الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وغير ذلك من صفاته تبارك وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا). (1).
كما أنها تبين لنا أن سبب ضلال من ضل في هذا الباب هو تفريقهم بين النصوص وإيمانهم ببعضها دون بعض، وتقديم عقولهم على شرع الله سبحانه وتعالى، كما يتضح لنا أن قول أهل السنة والجماعة هو القول الحق الذي تفهم به نصوص الكتاب والسنة، وهو ما سيتضح لنا إن شاء الله تعالى في المطلب الثالث.
(1) انظر معارج القبول (2/ 353، 354).
المطلب الثالث: قول أهل السنة والجماعة
قول أهل السنة والجماعة في الإيمان بالقضاء والقدر هو القول الحق الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وهو ما كان عليه السابقون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، وهو أن الله عز وجل خالق كل شيء ومليكه، وأنه سبحانه وتعالى ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فلا يكون شيء إلا بمشيئته وقدرته، فهو القادر على كل شيء، وأنه سبحانه وتعالى يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، من أفعال العباد وغيرها، وأنه عز وجل قد قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم فقدر آجالهم وأرزاقهم وأعمالهم، وكتب ذلك فهم يؤمنون بخلقه لكل شيء، وقدرته على كل شيء، ومشيئته لكل ما كان، وعلمه بالأشياء قبل أن تكون وتقديره لها وكتابته إياها قبل أن تكون، كما
يؤمنون بأن للعباد مشيئة وقدرة، يفعلون بمشيئتهم وقدرتهم ما أقدرهم الله عليه مع قولهم: إن العباد لا يشاءون إلا أن يشاء الله كما قال تعالى: {كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ} (1){فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} (2){وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} (3)، (4).
هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة في الإيمان بالقضاء والقدر وهو الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وأجمع السلف الصالح عليه، يقول ابن بطة: وهو يبين معتقد أهل السنة والجماعة في مسألة القضاء والقدر: (
…
ثم من بعد ذلك الإيمان بالقدر خيره وشره، وحلوه ومره، وقليله وكثيره، مقدور واقع من الله عز وجل على العباد في الوقت الذي أراد أن يقع، لا يتقدم الوقت ولا يتأخر على ما سبق بذلك علم الله، وأن ما أصاب العبد لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وما تقدم لم يكن ليتأخر، وما تأخر لم يكن ليتقدم، وفي هذا من صحة الدلائل وثبوت الحجة في جميع القرآن وأخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم ما لا يمكن دفعه، ولا يقدر على رده إلا بالافتراء على الله عز وجل ومنازعته في قدره، وإلى ما وصفناه دعت الرسل وأنزلت الكتب، وعليه اتفق أهل التوحيد ممن أقر لله بالربوبية وعلى نفسه بالعبودية من ملك مقرب ونبي مرسل، منذ كان الخلق إلى انقضائه مجمعون على أنه ليس
(1) سورة المدثر الآية 54
(2)
سورة المدثر الآية 55
(3)
سورة المدثر الآية 56
(4)
انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (8/ 449 - 452).
شيء كان ولا شيء يكون في السماوات ولا في الأرض إلا ما أراده الله عز وجل وشاءه وقضاه، والخلق كلهم أضعف في قوتهم وأعجز في أنفسهم من أن يحدثوا بسلطان الله عز وجل شيئا يخالفون فيه مراده، ويغلبون مشيئته ويردون قضاءه، فالإيمان بهذا حق لازم فريضة من الله عز وجل على خلقه، فمن خالف ذلك أو خرج عنه أو طعن فيه ولم يثبت المقادير لله عز وجل ويضيفها ويضيف المشيئة إليه فهو أول الزنادقة). (1).
ويقول النووي: (وقد تظاهرت الأدلة القطعيات من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة، وأهل الحل والعقد من السلف والخلف على إثبات قدر الله سبحانه وتعالى
…
). (2).
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: مذهب أهل السنة والجماعة أن الله خالق كل شيء وربه ومليكه، لا رب غيره ولا خالق سواه، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وهو على كل شيء قدير، وبكل شيء عليم، والعبد مأمور بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، منهي عن معصيته ومعصية رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فإن أطاع كان ذلك نعمة، وإن عصى كان مستحقا للذم والعقاب، وكان لله عليه الحجة البالغة، ولا حجة لأحد على الله تعالى، وكل ذلك كائن بقضائه وقدره ومشيئته وقدرته، لكن يحب الطاعة ويأمر بها ويثيب أهلها على فعلها، ويكرمهم،
(1) الشرح والإبانة لابن بطة ص (193 - 196).
(2)
شرح صحيح مسلم للنووي (1/ 155).