الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: مصليات الأعياد وأحكام المساجد
وبعد أن عرضنا أهم أحكام المساجد نأتي الآن إلى أقوال بعض أئمة المذاهب في حكم مصليات الأعياد وهل تنطبق عليها الأحكام التي ذكرناها آنفا أم لا؟ وهي على النحو التالي:
1 -
قال ابن نجيم (1) في البحر الرائق ما يلي: (وفي الخانية مسجد اتخذ لصلاة الجنازة أو لصلاة العيد، هل يكون له حكم المسجد اختلف المشايخ فيه، فقال بعضهم: يكون مسجدا حتى لو مات لا يورث عنه، وقال بعضهم: ما اتخذ لصلاة الجنازة فهو مسجد لا يورث عنه، وما اتخذ لصلاة العيد لا يكون مسجدا مطلقا وإنما يعطى له حكم المسجد في صحة الاقتداء بالإمام وإن كان منفصلا عن الصفوف، وأما فيما سوى ذلك فليس له حكم المسجد، وقال بعضهم: له حكم المسجد حال أداء الصلاة لا غير، وهو والجبانة سواء، ويجنب هذا المكان كما يجنب المسجد احتياطا). اهـ.
2 -
وقال ابن الهمام الحنفي (2):
(واختلفوا في مصلى العيد والجنازة والأصح أنه إنما له حكم المسجد في جواز الاقتداء لكونه مكانا واحدا).
3 -
وفي النوادر والزيادات (3) لابن أبي زيد القيرواني ما يلي: (ومن
(1) البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن النجيم 5/ 417.
(2)
شرح فتح القدير 1 - 421.
(3)
النوادر والزيادات لابن أبي زيد القيرواني 1/ 504.
كتاب ابن حبيب: إذا صلوا (1) في المسجد لمطر، فروى أشهب وابن وهب عن مالك أنه لا بأس بالتنفل فيه بعدها، ولا يتنفل قبلها، وقال: وبه أقول، وروى عنه ابن القاسم أن له أن يتنفل في المسجد قبلها وبعدها، وقال: وله أن يتنفل في بيته قبلها وبعدها، وقال قوم: سبحة ذلك اليوم فليقتصر عليها إلى الزوال، قال ابن حبيب: وهو أحب إلي، واستحب في موضع آخر نحو رواية ابن وهب عن مالك.
4 -
وفي بداية المجتهد لابن رشد (2) ما يلي: (وفرق قوم بين أن تكون الصلاة في المصلى أو في المسجد، وهو مشهور مذهب مالك، وسبب اختلافهم أنه ثبت «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم فطر أو يوم أضحى فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما، وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا جاء أحدكم المسجد فليركع ركعتين)(3)» وترددها أيضا من حيث هي مشروعة، بين أن يكون حكمها في استحباب التنفل قبلها وبعدها حكم المكتوبة أو لا يكون ذلك حكمها، فمن رأى أن تركه الصلاة قبلها وبعدها هو من باب ترك الصلاة قبل السنن وبعدها ولم يطلق اسم المسجد عنده على المصلى لم يستحب تنفلا قبلها ولا بعدها، ولذلك تردد المذهب في الصلاة قبلها إذا صليت في المسجد لكون دليل الفعل معارضا في ذلك القول، أعني: أنه من حيث هو داخل في مسجد يستحب له
(1) المراد بالصلاة هنا صلاة العيد.
(2)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد ص 512، 513.
(3)
صحيح مسلم صلاة العيدين (884)، سنن النسائي صلاة العيدين (1587)، سنن أبي داود الصلاة (1159)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1291)، مسند أحمد (1/ 368).
الركوع، ومن حيث هو مصلى صلاة العيد يستحب له ألا يركع تشبها بفعله صلى الله عليه وسلم، ومن رأى أن ذلك من باب الرخصة ورأى أن اسم المسجد يطلق على المصلى ندب إلى التنفل قبلها، ومن شبهها بالصلاة المفروضة استحب التنفل قبلها وبعدها كما قلنا، ورأى قوم أن التنفل قبلها وبعدها من باب المباح الجائز لا من باب المندوب ولا من باب المكروه، وهو أقل اشتباها إن لم يتناول اسم المسجد المصلى).
5 -
وقال أبو عبد الله المواق من المالكية ما يلي (1):
(نص أصحابنا أنه يكره دخول المسجد والجامع برائحة الثوم وعندي أن مصلى العيد والجنائز كذلك، ولابن وهب في الذي يأكل الثوم يوم الجمعة وهو ممن تجب عليه الجمعة لا أرى أن يشهد الجمعة في المسجد ولا في رحابه، وهل يجوز أن يدخل المسجد من أكل الثوم إذا لم يكن به أحد؟ الظاهر عندي أنه لا يجوز، قال مالك: البصل والكراث كالثوم قال: وإن كان الفجل يؤذي ويظهر فلا يدخل من أكله المسجد، انظر من أكل ذلك وعثر عليه بالمسجد. قال الباجي: إنه يخرج منه قال: وليس أكلها بحرام، قال: وأما من أكل الثوم بعد الإنضاج بالنار فلا يمنع لحديث عمر فليمتها نضجا ولم يخالفه أحد).
6 -
وفي المدونة الكبرى (2) ما يلي: (فقلت لمالك: إنا نكون في بعض
(1) التاج والإكليل 2 - 183.
(2)
المدونة الكبرى للإمام مالك من رواية سحنون 1/ 170.
السواحل فنكون في مسجد على الساحل يصلي بنا إمامنا صلاة العيد في ذلك المسجد فهل يكره للرجل أن يصلي قبل صلاة العيد في ذلك المسجد إذا أتى وهو ممن يصلي معهم صلاة العيد في ذلك المسجد؟ قال: لا أرى بذلك بأسا، قال: وإنما كره مالك أن يصلى في المصلى قبل صلاة العيد وبعدها شيء، قال: فقلت لمالك: فإن رجعت من المصلى أأصلي في بيتي؟ قال: لا بأس بذلك، قال:(وإنما كان يكره مالك الصلاة في المصلى يوم الأضحى والفطر قبل صلاة العيد وبعدها، فأما في غير المصلى فلم يكن يرى في ذلك بأسا).
7 -
وقال النووي في المجموع (1) ما يلي: (33)(المصلى المتخذ للعيد وغيره الذي ليس مسجدا لا يحرم المكث فيه على الجنب والحائض على المذهب وبه قطع الجمهور، وذكر الدارمي فيه وجهين وأجراهما في منع الكافر من دخوله بغير إذن، ذكره في باب صلاة العيد، وقد يحتج له بحديث أم عطية في الصحيحين: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الحيض أن يحضرن يوم العيد ويعتزلن المصلى (2)»، ويجاب عنه بأنهن أمرن باعتزاله ليتسع على غيرهن وليتميزن. والله أعلم.)
8 -
وقال الإمام الزركشي في إعلام الساجد (3) ما يلي: (سئل الغزالي في فتاويه عن المصلى الذي بني لصلاة العيد خارج البلد، فقال:
(1) المجموع شرح المهذب للنووي 2/ 196.
(2)
صحيح البخاري الحج (1652)، صحيح مسلم صلاة العيدين (890)، سنن الترمذي الجمعة (539)، سنن النسائي صلاة العيدين (1559)، سنن أبي داود الصلاة (1139)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1308)، مسند أحمد (5/ 84)، سنن الدارمي الصلاة (1609).
(3)
إعلام الساجد بأحكام المساجد لمحمد عبد الله الزركشي ص 1/ 386.
لا يثبت له حكم المسجد في الاعتكاف ومكث الجنب وغيره من الأحكام؛ لأن المسجد هو الذي أعد لرواتب الصلاة وعين لها حتى لا ينتفع به في غيرها، موضع صلاة العيد معد للاجتماعات ولنزول القوافل ولركوب الدواب ولعب الصبيان ولم تجر عادة السلف بمنع شيء من ذلك فيه، ولو اعتقدوه مسجدا لصانوه عن هذه الأسباب، ولقصد لإقامة سائر الصلوات، وصلاة العيد تطوع وهو لا يكثر تكرره، بل يبنى بقصد الاجتماع، والصلاة تقع فيه بالتبع).
9 -
وقال سليمان بن محمد الشافعي البجيرمي ما يلي: (1):
(ولو حوط بقعة لأجل جعلها مسجدا صار مسجدا وإن لم يتلفظ به، أو لم يبن فيه أو لم يسقف ومثله مصلى العيد واعتبر السبكي في المسجد السقف).
10 -
وقال ابن مفلح الحنبلي ما يلي (2):
(والصحيح أن مصلى العيد مسجد لأنه أعد للصلاة حقيقة لا مصلى الجنائز ذكره أبو المعالي لم يمنع في النصيحة حائضا من مصلى العيد ومنعها في المستوعب، وأمر عليه السلام برجم ماعز في المصلى، قال جابر: رجمناه في المصلى. متفق عليه)
11 -
وقال علي بن سليمان المرداوي ما يلي (3):
ومنها مصلى العيد مسجد على الصحيح من المذهب قال في الفروع
(1) حاشية البجيرمي 3 - 193.
(2)
الفروع 1 - 170.
(3)
الإنصاف 1 - 276.
هذا هو الصحيح، ومنع في المستوعب الحائض منه، ولم يمنعها في النصيحة منه، وأما مصلى الجنائز فليس بمسجد قولا واحدا.
12_
وفي الفتح (1) قال ابن حجر العسقلاني (قوله باب الرجم بالمصلى) أي: عنده والمراد المكان الذي كان يصلى عنده العيد والجنائز وهو من ناحية بقيع الغرقد، وقد وقع في حديث أبي سعيد عند مسلم، «فأمرنا أن نرجمه، فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد (2)» ، وفهم بعضهم كعياض من قوله بالمصلى أن الرجم وقع داخله وقال: يستفاد منه أن المصلى لا يثبت له حكم المسجد، إذ لو ثبت له ذلك لاجتنب الرجم فيه، لأنه لا يأمن التلويث من المرجوم خلافا لما حكاه الدارمي أن المصلى يثبت له حكم المسجد، ولو لم يوقف، وتعقب بأن المراد أن الرجم وقع عنده لا فيه، كما تقدم في البلاط، وأما في حديث ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم اليهوديين عند باب المسجد، (3)» وفي رواية موسى بن عقبة أنهما رجما قريبا من موضع الجنائز قرب المسجد، وبأنه ثبت في حديث أم عطية الأمر بخروج النساء حتى الحيض في العيد إلى المصلى وهو ظاهر في المراد، والله أعلم.
وقال النووي ذكر الدارمي من أصحابنا أن مصلى العيد وغيره إذا لم يكن مسجدا أيكون في ثبوت حكم المسجد، له وجهان: أصحهما لا.
وقال البخاري وغيره في رجم هذا بالمصلى دليل على أن مصلى الجنائز والأعياد إذا لم يوقف مسجدا لا يثبت له حكم المسجد إذ لو كان
(1) فتح الباري شرح صحيح البخاري 12/ 129، 130.
(2)
صحيح مسلم الحدود (1694)، سنن أبي داود الحدود (4431)، مسند أحمد (3/ 62)، سنن الدارمي الحدود (2319).
(3)
صحيح البخاري التوحيد (7543)، صحيح مسلم الحدود (1699)، سنن الترمذي الحدود (1436)، سنن أبي داود الحدود (4449)، سنن ابن ماجه الحدود (2556)، مسند أحمد (2/ 151)، موطأ مالك الحدود (1551)، سنن الدارمي الحدود (2321).
له حكم المسجد لاجتنب فيه ما يجتنب في المسجد، قلت: وهو كلام عياض بعينه وليس للبخاري منه سوى الترجمة. اهـ.
13 -
وفي شرح النووي لصحيح مسلم (1): (قولها «وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين (2)» هو بفتح الهمزة والميم في أمر، فيه منع الحيض من المصلى، واختلف أصحابنا في هذا المنع، فقال الجمهور: هو منع تنزيه لا تحريم، وسببه الصيانة والاحتراز بمقارنة النساء للرجال من غير حاجة ولا صلاة، وإنما لم يحرم لأنه ليس مسجدا، وحكى أبو الفرج الدارمي من أصحابنا عن بعض أصحابنا أنه قال:(يحرم المكث في المصلى على الحائض كما يحرم مكثها في المسجد لأنه موضوع للصلاة، فأشبه المسجد، والصواب الأول).
ومن الكتب المعاصرة التي تحدثت عن موضوعنا كتاب: أحكام المساجد في الشريعة الإسلامية للشيخ إبراهيم الخضيري.
(1) مسلم بشرح النووي 6/ 179.
(2)
صحيح البخاري الحج (1652)، صحيح مسلم صلاة العيدين (890)، سنن الترمذي الجمعة (539)، سنن النسائي صلاة العيدين (1559)، سنن أبي داود الصلاة (1139)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1308)، مسند أحمد (5/ 84)، سنن الدارمي الصلاة (1609).
وكذلك كتاب أحكام المساجد في الإسلام لمحمود الحريري.