الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
به المقدر؛ فإن أردت أن أفعال العباد نفس تقدير الله الذي هو علمه وكلامه ومشيئته ونحو ذلك من صفاته، فهذا غلط وباطل؛ فإن أفعال العباد ليست شيئا من صفات الله تعالى، وإن أردت أنها مقدرة قدرها الله تعالى فهذا حق؛ فإنها مقدرة كما أن سائر المخلوقات مقدرة) (1).
(1) مجموع الفتاوى (8/ 410)
المطلب الثالث: الفرق بين القضاء والقدر
اختلفت عبارات العلماء -رحمهم الله تعالى- في تعريف القضاء والقدر، فقال الراغب الأصفهاني:(والقضاء من الله تعالى أخص من القدر؛ لأنه الفصل بين التقدير، فالقدر هو التقدير، والقضاء هو الفصل والقطع، وقد ذكر بعض العلماء أن القدر بمنزلة المعد للكيل والقضاء بمنزلة الكيل، وهذا كما قال أبو عبيدة لعمر لما أراد الفرار من الطاعون بالشام: (أتفر من القضاء؟) قال: (أفر من قضاء الله إلى قدر الله)(1)؛ تنبيها أن القدر ما لم يكن قضاء فمرجو أن يدفعه الله، فإذا قضى فلا مدفع له
…
ويشهد لذلك قوله تعالى: {وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا} (2)، وقوله:{كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} (3)، وقوله:{وَقُضِيَ الْأَمْرُ} (4). أي فصل تنبيها أنه
(1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطب (7/ 21)، ومسلم في صحيحه، كتاب السلام (4/ 1740)
(2)
سورة مريم الآية 21
(3)
سورة مريم الآية 71
(4)
سورة البقرة الآية 210
صار بحيث لا يمكن تلافيه (1).
وقال الجرجاني: (القدر خروج الممكنات من العدم إلى الوجود واحدا بعد واحد مطابقا للقضاء، والقضاء في الأزل، والقدر فيما لا يزال، والفرق بين القدر والقضاء هو أن القضاء وجود جميع الموجودات في اللوح المحفوظ مجتمعة، والقدر وجودها متفرقة في الأعيان بعد حصول شرائطها، والقضاء في الاصطلاح: عبارة عن الحكم الكلي الإلهي في أعيان الموجودات على ما هي عليه من الأحوال الجارية في الأزل إلى الأبد)(2).
وذكر الحافظ ابن حجر: أن العلماء قالوا: (القضاء: الحكم الكلي الإجمالي في الأزل، والقدر جزئيات ذلك الحكم وتفاصيله)(3).
ويرى بعض العلماء: أن القدر هو تقدير الشيء قبل قضائه، والقضاء هو الفراغ من الشيء، ومن الشواهد التي يذكرونها للتفريق بين القضاء والقدر أن القدر بمنزلة تقدير الخياط للثوب فهو قبل أن يفصله يقدره فيزيد وينقص؛ فإذا فصله فقد قضاه وفرغ منه وفاته التقدير، وعلى هذا يكون القدر سابقا للقضاء.
وخلاصة القول: أن الأقوال في التفريق بين القضاء والقدر كثيرة؛ وليس في الكتاب والسنة دليل واضح يدل على الفرق بينهما (4)، وإنما هي
(1) المفردات ص (406 - 407)
(2)
التعريفات ص (176 - 177)
(3)
فتح الباري لابن حجر (11/ 477)
(4)
انظر: القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة ومذاهب الناس فيه للدكتور عبد الرحمن بن صالح المحمود