الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تكلم غيلان وقال بنفي القدر، فأحضره هشام، وذكره بتوبته في عهد عمر، فقال غيلان: أقلني يا أمير المؤمنين، فوالله لا أعود، قال: لا أقالني الله إن أقلتك، هل تقرأ فاتحة الكتاب، قال: نعم، قال: اقرأ " {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1) "، فقرأ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (2){الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (3){مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (4){إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (5)، قال: قف على ما استعنته؟ على أمر بيده لا تستطيعه أو على أمر في يدك - أو بيدك -؟ اذهبا فاقطعا يديه ورجليه واضربا عنقه واصلباه (6).
فأخذت هذه المقالة المعتزلة بعد أن انضم إليها عمرو بن عبيد، فضموا إلى بدعتهم في الإيمان، ومرتكب الكبيرة إنكارهم للقدر.
(1) سورة الفاتحة الآية 2
(2)
سورة الفاتحة الآية 2
(3)
سورة الفاتحة الآية 3
(4)
سورة الفاتحة الآية 4
(5)
سورة الفاتحة الآية 5
(6)
أخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل في السنة (2/ 429)، واللالكائي في شرح أصول أهل السنة (4/ 715).
ب -
عقيدتهم في القدر:
نفي القدر كانت له مرحلتان:
المرحلة الأولى: مرحلة غلاة القدرية الأوائل الذين كانوا ينكرون العلم السابق، وكان على هذا معبد الجهني وبعض القدرية وقد كفرهم الأئمة بهذا، وقد انقرض هذا المذهب.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " وغلاة القدرية ينكرون علمه المتقدم، وكتابته السابقة، ويزعمون أنه أمر ونهي، وهو لا يعلم من يطيعه ممن يعصيه، بل الأمر أنف، أي مستأنف، وهذا القول أول ما حدث في
الإسلام بعد انقراض عصر الخلفاء الراشدين وبعد إمارة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في زمن الفتنة التي كانت بين ابن الزبير وبين بني أمية في أواخر عصر عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وغيرهما من الصحابة، وكان أول من ظهر عنه ذلك بالبصرة معبد الجهني، فلما بلغ الصحابة قول هؤلاء تبرؤوا منهم، وأنكروا مقالتهم، كما قال عبد الله بن عمر - لما أخبر عنهم -: إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني، وكذلك كلام ابن عباس وجابر بن عبد الله وواثلة بن الأسقع وغيرهم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وسائر أئمة المسلمين، فيهم كثير، حتى قال فيهم الأئمة كمالك والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم: إن المنكرين لعلم الله المتقدم يكفرون " (1).
ويقول الحافظ ابن حجر: " وقد حكى المصنفون في المقالات عن طوائف من القدرية إنكار كون الباري عالما بشيء من أعمال العباد قبل وقوعها منهم، وإنما يعلمها بعد كونها، قال القرطبي وغيره: قد انقرض هذا المذهب، ولا نعرف أحدا ينسب إليه من المتأخرين، قال: والقدرية اليوم مطبقون على أن الله عالم بأفعال العباد قبل وقوعها، وإنما خالفوا السلف في زعمهم بأن أفعال العباد مقدورة لهم، وواقعة منهم على جهة الاستقلال، وهو مع كونه مذهبا باطلا أخف من المذهب الأول "(2).
(1) مجموع الفتاوى (8/ 450).
(2)
فتح الباري (1/ 119).
وما أشار إليه القرطبي: هو المرحلة الثانية من مراحل القدرية حيث إن عمرو بن عبيد - زعيم المعتزلة - أخذ بمقالة معبد الجهني في القدر وتبعه على ذلك خلق من أهل البصرة فتبنى المعتزلة هذا الرأي وقالوا: بنفي القدر وأن العبد لا يعمل ضمن حدود القدر، وإنما هو حر طليق، وفعله الشر منشؤه مشيئته واختياره هو وحده، وليس لله عليه مشيئة البتة، وقد ستروا هذا الرأي تحت كلمة العدل، وهو أحد أصولهم الخمسة التي بنوا عليها مذهبهم فقالوا: إن الله عادل لا يخلق الشر ولا يقضي به، إذ لو خلقه ثم يعذبهم عليه لكان ذلك جورا، والله عادل لا يجور، وزعموا أن الله شاء الإيمان من الكافر، ولكن الكافر شاء الكفر، وكذلك العاصي شاء المعصية، وخالف مشيئة الله. يقول القاضي عبد الجبار:" اتفق كل أهل العدل على أن أفعال العباد من تصرفهم وقيامهم وقعودهم حادثة من جهتهم، وأن الله عز وجل أقدرهم على ذلك، ولا فاعل لها ولا محدث سواهم، وأن من قال: إن الله سبحانه خالقها ومحدثها فقد عظم خطؤه "(1).
ويقول أيضا في تعريفه للعدل: " هو توقير حق الغير واستيفاء الحق منه "، ثم قال في تطبيق هذا التعريف على عدل الله: " وأما علوم العدل فهو أن يعلم أن أفعال الله تعالى كلها حسنة، وأنه لا يفعل القبيح ولا يخل
(1) المغني في أبواب التوحيد والعدل (3/ 8).