الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوقت، وهذا يدخل في ضمن قوله عليه الصلاة والسلام «مطل الغني ظلم (1)» نسأل الله السلامة بمنه " (2).
(1) صحيح البخاري الحوالات (2288)، صحيح مسلم المساقاة (1564)، سنن الترمذي البيوع (1308)، سنن النسائي البيوع (4691)، سنن أبي داود البيوع (3345)، سنن ابن ماجه الأحكام (2403)، مسند أحمد (2/ 465)، موطأ مالك البيوع (1379)، سنن الدارمي البيوع (2586).
(2)
المدخل (4/ 59).
المبحث الرابع، أسباب المطل
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: أسباب تعود إلى من عليه الحق:
كثيرا ما يكون المدين هو السبب في تأخير الوفاء وتعثر الديون سواء كان عن عمد أو عن غير عمد، وتتنوع هذه الأسباب وتتعدد ولعلنا نذكر أهم هذه الأسباب:
أ - الإعسار: الإعسار كما يقول ابن فارس: " العين والسين والراء، أصل صحيح واحد يدل على صعوبة وشدة، فالعسر نقيض اليسر، والإقلال أيضا عسرة؛ لأن الأمر ضيق عليه شديد "(1).
وقد ذكرنا تعريف الإعسار في الاصطلاح بأنه عدم قدرة المرء على أداء ما عليه من مال.
فإذا أعسر المرء عجز عن تسديد الديون والوفاء بها، ووجب إنظاره كما سبق تفصيل ذلك، وربما كان من أسباب هذا الإعسار هو دخول المدين في أنشطة لا معرفة له بها دون علم الدائن (الممول) واستخدام تسهيلات الدائن في تمويل مشروعاته مع أن هذه المشروعات
(1) معجم مقاييس اللغة (4/ 319) وانظر المصباح المنير (2/ 487) المطلع للبعلي ص 255.
تحتمل على قدر كبير من المخاطر، وربما تكون غير مشروعة تتم في الخفاء من غير علم الدائن فيقع المدين في خسارة باهظة تؤدي به إلى إعساره.
ومن ذلك أيضا عدم الفصل بين أموال المدين الخاصة، وبين أموال المشروع الذي يديره والذي استقرض من أجله، وبالتالي استخدام جانب من أموال المشروع في الإنفاق على احتياجاته الخاصة والأسرية والاجتماعية، مما يؤدي إلى استهلاك لجزء من رأس المال العامل للمشروع، وإصابته بإعسار، أو توسع المدين في الاقتراض باسم المشروع لتغطية نفقاته الشخصية (1).
ب - الإفلاس: الإفلاس مصدر أفلس، يفلس، إفلاسا بمعنى: صار ذا فلوس بعد أن كان ذا دراهم (2)، كما يقال: ألبن الرجل إذا صار ذا لبن.
ويقال أيضا: أفلس الرجل، كأنه صار إلى حال ليس له فلوس (3).
وفي الاصطلاح الفقهي هو أن يكون الدين الذي على الشخص أكثر من ماله، سواء أكان غير ذي مال أصلا، أم كان له مال، إلا أنه أقل من دينه
(1) انظر: الديون المتعثرة ص 82 د / محسن الخضيري.
(2)
انظر: المصباح المنير (2/ 578) تاج العروس (4/ 210).
(3)
المراجع السابقة.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وإنما سمي من غلب دينه ماله مفلسا، وإن كان له مال؛ لأن ماله مستحق الصرف في جهة دينه فكأنه معدوم (1). وعلى هذا، فإذا زاد دين المدين على ماله، وخرجه أكثر من دخله، فهو المفلس عند الفقهاء.
أما التفليس فهو منع الحاكم الشخص من التصرفات المالية لتعلق الدين بها (2)، والتفليس والحجر بالدين بمعنى واحد، ومن الفقهاء من يعبر بالأول، ومنهم من يعبر بالثاني.
والمفلس والمعسر بينهما عموم وخصوص مطلق، فكل معسر مفلس، وليس كل مفلس معسر.
فالمعسر المعدم الذي قد نفذ ماله كله، فلم يبق عنده ما ينفقه على نفسه وعياله، أو المعسر المقل الذي يملك بعض المال، ولكنه قليل لا يكاد يكفيه للإنفاق على نفسه وعياله بالمعروف وقضاء دينه إلا بضرر أو مشقة وضيق، فهذا معسر وهو في نفس الوقت مفلس - وينفرد المفلس عن
(1) المغني (6/ 537).
(2)
انظر: حاشية قليوبي على شرح المحلي على المهاج (2/ 285) شرح الخرشي (5/ 263) كشاف القناع (3/ 404).
المعسر حيث إن ماله أكثر مما استثنى له غير أنه لا يفي بالدين الذي عليه (1).
وهناك فروق فقهية بين الإفلاس والإعسار ومن أهمها:
1 -
أن المفلس يحجر عليه أما المعسر فلا يجوز الحجر عليه لأنه عاجز ولا ينفع حبسه ولا الحجر عليه الوفاء ولو ببعض الدين الذي عليه.
2 -
أن الإفلاس لا بد أن يكون عن دين، أما الإعسار فقد يكون عن دين أو عن قلة ذات اليد (2).
3 -
أن مدعي العسر وحاله مجهولة يسجن حتى يثبت عدمه، أو يعطي ضامنا بوجهه (3) أما المفلس فإنه يسجن بهدف عقوبته، وإكراهه لتأدية حقوق الدائنين.
4 -
الديون المؤجلة لا تحل بالإعسار بل قد يوجب التأجيل، وفي حالة الإفلاس هل تبقى على تأجيلها أو تحل؟ موضع خلاف بين الفقهاء على قولين وإفلاس المدين قد يحصل بسبب ضعف التخطيط التمويلي، وعدم قدرة المدين في مشروعه التجاري على إحداث توافق بين احتياجات
(1) انظر: تصرفات المفلس خلال فترة الريبة ص 15، الوسائل الواقية من الإفلاس ص 39.
(2)
المراجع السابقة.
(3)
انظر: القوانين الفقهية لابن جزي المالكي ص 209.
المشروع الاستثماري وبين إيراداته، ومن أسباب الإفلاس أيضا ضعف تقدير المدين التاجر للسوق، ومبالغته في تسعير ثمن البضاعة وعدم تقديره للمنافسة بشكل صحيح، مما يؤدي إلى انخفاض صافي المبيعات، وازدياد تكاليف الإنتاج. واتساع نطاق نفقات التشغيل والصيانة بشكل لا يتناسب وحجم المبيعات.
ومن الأسباب الموجودة أيضا هو أن الشركة المدينة قد يخرج أحد كبار مساهميها ولا يوجد من يحل محله في تعويض الجزء المتخارج من رأس مال الشركة، مما يؤدي إلى أن تفقد الشركة المدينة جانبا هاما من مواردها خاصة رأس المال العامل الذي يؤدي إلى اختناق السيولة لديها، وعدم قدرتها على الوفاء باحتياجات المشروع من مستلزمات التشغيل وبالتالي عدم القدرة على تسديد الديون الحالة عليها.
ج - ومن أسباب المطل التي تعود إلى من عليه الحق أيضا.
هو علم المدين المماطل بأن مطالبته من قبل الدائن تحتاج إلى إجراءات إدارية أو قضائية طويلة الأمد، ولا يوجد إجراءات صارمة فربما أعطى شيكا غير مغطى، مع أن هذا يعد اعتداء ومسؤولية جنائية في حق النظام، غير أن ضعف التطبيق أو المحسوبية أو البيروقراطية الموجودة في المؤسسات ربما تساعد هؤلاء العابثين بأموال المسلمين. وقد سبق أن ذكرنا كلام العز بن عبد السلام الذي جعل أشد أنواع المطل هو تأخير المدين