الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بما هو واجب عليه، وأنه لا يكذب في خبره، ولا يجور في حكمه " (1).
ويقول أيضا: " والذين يثبتون المجبرة، فأما نحن فإنا ننفيه وننزه الله تعالى عن أن تكون الأفعال بقضائه وقدره "(2).
ويقول أيضا: " ولو كان الختم منعا لما جاز أن يذم تعالى الكفار الذين وصف بأنه ختم على قلوبهم، ولما جاز أن يقول: {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (3) لأنه إن كان تعالى منعهم عن الخروج من الكفر وأوجد ذلك فيهم حتى لا يصح منهم الانفكاك؛ فكيف يحسن أن يعذبهم به؟ ولئن جاز ذلك ليجوزن أن يعذبهم على طولهم ولونهم وصحتهم؟! "(4).
ومنشأ ضلالهم وبدعتهم أنه لما عجزت عقولهم عن الإيمان بقدر الله والإيمان بأمره ونهيه ووعده ووعيده شبهوا أفعال الله بأفعال عباده، وجعلوا ما يحسن من العباد يحسن منه وما يقبح من العباد يقبح منه وقالوا: يجب عليه أن يفعل كذا، ولا يجوز له أن يفعل كذا، وهم مشبهة الأفعال (5).
(1) شرح الأصول الخمسة ص (132 - 133).
(2)
شرح الأصول الخمسة ص (776).
(3)
سورة البقرة الآية 7
(4)
متشابه القرآن ص 53
(5)
انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص (468).
ج -
شبهاتهم والردود عليها:
الشبهة الأولى:
يقول القاضي عبد الجبار: " ومما يستدل له من جهة السمع، قوله
تعالى: {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} (1) الآية.
وجه الاستدلال:
أن الله تعالى نفى التفاوت عن خلقه، ولا يجوز أن يكون المراد به التفاوت من جهة الخلقة؛ لأن في خلقة المخلوقات من التفاوت ما لا يخفى، فليس إلا أن المراد به التفاوت من جهة الحكمة على ما قلناه، وإذا ثبت هذا لم يصح في أفعال العباد أن تكون من جهة الله تعالى لاشتمالها على التفاوت وغيره (2).
نقول: إن استدلالهم بهذه الآية استدلال باطل لأن الآية وردت في خلق السماوات، قال تعالى:{الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} (3)، وإن كان الأولى تعميم الآية لتقرر تناسب خلقه سبحانه وتعالى، وإتقانه، وتناهي حسنه، فيشمل خلق السماوات وغيرها (4). وعلى هذا فقد تولى ابن حزم، رحمه الله تعالى، مناقشة المعتزلة، فقال: " وأما قوله تعالى: {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} (5)، فلا حجة لهم في هذا أيضا؛ لأن التفاوت المعهود، هو ما نافر النفوس، أو خرج عن المعهود، فنحن نسمي الصورة المضطربة بأن فيها تفاوتا، فليس هذا التفاوت الذي نفاه الله
(1) سورة الملك الآية 3
(2)
انظر: شرح الأصول الخمسة ص (355).
(3)
سورة الملك الآية 3
(4)
انظر محاسن التأويل (16/ 5878)، وتفسير ابن كثير (4/ 396).
(5)
سورة الملك الآية 3
تعالى عن خلقه، فإذا ليس هو هذا الذي يسميه الناس تفاوتا، فلم يبق إلا أن التفاوت الذي نفاه الله تعالى عما خلق، هو شيء غير موجود فيه البتة؛ لأنه لو وجد في خلق الله تعالى تفاوت، لكذب قول الله عز وجل:{مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} (1)، ولا يكذب الله تعالى إلا كافر، فبطل ظن المعتزلة، أن الكفر، والظلم، والكذب، والجور، تفاوت؛ لأن كل ذلك موجود في خلق الله عز وجل، مرئي فيه، مشاهد بالعيان فيه، فبطل احتجاجهم، والحمد لله رب العالمين.
فإن قال قائل: فما هذا التفاوت الذي أخبر الله عز وجل أنه لا يرى في خلقه؟ قيل:
…
إن العالم كله ما دون الله تعالى هو مخلوق لله تعالى أجسامه وأعراضه كلها، لا نحاشي منها شيئا، ثم إذا نظر الناظر في تقسيم أنواع أعراضه، وأنواع أجسامه، جرت القسمة جريا مستويا في تفصيل أجناسه، وأنواعه، بحدودها المميزة لها، وفصولها المفرقة بينها، على رتبة واحدة، وهيئة واحدة، إلى أن يبلغ إلى الأشخاص التي تلي هذه الأنواع، لا تفاوت في شيء من ذلك البتة، بوجه من الوجوه، ولا تخالف في شيء منه أصلا
…
وكذلك أيضا نعلم أن الكفر والإيمان بالقلب واقعان تحت نوع من الاعتقاد، ثم تحت نوع فعل النفس، ثم تحت الكيفية والعرض، وقوعا مستويا، لا تفاضل فيه، ولا تفاوت من هذا الوجه من التقسيم
…
" (2).
ومن ثم فلا حجة للمعتزلة في هذه الآية. أما الاختلاف والتفاوت بين البشر
(1) سورة الملك الآية 3
(2)
الفصل في الملل والنحل (3/ 67 - 69).