الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اتفاق وعقد بين الطرفين، يحصل من جراء التعامل التجاري بينهما وفقا وطبقا لما أبرماه من اتفاق وعقود بعض التعاملات التجارية الثانوية، التي تكون غير داخلة في الاتفاق المبرم بينهما فيختلف المتعاقدان في السعر، هل هو على حسب سعر السوق أم هو على حسب سعر نفس الشركة (أحد المتعاقدين) التي تبرمه مع المتعاقدين الآخرين، فبسبب ذلك تحصل. مماطلات وتسويفات، لبعض تلك الحقوق والالتزامات.
المطلب الثاني: أنواع الضرر المترتب على المماطلة:
إن ضرر التخلف عن تسديد الديون، والمماطلة في مديونية من يتعامل بنظام الفائدة التراكمية الربوية، سواء سميت فائدة، أو عقوبة لأجل المماطلة، أو شرط جزائي، تعويض لدفع الضرر كما تتعامل به بعض الشركات أو المصارف التقليدية، لا تواجه بنفس الحدة والتخوف والريبة التي تواجه من لا يتعامل بنفس النظام كما يوجد لدى شرائح كثيرة من القطاعات والمشاريع الخاصة. ويعود سبب ذلك إلى أن إعمال الفائدة المركبة على المماطلين يحفظ للبنوك الربوية والشركات التي تتعامل بالفائدة، جريان العائد على ديونها طيلة فترة التأخير مما يجعل هذا حافزا لهم للسداد، بينا تواجه بعض المشاريع والقطاعات والأفراد بسبب التأخير في التسديد والمماطلة في ذلك أضرارا جسيمة مما يترتب عليه فوات فرصة إعادة استثمار هذه الأموال خلال مدة التأخير، وبالتالي حرمانهم من العوائد المتوقعة لهذا الاستثمار، ولسنا بصدد الحديث عن حكم إلزام
المدين المماطل بدفع مبلغ تناسبي أو مقطوع فهذا له مبحث خاص في ذلك.
ولكننا في هذا المطلب نشير إلى بعض الأضرار التي تترتب جراء تأخير المدين عن الوفاء بالالتزامات المالية، وهذه الأضرار تنقسم إلى قسمين، قد جعلناها في هذا المطلب في فرعين:
الفرع الأول: الضرر المادي:
تمثل الديون المتعثرة مشكلة خطيرة، ذات نتائج باهظة التكاليف، وآثار ومشكلات معقدة، وليس فقط على الدائن نفسه، سواء كان فردا أو شركة، بل على الدولة جميعها لتأثيرها الخطير والمتشابك على النشاط الاقتصادي بشكل عام، ليس فقط في الحاضر، ولكن وبشكل أكثر خطورة على المستقبل، ومن هنا كان لزاما على كل فرد يمارس العمل التجاري أن يحيط بهذه الأضرار المتشابكة حتى يمكنه أن يتفادى الكثير منها فمن تلك الأضرار المادية.
أولا: تجميد أموال الدائنين نتيجة عدم قدرة أو مماطلة المدينين على السداد، ومن ثم تعطيل استثمار أموال الدائنين، وحرمانه من عائد استثمارها، مما يترتب على ذلك إضاعة فرص، وتفويت مشاريع ناجحة تعود على الدائنين بالعائد المثمر الجيد، كان أعظم أسبابها قلة السيولة لدى
الدائنين بسبب مماطلة وتسويف المدينين.
ثانيا: تعريض الدائنين وأصحاب رؤوس الأموال إلى خسائر باهظة التكاليف بسبب تقليل الربحية، وانخفاض قدرة التجار على التوسع والانتشار، مما يسبب ترك المساهمين التعامل مع هذه الشركات والتجار بسبب قلة الربحية.
ثالثا: تحتاج القروض والديون المتعثرة إلى معالجات خاصة مع المدينين، مما يتطلب وجود كفاءات إدارية وإشرافية وتنفيذية مؤهلة ومدربة، ولديها الخبرة والمعرفة والدراية، والإلمام بمختلف نواحي العمل الذي يعمله المدين؛ لأنه ربما يكون سبب مماطلة المدين هو سوء الإدارة في تصريف الإنتاج والتسويق، أو خلل في إدارة المشروع الذي أبرمه مع صاحب المال (الدائن) فيتكلف الدائن جراء ذلك إلى إيجاد كوادر إدارية وإشرافية لمعالجة التعثر في التسديد من قبل المدين ومعالجة ذلك، وكل هذا يكلف أصحاب رؤوس الأموال أموالا باهظة لإيجاد هذه الكوادر الإدارية والإشرافية.
رابعا: وقد تستغرق معالجة الديون، وقتا وجهدا وتكلفة سواء من جانب المسؤولين (أصحاب رؤوس الأموال) أو من جانب الأفراد العاملين مع أصحاب رؤوس الأموال، مما يؤثر على قدرتهم على إنجاح مشاريع أخرى ومتابعتها، وبالتالي تتأثر درجات الجودة في الأداء الوظيفي لأعمال الشركة أو المؤسسة، وتزداد معها الخسائر وتنخفض الإيرادات، وبالتالي
تقل قدرة المؤسسات والشركات على النمو وعلى إنعاش الاقتصاد.
خامسا: أن بعض شركات المقاولة قد تتأثر تأثرا كبيرا بسبب تأخر أصحاب المشاريع عن إعطائهم الالتزامات المالية، المتفق عليه في العقد، مما يسبب تأخر رواتب الموظفين والعمال العاملين في شركات المقاولة، فيتبرم العمال وربما يضربون عن العمل، ناهيك عن أن هذه الشركات قد تكون ملتزمة بمشاريع أخرى، فربما تأخرت عن الإنجاز لما أبرم بينها وبين أصحاب المشاريع الأخرى مما يترتب عليه شرطا جزائيا يعود على كاهل هذه الشركات المقاولة بالالتزامات والأموال الباهظة، حتى إنه ربما تفلس كثير من تلك الشركات بسبب ذلك، وهذا ضرر محض بلا شك.
سادسا: وقد تؤدي المماطلة والتسويف في الديون أيضا إلى إثقال كاهل الدائنين؛ لأنهم قد يحتاجون إلى استفسارات اقتصادية، واستشارات شرعية وقانونية وقد يلجأ أصحاب الأموال إلى القضاء والمحاكم لاستيفاء ديونهم وهذا بلا شك يتطلب وجود محامين ومستشارين يقيمهم الدائن، وهو ما يعني تكاليف وأعباء إضافية من الأموال على الدائن بسبب مماطلة المدينين. وربما تقوم بعض الشركات والمؤسسات ذات النشاط الواسع إلى تعيين عدد من الخبراء والمستشارين داخل الشركات بصفة دائمة تسند إليهم مهمة التعامل مع الديون المتعثرة، وهو ما يمثل تكلفة مالية، خاصة بعد انتهاء أعمال هؤلاء الخبراء حيث تضطر تلك الشركات إلى تحويلهم إلى أعمال أخرى عادية دون الاستفادة من مهاراتهم وخبراتهم المتخصصة،
ولا تستطيع إلغاء عقودهم لوجود اتفاقية زمنية مسبقة (1).
الفرع الثاني: الضرر الأدبي:
المؤسسات المالية كائن حي، تتأثر تأثرا مباشرا بظروف المتعاملين معها، وبظروف البيئة المحيطة بها، ويجب أن تأخذ بكل أسباب الحيطة والحذر تجاه كل ذلك كي تتجنب بقدر الإمكان مغبة التعثر والمماطلة المالية المتوقعة، وكذا المواقف الصعبة التي قد تصيب نشاطاتها، وأعمالها باعتبارها شخصا اعتباريا تتمتع بالشخصية الاعتبارية الحكمية، كما يتمتع بها الشخص الطبيعي، وأن هذا الوصف الشرعي مقدر ومفترض فيه، كما هو مقدر في الإنسان يدل على ذلك أحكام الفروع الفقهية كما هي عند أئمة المذاهب الإسلامية رحمهم الله.
وبالتالي فالتأثر والضرر ربما يصيب كيان المؤسسة المالية لا أعني به الضرر المادي فحسب - كما سبق بيانه وتوضيحه - بل أعني به الضرر الأدبي، مما قد يسبب خسائر فادحة بل وإفلاس هذه المؤسسات المالية بسبب الضرر الأدبي، فليس من السهولة تجاهل هذه الأضرار، بل إن بعض الشركات العملاقة لتدفع أموالا باهظة خيالية للتصدي حول الدعايات الكاذبة، والدعاوى الكيدية خشية الأضرار الأدبية في سمعتها وتعاملاتها، ولعلنا نشير إلى بعض الأضرار الأدبية التي تحصل من جراء
(1) انظر بعض هذه الأسباب في الديون المتعثرة ص 45 د / محسن الخضيري.
المماطلة والتسويف في تسديد الديون فإلى تلك الأضرار.
أولا: قد يؤثر التأخير في الوفاء بالحقوق والالتزامات المالية، على الجو النفسي للعمل، فيؤدي إلى إيجاد مناخ من التوتر وعدم الاستقرار، والعصبية والتشدد والمبالغة والمغالاة في الإجراءات وطلب البيانات والمعلومات، وإجراء البحوث والدراسات والتحريات عن جميع العملاء سواء الجدد منهم أو العملاء الذين يتعاملون معهم لفترة طويلة ولهم مراكز مالية متوازية، الأمر الذي يدفع العملاء إلى إنهاء التعامل معهم، واللجوء إلى مؤسسات أو شركات أكثر مرونة، واستعدادا للتعامل بلا مبالغة في الإجراءات والبيانات، مما يؤدي إلى تقليل الزبون وبالتالي تقليل الربحية، وقلة التوسع والنفوذ.
ثانيا: إن أي مؤسسة أو شركة لها تعامل تجاري مع عامة الناس، إذا ما رأت كثرة المماطلين والمسوفين في تسديد ديونهم فسوف تضطر إلى رفع الهامش الربحي لتغطية الخسائر جراء تأخير الديون، وهذا بلا شك يستدعي اهتمام رجال الصحافة والإعلام، واستخدام تحقيقاتهم الصحفية والإعلامية ومقابلة الجماهير في تعين أخطاء المؤسسات أو الشركات ذات التعامل المعين، ومن ثم مهاجمتهم والقائمين على إدارتها، مما يؤدي إلى خلق انطباع سلبي وغير إيجابي لدى جمهور عريض من الذي يتعاملون مع تلك المؤسسات أو الشركات، مما يؤثر على حجم أعمال تلك المؤسسات أو الشركات حاليا ومستقبلا.
ثالثا: وقد يسبب التأخير في الوفاء بالالتزامات والحقوق أيضا خلق مناخ مضطرب لدى المؤسسات أو الشركات التي تعمل في نطاق المقاولات المعمارية أو عقود المناقصات الحكومية أو الشركات الكبيرة، فإذا تؤخر بالتسديد لهذه المؤسسات التي تعمل في المقاولات فسوف تتأخر هي أيضا بالوفاء بالتزاماتها مع المحلات والمصانع والوكالات التجارية، مما يؤدي إلى عدم تعامل تلك المحلات أو المصانع أو الوكالات التجارية مع تلك المؤسسات والشركات، مما يؤدي أحيانا إلى إعلان إفلاسها وإعسارها، وفرض الوصاية عليها، وهذا ضرر أدبي يمنعها من مقاومته لفترة طويلة حتى بعد تسديدها الديون التي لها أو عليها.
رابعا: إن انتشار ظاهرة المماطلة والتسويف في الوفاء بالحقوق كما يظهر ذلك في الإحصاءات الرسمية عن الشيكات المرتجعة يجعل كثيرا من العملاء وأصحاب رؤوس الأموال لا يطمئنون بالشيكات كوسيلة وفاء، كما يؤدي إلى ضعف التعاملات التجارية وتأخير أكثرها، وعدم الاهتمام بالشيكات أو الأوراق التجارية بصفة عامة، مما يخلق جوا من الضعف والتراجع في المسيرة التجارية لدى تلك الدولة.
خامسا: التوجه نحو اجتذاب الاستثمارات الأجنبية وإعطائها دورا فاعلا في نقل التكنولوجيا، وتشغيل العمالة وإنشاء مشروعات منتجة، مطلب تسعى إليه الحكومات وفقها الله، ولذا فإن تحقيق الجذب الكامل لهذه الاستثمارات لا يمكن أن يتم دون وجود مناخ استثماري مناسب،