الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وقوة كلامه تقتضي ترجيح الأول، والظاهر الثاني - يعني أن المراد بالغني المتمكن من الأداء - لأن من هو بهذه الصفة، يجوز له الأخذ من الزكاة، ولو كان غنيا لم يأخذ منها؛ لأنها للفقراء، ومن ذكر معهم دون الأغنياء) أ. هـ (1).
وجاء في مرقاة المصابيح أيضا: (إن المطل منع أداء ما استحق أداؤه، وهو حرام من المتمكن، ولو كان غنيا، ولكنه ليس متمكنا، جاز له التأخير إلى الإمكان)(2).
(1) طرح التثريب (6/ 162).
(2)
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (3/ 337).
المطلب الثالث: مطل المدين الموسر بلا عذر:
مطل المدين الموسر القادر على قضاء الدين بلا عذر، وذلك بعد مطالبة صاحب الحق، محرم شرعا، ومن الظلم الموجب للعقوبة الحاملة على الوفاء وقد عد السبكي والهيثمي في الزواجر والمناوي مطل الغني
من غير عذر بعد مطالبته من الكبائر، حيث إن وصفه بالظلم وحل العرض والعقوبة من أكبر الوعيد (1).
والدليل على ذلك:
أ - ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مطل الغني ظلم (2)» .
قال الحافظ ابن حجر: (المعنى أنه من الظلم، وأطلق ذلك للمبالغة في التنفير من المطل)(3).
وقد جاء في بعض روايات الحديث «إن من الظلم مطل الغني (4)»
…
) (5).
وقال ابن حزم رحمه الله: " ومن المنكر مطل الغني، فمن صح غناه، ومنع خصمه، فقد أتى منكرا، وظلما، وكل ظلم منكر، فواجب على الحاكم تغييره باليد " ولأجل هذا الحديث استدل سحنون وأصبغ من المالكية على أن المماطل فاسق مردود الشهادة، ونازعهما غيرهما في ذلك، وقالوا لا يلزم من تسميته ظلما أن يكون كبيرة، فإن الظلم يطلق على كل معصية كبرت أو صغرت، فلا ترد شهادته حتى يتكرر ذلك منه ويصير عادة له.
(1) انظر: الزواجر (1/ 249) فتح الباري (4/ 664) فيض القدير (5/ 523).
(2)
سبق تخريجه.
(3)
فتح الباري (4/ 465).
(4)
مسند أحمد (2/ 315).
(5)
انظر: طرح التثريب (6/ 161).
وقال النووي: مقتضى مذهبنا اشتراط التكرار.
هذا ومما يدخل في مطل الأغنياء مع قدرتهم على الوفاء ما ذكره العز بن عبد السلام في قواعده بقوله: " فإن طولب بدين أو حق واجب على الفور لزمه أداؤه ولا يحل له أن يقول لخصمه لا أدفعه إلا بالحاكم؛ لأنه مطل، والمطل بالحقوق المقدور عليها محظور، لقوله عليه الصلاة والسلام «مطل الغني ظلم (1)» وكثيرا ما يصدر هذا من العامة مع الجهل بتحريمه، وإثمه أعظم من إثم المطال المجرد، لما فيه من تعطيل المدعي بانطلاقه إلى الحاكم ومثوله بين يديه وبما يغرمه لأعوان الحاكم على الإحضار "(2).
ومما يدخل في التأخير في أداء الحقوق مع قدرته على الوفاء ما ذكره محمد العبدري المعروف بابن الحاج المالكي في مدخله بقوله: " ومنهم من لا يسأل البائع أن ينقص عنه، ولكنه يسأله التأخير مع كون البيع وقع على الحلول، وذلك لا يجوز، وهو ملتحق بالقسم الأول أعني في نقصان الثمن بعد عقد البيع عليه كما تقدم، ومنهم من لا يسأله نقصان الثمن، ولا التأخير، ولكن يماطله بقوله: غدا وبعد غد، وغدوة وعشية إلى غير ذلك مما هو معلوم من عوائدهم مع وجود القدرة على أداء الثمن في
(1) صحيح البخاري الحوالات (2288)، صحيح مسلم المساقاة (1564)، سنن الترمذي البيوع (1308)، سنن النسائي البيوع (4691)، سنن أبي داود البيوع (3345)، سنن ابن ماجه الأحكام (2403)، مسند أحمد (2/ 465)، موطأ مالك البيوع (1379)، سنن الدارمي البيوع (2586).
(2)
قواعد الأحكام في إصلاح الأنام (2/ 63).