ترك للإيمان والإسلام كما في ترك الإيمان أو الإسلام، أو في ترك الصلاة على الخلاف فيه عند الفقهاء. وهذه العبادات فيها مصلحة للعباد والبلاد، إذ بها قيام الدين، وهو ضروري لقيام المجتمع على أسس سليمة ونظم فاضلة.
(1) هذا التقسيم عند الحنفية راجع كشف الأسرار (4/ 135).
2 -
العبادات التي فيها معنى المؤونة مثل صدقة الفطر، فإنها عبادة من جهة أنها تقرب إلى الله تعالى بالصدقة على الفقراء والمساكين، وهي طهرة للصائم يشترط في صحة أدائها النية، ولكنها ليست عبادة محضة بل فيها معنى التحمل عن الغير؛ لأنها وجبت على الإنسان بسبب نفسه وبسبب غيره، وهم الأشخاص الذين يمونهم ويلي عليهم، ولكونها وجبت على المخرج بسبب الغير لم تكن عبادة خالصة، وإنما كان فيها معنى المؤونة؛ لأن العبادة المحضة (الخالصة) لا تجب بسبب الغير.
3 -
مؤونة فيها معنى العبادة، وهي العشر: وهو ما يؤخذ مما تخرجه الأرض العشرية المملوكة لمسلم، كزكاة الزروع والثمار المقدرة بالعشر، أو نصف العشر حسب شروطها، وإنما كانت مؤونة؛ لأنها وظيفة مقدرة شرعا على نماء الأرض من الزروع والثمار، وتجب بسبب ما يخرج منها، اعترافا بفضل الله تعالى؛ لأنه سبحانه هو المنبت والرزاق ووجه العبادة فيها لأمور منها:
أ - أنها وجبت ابتداء على المسلم فقط، ولم تجب ابتداء على غير المسلم من الزراع، والعبادة لا يكلف بها غير المسلم.
ب - أنها تعطى لفئات معينة ممن تستحق الأخذ من الزكوات.
4 -
مؤونة فيها معنى العقوبة، مثل الخراج على الأرض الزراعية ووجه المؤونة، فلتعلق بقاء الأرض لأهل الإسلام بالمقاتلين الذين هم مصارف الخراج. ووجه العقوبة أنه فرض بسبب بقاء أهل الأرض على