الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله شاء وجودها لحكم عظيمة، منها الامتحان لعباده، من الذي يعبده حق العبادة، ومن الذي يكفر به ويشرك معه غيره، فهم خلطوا بين ما هو خلق لله ينسب إليه، وبين ما هو من مخلوقاته، كالقبائح، والطعوم، والروائح وغيرها.
واستدلالهم بهذه الآية حجة عليهم لا لهم، يقول ابن حزم:" إن هذه الآية حجة عليهم، لا لهم؛ لأن الله تعالى أخبر أنه بصنعه أتقن كل شيء، وهذا على عمومه وظاهره، فالله تعالى صانع كل شيء، وإتقانه له أن خلقه جوهرا أو عرضا جاريين على رتبة واحدة أبدا، وهذا عين الإتقان "(1).
وبهذا يتبين بطلان الاستدلال بهذه الآية.
(1) الفصل (3/ 65).
الشبهة الثالثة:
يقول القاضي عبد الجبار: "ومن الأدلة على أن العباد خالقون أفعالهم قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا} (1). ثم قال: فقد نفى الله تعالى أن يكون في خلقه باطل، فلولا أن هذه القبائح وغيرها من التصرفات من جهتنا ومتعلقة بنا؛ وإلا كان يجب أن تكون الأباطيل كلها من قبله، فيكون مبطلا كاذبا تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا "(2).
(1) سورة ص الآية 27
(2)
شرح الأصول الخمسة ص (362).
مناقشة الشبهة:
إن معنى الآية أن الله سبحانه وتعالى ما خلق السماوات والأرض وما بينهما - عبثا ولعبا - على ما يتوهمه من زعم أنه لا حشر ولا نشر ولا ثواب ولا عقاب، بل خلقهما بالحق للاعتبار بهما والاستدلال على خالقهما؛ ومن ثم إثابة المتقين الطائعين، ومجازاة المذنبين والكافرين. ولذا قال تعالى بعدها:{ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} (1) يعنى من إنكارهم الثواب والجزاء والعقاب (2).
وعلى ذلك فقولهم: إن معنى الآية " نفي أن يكون في خلقه باطل غير صحيح "، وإذا كان غير صحيح؛ بطل استدلالهم بالآية، والله أعلم.
يقول الحافظ ابن القيم: وهو يرد على من يزعم أن الله سبحانه وتعالى لم يخلق الخلق لغاية ولا لحكمة، يقول: النوع الحادي عشر إنكاره سبحانه على من زعم أنه لم يخلق الخلق لغاية ولا لحكمة لقوله: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} (3)، وقوله:{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} (4)، وقوله:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} (5){مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} (6)، والحق هو الحكم والغايات
(1) سورة ص الآية 27
(2)
التسهيل لابن جزي (3/ 400)، وانظر تفسير الطبري (2/ 173)، وتفسير القرطبي (5/ 191).
(3)
سورة المؤمنون الآية 115
(4)
سورة القيامة الآية 36
(5)
سورة الدخان الآية 38
(6)
سورة الدخان الآية 39
المحمودة التي لأجلها خلق ذلك كله، وهو أنواع كثيرة منها أن يعرف الله تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله وآياته، ومنها أن يحب ويعبد ويشكر ويذكر ويطاع، ومنها أن يأمر وينهى ويشرع الشرائع، ومنها أن يدبر الأمر ويبرم القضاء ويتصرف في المملكة بأنواع التصرفات، ومنها أن يثيب ويعاقب؛ فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، فيوجد أثر عدله وفضله موجودا مشهودا، فيحمد على ذلك ويشكر
…
إلى أن قال: " وقد أثنى على عباده المؤمنين حيث نزهوه عن إيجاد الخلق لا لشيء ولا لغاية، فقال تعالى:{وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ} (1)، وأخبر أن هذا ظن أعدائه لا ظن أوليائه فقال:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} (2)، وكيف يتوهم أنه عرفه من يقول: إنه لم يخلق لحكمة مطلوبة له، ولا أمر لحكمة، ولا نهى عن حكمة، وإنما يصدر الخلق والأمر عن مشيئة وقدرة محضة لا لحكمة ولا لغاية مقصودة، وهل هذا إلا إنكار لحقيقة حمده، بل الخلق والأمر إنما قاما بالحكم والغايات، فهما تظهران بحمده وحكمته، فإنكار الحكمة إنكار لحقيقة خلقه وأمره، فإن الذي أثبته المنكرون من ذلك ينزه عنه الرب ويتعالى عن نسبته إليه، فإنهم أثبتوا خلقا وأمرا لا رحمة فيه ولا مصلحة ولا حكمة، بل يجوز عندهم، أن يقع أو يأمر بما لا مصلحة
(1) سورة آل عمران الآية 191
(2)
سورة ص الآية 27