الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتأخره، ومنهم المعذور في ذلك ومنهم الكاذب المخادع الذي يأكل أموال الناس بغير حق، فلنذكر ذلك على سبيل التفصيل، في هذه المطالب الثلاثة.
المطلب الأول: مطل المدين المعسر:
اتفق الفقهاء رحمهم الله على أن المعسر الذي لا يجد وفاء، ولا يقدر على أداء ما عليه من دين، يجب إنظاره، ولا تحل مطالبته إلى أن يوسر وذلك لقوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (1).
2 -
ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مطل الغني ظلم (2)» .
وجه الدلالة من الآية والحديث: هو أن الشارع جعل وقت وفاء المدين المعسر إلى الميسرة، فدل على أن امتناعه عن وفاء الدين مع حلوله ومطالبة دائنه لا تعد ظلما ولا جرما.
قال الشافعي رحمه الله: فلم يجعل على ذي دين سبيلا في العسرة حتى تكون الميسرة، ولم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) سورة البقرة الآية 280
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2287 و 2400) ومسلم في صحيحه رقم (1564).
مطله ظلما إلا بالغنى فإذا كان معسرا فهو ليس ممن عليه سبيل إلا أن يوسر " (1).
3 -
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما حرم المطل إذا كان المماطل غنيا، والمعسر ليس غنيا.
قال أبو الوليد الباجي رحمه الله: ووصفه بالظلم إذا كان غنيا خاصة، ولم يصفه بذلك مع العسر " (2).
وقال ابن رشد رحمه الله: لأن المطالبة بالدين إنما تجب مع القدرة على الأداء، فإذا ثبت الإعسار فلا سبيل إلى المطالبة، ولا إلى الحبس بالدين؛ لأن الخطاب مرتفع عنه إلى أن يوسر " (3).
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: " لو جازت مؤاخذاته لكان ظالما، والغرض أنه ليس بظالم لعجزه "(4).
وقال ابن حجر رحمه الله: واستدل به على أن العاجز عن الأداء لا يدخل في الظلم، وهو بطريق المفهوم؛ لأن تعليق الحكم
(1) الأم (3/ 206).
(2)
المنتقى للباجي (5/ 66) وانظر إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد (2/ 145).
(3)
المقدمات الممهدات (2/ 306).
(4)
انظر: فتح الباري (4/ 466).
بصفة من صفات الذات يدل على نفي الحكم عن الذات عند انتفاء تلك الصفة، ومن لم يقل بالمفهوم أجاب بأن العاجز لا يسمى مماطلا " (1).
4 -
ولأن في قول الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (2).
فجملة فنظرة إلى ميسرة جواب الشرط، والخبر محذوف، والتقدير: فنظرة له وهذه جملة خبرية خرجت مخرج الأمر (3)، أي فإن كان معسرا، فانظروه إلى وقت الميسرة، وهو أبلغ من صريح الأمر لأن المتكلم لشدة طلبه نزل المطلوب بمنزلة الواقع لا محالة (4) فكانت مطالبة المعسر مع إثبات عسره مخالفة للأمر، ومخالفة المأمور محظور.
قال ابن العربي المالكي رحمه الله: إذا لم يكن المديان غنيا، فمطله عدل، وينقلب الحال على الغريم، فتكون مطالبته ظلما؛ لأن الله تعالى قال:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (5).
(1) فتح الباري (4/ 466).
(2)
سورة البقرة الآية 280
(3)
انظر: شرح الكوكب المنير (3/ 32).
(4)
انظر: شرح الكوكب المنير (3/ 32).
(5)
سورة البقرة الآية 280
5 -
بل إن بعض أهل العلم يرى أن في تسمية المدين مماطلا نظرا؛ لأن المماطل إنما هو في حق من منع قضاء ما استحق أداؤه مع التمكن منه من غير عذر (1).
وعلى هذا فلا تجوز مطالبة المعسر، ولا يجوز حبسه ولا أذيته للآية الكريمة، ولما جاء من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال:«أصيب رجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها، فكثر دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدقوا عليه، فتصدق الناس عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغرمائه: خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك (2)» .
وجه الدلالة من الحديث: هو أن قوله: (وليس لكم إلا ذلك) يفيد أنه ليس لأصحاب الديون إذا أخذوا ما وجدوه أن يسجنوا المدين، أو يلازموه
…
قال ابن القيم رحمه الله: والذي يدل عليه الكتاب والسنة وقواعد الشرع أنه لا يحبس في شيء من ذلك إلا أن يظهر بقرينة أنه قادر مماطل سواء كان دينه عن عوض أو عن غير عوض، وسواء لزمته باختياره أو بغير اختياره
…
" (3) وهل يجوز لصاحب الحق ملازمة المدين المعسر؟
(1) انظر: المفهم شرح تلخيص الإمام مسلم للقرطبي (4/ 438) وفتح الباري (4/ 465).
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (3/ 1191).
(3)
الطرق الحكمية (ص 63).
اختلف في ذلك أهل العلم على قولين:
القول الأول: جواز ملازمة المدين المعسر، وإن وجب إنظاره.
وهذا مذهب أبي حنيفة واستدلوا بما رواه ابن عباس رضي الله عنه «أن رجلا لزم غريما له بعشرة دنانير على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما عندي شيء أعطيكم، فقال: لا والله لا أفارقك حتى تقضيني أو تأتيني بحميل، فجره إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (كم تستنظره؟ فقال: شهرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأنا أحمل له فجاءه في الوقت الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم (1)» -
…
) الحديث.
وجه الدلالة من الحديث: أن المدين بين أنه ليس عنده شيء، ومع ذلك لازمه صاحب الحق، ولم يمنعه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فدل على جواز ملازمة المدين سواء كان مليا أو معسرا (2).
وأجيب:
أ - بأن الحديث ضعيف؛ لأنه في سنده عمرو بن أبي عمرو فإن روايته عن عكرمة مولى ابن عباس ضعيفة قال الإمام أحمد: كل شيء
(1) سنن أبي داود البيوع (3328)، سنن ابن ماجه الأحكام (2406).
(2)
انظر: أحكام القرآن للجصاص (1/ 477).
يرويه عن عكرمة مضطرب، وقال البخاري: روى عن عكرمة مناكير، ولم يذكر في شيء منها أنه سمع عكرمة (1).
ب - ولو صح فهو محمول على جواز ملازمة المدين المجهول الحال، الذي لم يعلم عسره، وما نحن بصدده إنما هو في المدين الذي ثبت إعساره إما بإقرار الدائن، أو بإثبات الإعسار.
القول الثاني: عدم جواز ملازمة المدين المعسر إلى حين يساره وهذا مذهب جماهير أهل العلم من المالكية (2) والشافعية (3) والحنابلة (4) وهو مذهب أبي يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية (5).
أدلتهم:
أولا: قول الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (6).
وجه الدلالة: قالوا: إن الله سبحانه أمر بإنظار المدين إذا أعسر إلى أن يغتني ويقدر على دفع الدين، وإذا كان ذلك كذلك فلا تجوز ملازمته؛ لأن هذا يتنافى مع الإنظار فيخالف ظاهر النص (7).
(1) انظر: تهذيب الكمال (22/ 168) العلل الكبير للترمذي (ص 427) ميزان الاعتدال (3/ 281).
(2)
انظر: حاشية الدسوقي (3/ 280) الإشراف على مسائل الخلاف (2/ 12).
(3)
انظر: مغني المحتاج (3/ 115) أسنى المطالب (2/ 186).
(4)
انظر: المغني (6/ 585) كشاف القناع (3/ 418).
(5)
انظر: تبيين الحقائق (4/ 181) البحر الرائق (6/ 483) الاختيار لتعليل المختار (2/ 352).
(6)
سورة البقرة الآية 280
(7)
انظر: تفسير الإمام الطبري (3/ 110 - 112) والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (3/ 372).
ثانيا: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «أصيب رجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال صلى الله عليه وسلم: تصدقوا عليه، فتصدق الناس عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغرمائه: خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك (1)» .
وجه الدلالة: هو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الغرماء أن يأخذوا ما وجدوه من مال للمدين، فإذا لم يبق له مال، فنهاهم عن التعرض له بأي طريق، فدل ذلك على عدم جواز ملازمته والتضييق عليه (2).
المناقشة:
ناقش الحنفية أدلة الجمهور، واعترضوا عليها ومن ذلك ما قاله أبو بكر الجصاص: فقوله تعالى: {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (3) لا يدل على نفي الملازمة وذلك لأنه ينصرف على أحد وجهين:
الأول: إما أن يكون وقوع الإنظار هو تخليته من السجن، وترك عقوبته إذ كان غير مستحق لها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جعل مطل الغني ظلما، فإذا ثبت إعساره فهو غير ظالم بترك القضاء، فأمر الله ترك لزومه.
الثاني: أو أن يكون المراد الندب والإرشاد إلى إنظاره بترك لزومه
(1) سبق تخريجه.
(2)
انظر: شرح النووي (10/ 218) الإشراف على مسائل الخلاف (2/ 12).
(3)
سورة البقرة الآية 280
ومطالبته فلا يكون منظرا إلا بنظرة الطالب بدلالة الأخبار التي أوردناها.
وأما حديث أبي سعيد الخدري «خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك (1)» فلا يدل على نفي ملازمة المعسر؛ لأنه معلوم أنه لم يرد سقوط ديونهم؛ لأنه لا خلاف أنه متى وجد كان الغرماء أحق بما فضل عن قوته، وإذا لم ينف ذلك بقاء حقوقهم في ذمته فكذلك لا يمنع بقاء لزومهم له ليستوفوا ديونهم مما يكسبه فاضلا عن قوته وهذا هو معنى اللزوم .. " (2).
والراجح - والله أعلم - هو قول جماهير أهل العلم في عدم جواز ملازمة المدين المعسر، وما أجاب به أبو بكر الجصاص على أدلة الجمهور، خروج عن ظاهر النص كما قال القرطبي في تفسيره، وذلك لأن معنى الإنظار: الإمهال والتأجيل بلا مطالبة، وإذا انتفت المطالبة، فلا معنى للملازمة إذن لأن الملازمة مطالبة وزيادة.
وكذا رده، رحمه الله على حديث أبي سعيد ليس بجيد؛ لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم:(وليس لكم إلا ذلك) عام، فيشمل حتى الملازمة، وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال كما قال الأصوليون (3). بل إن ابن حجر الهيثمي رحمه الله عد ملازمة الدائن لمدينه المعسر، أو التسبب في حبسه بالدين مع علمه بإعساره من الكبائر وقال: ما ذكرته من أن فعل الدائن بمدينه ما ذكر - يعني من
(1) صحيح مسلم المساقاة (1556)، سنن الترمذي الزكاة (655)، سنن النسائي البيوع (4678)، سنن أبي داود البيوع (3469)، سنن ابن ماجه الأحكام (2356)، مسند أحمد (3/ 36).
(2)
أحكام القرآن للجصاص (1/ 478 - 479).
(3)
انظر: المستصفى (2/ 68) شرح الكوكب المنير (3/ 171).
الملازمة والحبس - كبيرة ظاهر جدا، وإن لم يصرحوا به إلا أنه داخل في إيذاء المسلم الشديد الذي لا يطاق عادة " (1).
(1) الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/ 179).
ولا شك أن ملازمة الدائن لمدينه المعسر محرمة كما سبق بيان ذلك أما عده كبيرة فيحتاج إلى دليل، وقد استدل ابن حجر الهيثمي على ذلك بمفهوم المخالفة من قول النبي صلى الله عليه وسلم:«من أنظر معسرا، أو وضع له وقاه الله من فيح جهنم (1)» وقال: " ومفهوم الحديث أن من لم ينظر مدينة المعسر لا يوقى فيح جهنم، وذلك وعيد شديد، وبه يتأكد عد ذلك كبيرة "(2).
بيد أن ضابط الكبيرة على الصحيح هو كل ما وجب فيه حد أو ورد فيه توعد بالنار، أو جاءت فيه لعنة " (3) وليس كذلك في ملازمة المدين المعسر، فلم يوجب به حد ولا ورد فيه توعد بالنار ولا جاءت فيه لعنة تدل على تحريمه ولا جعله كبيرة والله أعلم.
وهل المدين المعسر الذي يجب إنظاره على حال واحدة؟
ذكر الفقهاء رحمهم الله أن للمدين المعسر حالين: الإعدام، والقلة.
أ - أما الإعدام: فهو المدين الذي نفذ ماله، وليس عنده ما يدفع
(1) مسند أحمد (1/ 327).
(2)
الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/ 179).
(3)
انظر: الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/ 6).
حاجته من العروض، فهذا يجب على الدائن إنظاره (1)؛ لأنه عاجز عن أداء الدين ومطالبته بالوفاء مع عجزه أذية له وتأنيب.
قال ابن رشد الجد: " وأما المعسر المعدم، فتأخيره إلى أن يوسر واجب والحكم بذلك لازم، لقوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (2).
وقال الطحاوي رحمه الله: " وأما المعسر العديم الذي لا شيء عنده، فلا ثواب له على إنظاره، إذ هو مغلوب على ذلك لا يقدر على سواه "(3).
ب - الإقلال: فالمدين المقل هو الذي لا يملك وفاء كل الدين، وإن كان يملك بعضه، مع ضيق وضرر يحصل له جراء نفقة نفسه وعياله،
(1) انظر: الأشباه والنظائر لابن السبكي (1/ 187)
(2)
سورة البقرة الآية 280
(3)
المعتصر من المختصر (2/ 30).
مثل من يملك عقارا أو سكنا يتضرر ببيعها في الحال، ولا نقد عنده يؤدي منه الدين (1).
فهذه يشرع في حق الدائن أن ينظره، وهل يجب؟ فيه خلاف عند أهل العلم.
قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في تفسيره " التحرير والتنوير " في قوله تعالى: {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (2) قال: "
…
وإن أريد بالعسرة ضيق الحال، وإضرار المدين بتعجيل القضاء، فالطلب يحتمل الوجوب، وقد قال به بعض الفقهاء - ويحتمل الندب وهو قول مالك والجمهور، فمن لم يشأ لم ينظره، ولو ببيع جميع ماله؛ لأن هذا حق يمكن استيفاؤه، والإنظار من المعروف، والمعروف لا يجب، غير أن المتأخرين من الفقهاء بقرطبة كانوا لا يقضون عليه بتعجيل الدفع، ويؤجلونه بالاجتهاد، لئلا يدخل عليه مضرة بتعجيل بيع ما به الخلاص " (3).
وقال ابن رشد الجد رحمه الله: وأما المعسر الذي ليس بمعدم، وهو الذي يخرجه تعجيل القضاء، ويضر به - فتأخيره إلى أن يؤسر، ويمكنه القضاء من غير مضرة تلحقه؛ مرغب فيه ومندوب إليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من أنظر معسرا أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله (4)» ، والآثار في ذلك كثيرة، والمطل بالأداء وهو جاهد فيه غير
(1) انظر: قضايا فقهية معاصرة د. نزيه حماد (ص 328).
(2)
سورة البقرة الآية 280
(3)
التحرير والتنوير (3/ 96).
(4)
أخرجه الإمام مسلم في صحيحه رقم 3006، والإمام أحمد في مسنده 24/ 279 واللفظ له.
مقصر ولا متوان غير محظور عليه إن شاء الله.
وكان الشيوخ بقرطبة رحمهم الله يفتون بتأخيره بالاجتهاد على قدر المال وقلته، ولا يوكلون عليه في بيع عروضه وعقاره في الحال، وعلى ذلك تدل الروايات، خلاف ما كان يفتي به سائر فقهاء الأندلس من التوكيل عليه ببيع ماله، وتعجيل إنصافه.
والمدين المعسر سواء كان معدما (1) أو مقلا فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فضل إنظاره، وثوابه وما أعده الله له.
فمن تلك الأحاديث: ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كان لي على فلان ابن فلان الحرامي مال فأتيت أهله فسلمت، فقلت ثم هو، قالوا: لا، فخرج علي ابن له صغير، فقلت: أين أبوك، قال، سمع صوتك، فدخل أريكة أمي، فقلت: أخرج إلي، فقد علمت أين أنت فخرج فقلت: ما حملك على أن اختبأت مني، قال: أنا والله أحدثك ثم قال لا أكذبك: خشيت والله أن أحدثك فأكذبك، وأن أعدك فأخلفك، وكنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: وكنت - والله - معسرا، قال: قلت: آلله قال:
(1) خلافا للطحاوي؛ لأن الدائن قد يلح على المدين ليستدين له فإذا علم فضل إنظاره فإنه ينظره.
الله، قلت: آلله، قال: الله، قلت: آلله، قال: الله، فأتى - يعني أبا اليسر - بصحيفته ثم محاها بيده، وقال: إن وجدت قضاء فاقضني وإلا فأنت في حل، فأشهد بصر عيني هاتين، ووضع أصبعيه على عينيه، وسمع أذني هاتين، ووعاه قلبي هذا: وأشار إلى نياط قلبه: رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (من أنظر معسرا أو وضع له أظله الله في ظله)(1)».
2 -
ومنها أيضا ما رواه الإمام أحمد من حديث ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أنظر معسرا أو وضع عنه، وقاه الله من فيح جهنم (2)» .
3 -
ومنها ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كان رجل يداين الناس، فكان يقول لفتاه: إذا جئت معسرا فتجاوز عنه لعل الله أن يتجاوز عنا، قال: فلقي الله، فتجاوز عنه (3)» .
(1) أخرجه مسلم في صحيحه (4/ 2299 - 2300).
(2)
أخرجه الإمام أحمد في المسند (5/ 149). وفي سند الحديث ضعف لأن فيه نوح بن جعونة مجهول، وله شاهد من حديث أبي هريرة في المسند (2/ 359) وإسناده صحيح.
(3)
"أخرجه البخاري في صحيحه (4/ 309) ومسلم في صحيحه (3/ 1196) وقال النووي رحمه الله: "" التجاوز عن المدين معناه، المسامحة في الاقتضاء والاستيفاء، وقبول ما فيه نقص يسير، وتجاوز الله عن العبد عفوه عنه "" شرح مسلم (10/ 224). "