المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: أهمية توثيق الحقوق ووسائلها: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٧٩

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌الصلاة على الميت الصف عن يمين الإمام فيها

- ‌الصلاة على الحائض والنفساء في المسجد

- ‌المقتول في الزنا أو غيره من الحدود

- ‌هل يصلى على المتخلف عن الجماعة من غير عذر

- ‌رفع الصوت حال اتباع الجنازة

- ‌جواز إدخال الأجنبي المرأة في قبرها، وخلعه عقد أكفانها

- ‌هل يجوز الدعاء عند قبر الميت بعد دفنه

- ‌تشجير المقابر وإضاءتها وترخيمها لا يجوز

- ‌وجوب تعدد المقابر في نواحي مكة

- ‌إذا بلي الميت في قبره جاز أن يدفن فيه غيره

- ‌المقابر والطرق والأسواق لها أحوال

- ‌نقل من دفن في أرض مملوكة

- ‌صورة الجواب

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌ زكاة الدين الذي لم يوف

- ‌ لي دين عند أحد الإخوة، هل يلزمني زكاته، أو أن هناك وقتا محددا لذلك

- ‌ الزكاة في الدين المؤجل

- ‌أقوال العلماء حول كون الدين مانعا من الزكاة

- ‌الديون لا تمنع الزكاة ولو كانت أكثر من المال الموجود

- ‌ إذا كان لدي مبلغ من المال وحال عليه الحول، وعلي التزام تسديد صندوق التنمية العقاري

- ‌المقرض يزكي القرض إذا كان عند مليء

- ‌ هل في القرض زكاة

- ‌بهيمة الأنعام إذا لم تكن سائمة أغلب الحول فلا زكاة فيها

- ‌ ضم بعض المواشي إلى بعض لتكمل نصابا

- ‌أحكام خلطة المواشي

- ‌تجب الزكاة فيما أعد للتجارة من بهيمة الأنعام ولو كانت معلوفة

- ‌ ضرب الوالي قيمة محددةلعين ما يجب إخراجه من بهيمة الأنعام

- ‌ هل على الخضار والفواكه زكاة

- ‌الزكاة تجب في الحبوب والثمار التي تكال وتدخر وينتفع بها حالا ومآلا

- ‌ الزكاة في التين والزيتون

- ‌ الزكاة في البصل

- ‌ما يشترط لوجوب الزكاة في محصول المزرعة

- ‌ما يسقى بالأمطار والأنهار فيه العشروما يسقى بالمكائن فيه نصف العشر

- ‌ما اشتري من الحبوب قوتا لا تجب فيه الزكاة

- ‌العمدة في معرفة الأنصبة صاع النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌نصاب النقدين

- ‌ أملك خمسة وثمانين جراما من الذهب، ما هو مقدار الزكاة

- ‌ مقدار الذهب الذي يجب إخراج زكاته؟ وهل كل حلي المرأة ليس عليه زكاة

- ‌ ما هو نصاب زكاة الفضة بالريال السعودي في وقتنا الحاضر

- ‌إذا بلغ النقدان النصاب ففيهما ربع العشر

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌ قام المسلم من نومه وأدخل يديه في الماء قبل أن يغسلهما ثلاث مرات، فهل يصلح هذا الماء للوضوء

- ‌ لا ينبغي للمسلم أن يدخل الخلاء بشيء فيه ذكر الله

- ‌قد كتب عليه لفظ الجلالة وأنا ألبسه دائما في الليل والنهار، فهل حرام أن أدخل به دورة المياه

- ‌ هل يلزم المرأة مسح جميع رأسها عند الوضوء

- ‌ هل لمس عورة الطفل ينقض الوضوء

- ‌ مصافحة النساء

- ‌ الوضوء في الحمام

- ‌ التسمية عند الوضوء

- ‌ دائما في حالة شك وإذا توضأت أشك هل أنا بقيت على وضوئي أو لا

- ‌ هل يجوز للمرء أن يقرأ القرآن من المصحف بدون وضوء

- ‌ هل التيمم لصلاة النافلة يمكن أن يصلي به الإنسان الفريضة

- ‌ هل غسل الرأس يدخل في الغسل من الجنابة أو الغسل للجسم فقط

- ‌ قراءة القرآن الكريم إذا كانت المرأة في عذرها

- ‌ إذا طهرت المرأة في وقت الظهر، هل تصلي الفجر والظهر جميعا

- ‌ ينزل علي بعد الطهر شيء يسير وقد لا ينزل، فهل يصح غسلي

- ‌من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ الصلاة بدون طهارة

- ‌ صلى الفرد وهو غير متوضئ وتذكر في نفس الصلاة سواء كان إماما أو مأموما

- ‌ الموجب للاستنجاء خروج شيء من القبل أو الدبر

- ‌ لاحظت وجود مني في إزاري، فاغتسلت وصليت المغرب ولكني لا أعلم متى حصل الاحتلام:

- ‌ أثناء الصلاة أصبح يخرج مني نزيف دم من مكان خلع الضروس وهو دم كثير

- ‌ نزل مني نزيف وأنا في الصلاة في الصف الأول

- ‌ تجوز الصلاة بعد الطهارة فروضا ونوافل ولو لم ينوها عند الوضوء

- ‌ بال ولم يستنج ثم توضأ وصلى فهل صلاته صحيحة

- ‌ رأى المسلم في ثوبه أو بدنه نجاسة بعد ما فرغ من الصلاة

- ‌ صلى الإنسان في أرض طاهرة وشك في طهارة ما أمامه بقدر شبر

- ‌ هل يصلي الرجل في الثوب الذي جامع زوجته فيه

- ‌ من صلى وعليه ثوب نجس ولم يتذكر إلا وهو في الصلاة

- ‌ رجل صلى وفي آخر الصلاة جاء طفل وبال على مكان سجوده وهو في صلاة الجماعة قبل آخر سجدة

- ‌ يواظب على الصلاة المكتوبة في الحمام

- ‌ دخول المساجد بالأحذية والصلاة فيها

- ‌أقسام الناس في الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأول: معنى القضاء والقدر والفرق بينهما

- ‌المطلب الأول: تعريف القضاء

- ‌المطلب الثاني: تعريف القدر

- ‌المطلب الثالث: الفرق بين القضاء والقدر

- ‌المبحث الثاني: الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌المطلب الأول: الأدلة من الكتاب:

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة

- ‌المطلب الثالث: أقوال بعض الصحابة والتابعين

- ‌المبحث الثالث: أقسام الناس في الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌المطلب الأول: الجبرية

- ‌ عقيدتهم في القدر:

- ‌المطلب الثاني: القدرية

- ‌ التعريف بهم:

- ‌ عقيدتهم في القدر:

- ‌ شبهاتهم والردود عليها:

- ‌الشبهة الأولى:

- ‌الشبهة الثانية:

- ‌الشبهة الثالثة:

- ‌الشبهة الرابعة:

- ‌المطلب الثالث: قول أهل السنة والجماعة

- ‌الخاتمة:

- ‌الولاء والبراءوأحكام التعامل مع الكفار والمبتدعة والفساق

- ‌المبحث الأول: تعريف الولاء والبراء وبيان حكمهما

- ‌المبحث الثاني: مظاهر الولاء المشروع والولاء المحرم

- ‌المطلب الأول: مظاهر الولاء المشروع

- ‌المطلب الثاني: مظاهر الولاء المحرم

- ‌القسم الأول: الموالاة الكفرية

- ‌القسم الثاني: المولاة المحرمة غير الكفرية:

- ‌المبحث الثالث: ما يجوز أو يجب التعامل به مع الكفار مما لا يدخل في الولاء المحرم

- ‌القسم الثاني: الذميون:

- ‌القسم الثالث: المستأمنون

- ‌القسم الرابع: الحربيون:

- ‌حكم مصليات الأعيادوهل تأخذ حكم المساجد

- ‌المبحث الأول: تعريف المساجد وبيان بعض أحكامها

- ‌المبحث الثاني: مصليات الأعياد وأحكام المساجد

- ‌المبحث الثالث: استبدال الوقف إذا تعطلت منافعه

- ‌المبحث الرابع: استبدال أو بيع مصليات الأعياد عند الاستغناء عن الصلاة فيها

- ‌أهم النتائج:

- ‌المماطلةمظاهرها وأضرارها وأنواعها وأسبابها في الفقه الإسلامي

- ‌المقدمة:

- ‌المطلب الأول: تعريف المماطلة في اللغة والاصطلاح:

- ‌المطلب الثاني: تعريف الحقوق في اللغة والاصطلاح:

- ‌المطلب الثالث: أسباب شيوع ظاهرة الاستدانة:

- ‌المبحث الأول، وجوب إبراء الذمم من الحقوق

- ‌المطلب الأول: أهمية إبراء الذمم من الحقوق

- ‌المطلب الثاني: أنوع الحقوق:

- ‌القسم الثاني: حق خالص للعباد:

- ‌القسم الثالث: ما اجتمع فيه الحقان، وكان حق الله هو الغالب

- ‌القسم الرابع: ما اجتمع فيه الحقان، وحق العباد فيه غالب:

- ‌ثانيا: تقسيم الحق باعتبار متعلق الحق

- ‌أولا: الحق المالي:

- ‌ثانيا: الحق غير المالي:

- ‌المطلب الثالث: أهمية توثيق الحقوق ووسائلها:

- ‌المطلب الأول: مظاهر المماطلة والتسويف:

- ‌المطلب الثاني: أنواع الضرر المترتب على المماطلة:

- ‌المبحث الثالث: أنواع المطل

- ‌المطلب الأول: مطل المدين المعسر:

- ‌المطلب الثاني: مطل المدين الغني المعذور:

- ‌المطلب الثالث: مطل المدين الموسر بلا عذر:

- ‌المبحث الرابع، أسباب المطل

- ‌المطلب الأول: أسباب تعود إلى من عليه الحق:

- ‌المطلب الثاني: أسباب تعود إلى صاحب الحق:

- ‌المطلب الثالث: أسباب تعود إلى العلاقة بينهما:

- ‌المطلب الرابع: أسباب تعود إلى غير ما سبق:

- ‌الخاتمة

- ‌العقلتعريفه، منزلته، مجالاته، ومداركه

- ‌المسألة الأولى: تعريف العقل لغة واصطلاحا:

- ‌أولا: العقل في اللغة:

- ‌ثانيا: تعريف العقل اصطلاحا:

- ‌المسألة الثانية: منزلة العقل في الإسلام:

الفصل: ‌المطلب الثالث: أهمية توثيق الحقوق ووسائلها:

ب - حق غير مالي، لا يتعلق بالأموال، ولكن يجوز الاستعاضة عنه بمال، مثل القصاص؛ لأنه حق غير مالي، ولا يتعلق بالأموال؛ لأنه عقوبة القتل العمد، وهذا ليس مالا، ولكن يجوز الاستعاضة عن القصاص بمال، وذلك عند الصلح على مال (1).

ج - حق غير مالي، ولا يتعلق بالأموال، ولا يجوز الاستعاضة عنه بمال، ولكن قد يترتب عليه حقوق مالية مثل الأبوة والأمومة والبنوة، وحق الولي في التعرف على الصغير.

(1) انظر: المغني (7/ 458).

ص: 281

‌المطلب الثالث: أهمية توثيق الحقوق ووسائلها:

التوثيق له عدة معان لا تكاد تخرج عن معنيين:

الأول: الإحكام، والتقوية: يقال: وثق الشيء إذا أحكم ويقال: وثق الأمر توثيقا: أحكمه وقواه، فهو وثيق أي ثابت محكم (1).

الثاني: الشد والربط والإلزام: فالتوثيق مصدر وثق الشيء إذا شده وربطه لأنها تربط المتعاقدين، أو من ألزم نفسه ما يلزمه ومنه سمي الحبل والقيد وثاقا (2).

وأما في الاصطلاح الفقهي: فقد ذكر الإمام الكيا الهراسي في كتابه

(1) انظر: القاموس المحيط ص 1197، لسان العرب (10/ 371) معجم مقاييس اللغة (6/ 85).

(2)

المراجع السابقة.

ص: 281

" أحكام القرآن " أن معنى الوثيقة في الديون " ما يزداد بها الدين وكادة "(1).

أما التوثيق فهو أعم وهو علم فيه عن كيفية إثبات العقود والتصرفات وغيرها على وجه يصح الاحتجاج والتمسك به، واستيفاء الحق منه (2). التعريف عام يشمل استعمالات الفقهاء لمصطلح توثيق الدين الذي لا يخرج عن أمرين:

الأول: تقوية وتأكيد حق الدائن فيما يكون له في ذمة المدين من مال، بشيء يعتمد عليه، كالكتابة أو الشهادة - لمنع المدين من الإنكار وتذكيره عند النسيان، أو لدفع دعاواه بأن الدين أقل من المطلوب أو دعوى الدائن بأن الدين أكثر منه، أو لدفع دعوى عدم حلول الأجل إن كان تم أجل، ونحو ذلك، بحيث إذا حصل نزاع أو خلاف بين المتعاملين فيعتبر هذا الكتاب أو الشهادة وثيقة ووسيلة يحتج بها لإثبات الدين المتنازع فيه أمام القضاء (3).

الثاني: تأمين حق الدائن، والتمكين من استيفائه عند امتناع المدين عن الوفاء - لأي سبب من الأسباب، مثل الرهن أو الكفيل ونحو ذلك من عقود التوثيقات. (4)

(1) أحكام القرآن للكيا المراسي (1/ 421).

(2)

انظر: وسائل الإثبات في الشريعة الإسلامية (1/ 27).

(3)

انظر: دراسات في أصول المداينات ص 76، الديون وتوثيقها في الفقه الإسلامي ص 126.

(4)

انظر: دراسات في أصول المداينات ص 77، وسائل الإثبات في الفقه الإسلامي (1/ 27).

ص: 282

ومن هنا نلاحظ أن ثمة توافقا بين مفهوم " إثبات الدين " وبين مفهوم " توثيق الدين "؛ لأن الإثبات والتوثيق كلاهما يهدفان إلى غاية واحدة وهي حماية الحقوق ومنع التلاعب بها، والقضاء بها لأصحابها وقطع دابر المنازعة والخصومة بين الناس، مع أن التوثيق يعتبر مقدما للإثبات حيث إنه يوجد عند إنشاء التصرف المقتضي ثبوت الدين في الذمة، فهو يسبق الإثبات، وكذلك فإن توثيق الدين بالطرق التي تقويه، وتؤكده يمثل بعض وسائل الإثبات، كالكتابة والشهادة، لا كلها، حيث إن وسائل الإثبات وطرق الإثبات كثيرة تعتبر حججا معتبرة تحكم بموجبها في القضاء، وإن كانت ليست توثقه (1).

وللتوثيق أهمية كبيرة في تنظيم سير المعاملات، وجعلها على أساس مكين، وركن ركين من الاطمئنان والراحة حين التعامل بين الأطراف وتظهر أهميته في أمور أهمها:

أولا: إن التوثيق يعد ذا أهمية بالغة لكشف نوايا المتعاقدين لأنه لا يقوم - غالبا - من أراد التلاعب، وجحد حقوق الآخرين، لتوثيق الحق الذي عليه، فإثبات التصرفات والعقود والوثائق والحقوق، والتصديق على التصرفات النظامية الواردة فيها، والحكم بصحتها ولزومها، يكفل تحقيق الطمأنينة التامة على الحقوق، واستقرار المعاملات، وإغلاق أبواب

(1) انظر: المراجع السابقة.

ص: 283

الحيل والتحايل، والشر والمنازعات.

ثانيا: إن في التوثيق صيانة للأموال من أن تكون عرضة للضياع بإنكارها، وعدم التمكن من إثباتها.

فوجود الوثائق الكتابية مثلا وتصديقها أوكد وأضمن في صيانة الأموال ولا يغني الشهود عن الوثيقة الكتابية؛ لأنه وإن كان الشهود يثبتون الحقوق، ويلزمون بالحكم بهم، إلا أنهم عرضة لأن يموتوا، أو يوجد لديهم ما يمنعهم من الحضور أمام القضاء لأداء الشهادة وقد يرد القاضي شهادتهم لقصور فيها أو لطروء الفسق عليهم، وقد ينسون أو يخافون من عقاب، أو يرغبون في مال، وغير ذلك من الصوارف التي تصرف الشهود على الإدلاء بشهادتهم.

ثالثا: إن في التوثيق قطع المنازعة بين المتعاملين ذلك أن الزمن كفيل بنسيان أحد الأطراف مقدار الأصل أو مقدار الثمن، أو غير ذلك من الشروط، فيكون إنكاره على بعض الحق لا جحودا، ولكن نسيانا، فيكون ذلك موجبا للنزاع ووجود التوثيق يمنع كل ذلك غالبا؛ لأنهما يرجعان إليه، فيعرفان الحق من الباطل قال ابن العربي في حكمة مشروعية كتابة الدين قال: ليستذكر به عند أجله، لما يتوقع من المدة التي بين المعاملة وبين حلول الأجل فالنسيان موكل بالإنسان والشيطان ربما حمل على الإنكار والعوارض من موت وغيره تطرأ، فيشرع الكتاب الإشهاد.

رابعا: إن في التوثيق تحرزا من بطلان العقود وفسادها. فإذا كتبا بما

ص: 284

تعاقدا عليه، ووثق ذلك من قبل كاتب العدل مثلا أو عند عارف بأصول المعاملات وبالقواعد الشرعية؛ لأن الفقيه يعلم بما يلزم من الشروط في التوثيق، وأدرى بما يجب ذكره، وما يجب تركه، وقد لا يهتدي المتعاقدان إلى الأسباب المفسدة للعقود، فإذا لم يكتبا ذلك عند عارف بالشروط المفسدة للعقود والتصرفات فقد يكون ما تعاقدا عليه مشتملا على ما يفسده وهما لا يدريان فيبقى عقدهما قابلا للبطلان في المستقبل، خاصة إذا حصل بينهما اختلاف وترافعا إلى قاض للحكم بينهما.

خامسا: إن في التوثيق رفعا ودفعا للشك والارتياب بين المتعاملين.

فقد يشتبه على المتعاملين أو على ورثتهما إذا تطاول الزمان في مقدار الأجل أو الثمن أو في بعض الشروط، فقد يقعان في النزاع والمخاصمة من غير قصد لإبطال حق كل واحد منهما فإذا كان ثم توثيق للعقود، ورجعا إليه، فلا يبقى بعد ذلك شك ولا ارتياب.

سادسا: إن في التوثيق تأمينا لحق الدائن. فإذا توثق الدائن من حقه بكفيل أو ضمان أو رهن، ثم عجز المدين عن السداد أو ماطل أمكن استيفاء الدائن حقه من هذه الوثيقة.

إذا ثبت هذا فإن للتوثيق وسائل متعددة، وطرقا متفاوتة، فقد تكون بعقد - وهو ما يسمى عقود التوثيقات كالرهن والكفالة والضمان - وقد

ص: 285

يكون عقدا كالكتابة والإشهاد وحق الحبس والاحتباس، ومنه ما هو وثيقة بمال، كالرهن والمبيع في يد البائع، ومنه ما هو وثيقة بذمة كالكفالة (1).

وبيان ذلك فيما يلي:

أ - الكتابة: كتابة المعاملات التي تجري بين الناس، وسيلة قوية لتوثيقها وقد أمر الله سبحانه وتعالى بها في أطول آية في القرآن وهي آية المداينة بقوله تعالى:{إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} (2)، وقد وثق النبي صلى الله عليه وسلم بالكتابة في معاملاته، فباع وكتب ومن ذلك الوثيقة التالية: هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشترى منه عبدا أو أمة، لا داء ولا غائلة، ولا خبثة بيع المسلم المسلم.

وقد ذهب جماهير الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى صحة توثيق الدين بالكتابة، وأنها بينة معتبرة في الإثبات إذا كانت صحيحة النسبة إلى كاتبها.

قال ابن تيمية رحمه الله: والعمل بالخط مذهب قوي، بل

(1) انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (14/ 138).

(2)

سورة البقرة الآية 282

ص: 286

هو قول جمهور السلف " (1).

وقال ابن فرحون في تبصرة الحكام: " وإن قال لفلان عندي أو قبلي كذا وكذا بخط يده قضي عليه به؛ لأنه خرج مخرج الإقرار بالحقوق ".

وهذا القول بلا شك هو الراجح والأدلة كثيرة ومنها ما جاء في الصحيحين.

عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين، وله شيء يريد أن يوصي فيه، إلا ووصيته مكتوية عند رأسه (2)» .

وأما دعوى أن الخطوط تتشابه، وقد يعتريها التبديل والتزوير والمحاكاة وقد يكتب من غير قصد للبيع ولا مريد له، فهذا غير مسلم؛ لأن الاعتماد على الخط والكتابة إنما هو لمجرد معرفة خط كاتبه، ثم بعد ذلك يكون الخط كالعلم بنسبة قائله إليه.

يقول ابن القيم رحمه الله: فإن القصد حصول العلم بنسبة الخط إلى كاتبه، فإذا عرف ذلك وتيقن، كان كالعلم بنسبة اللفظ إليه، فإن الخط دال على اللفظ، واللفظ دال على القصد والإرادة، وغاية ما يقدر اشتباه الخطوط، وذلك كما يفرض من اشتباه الصور والأصوات وقد جعل الله سبحانه في خط كل كاتب ما يتميز به عن خط غيره كتميز صورته

(1) مختصر الفتاوى المصرية (ص601)

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (فتح الباري 5/ 355) ومسلم في صحيحه (5/ 70).

ص: 287

وصوته " (1).

وعليه فإذا كتب إقراره على الدين الذي عليه، أو قيد ذلك، بالقيود والسندات والوصولات الرسمية وغيرها، فإن ذلك يعتبر حججا معتمدة في توثيق الدين وإثباته.

جاء في مجلة العدلية مادة (1609): " إذا كتب أحد سندا أو استكتبه من كاتب، وأعطاه لآخر موقعا بإمضائه أو مختوما، فإذا كان مرسوما - أي حرر موافقا للرسم والعادة - فيكون إقرارا بالكتابة، ويكون معتبرا ومرعيا كتقريره الشفاهي، والوصولات المعتاد إعطاؤها هي من هذا القبيل "(2).

ب - الإشهاد: إشهاد الشهود على التصرفات والعقود وسيلة لتوثيقها، واحتياط للمتعاملين عند التجاحد، إذ هي إخبار لإثبات حق، أو دفع باطل ولقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الشهود بينة لوقوع البيان بقولهم، وارتفاع الإشكال بشهادتهم فقال صلى الله عليه وسلم:«البينة أو حد في ظهرك (3)» وقد اتفق الفقهاء على مشروعية الشهادة، وأنها مشروعة لتوثيق الدين والمعاملات (4)، وقد أوجبها الظاهرية (5)

(1) انظر: الطرق الحكمية لابن القيم (ص 207).

(2)

انظر: درر الحكام شرح مجلة الأحكام (4/ 139).

(3)

أخرجه البخاري من كتاب الشهادات باب إذا ادعى أو قذف فله أن يلتمس البينة وينطلق لطلب البينة، فتح الباري (5/ 283).

(4)

انظر: أحكام القرآن لأبي بكر الجصاص (1/ 482).

(5)

انظر: المحلى لابن حزم (8/ 80).

ص: 288

لظاهر الأمر في قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} (1) غير أن الذي عليه عامة أهل العلم هو استحباب الشهادة لا وجوبها قال ابن العربي رحمه الله: والظاهر الصحيح أن الإشهاد ليس واجبا، وإنما الأمر به أمر إرشاد للتوثق والمصلحة، وهو في النسيئة محتاج إليه لكون العلاقة بين المتعاقدين باقية، توثقا لما عسى أن يطرأ من اختلاف الأحوال وتغير القلوب " (2).

وقد جاء تقييد الشهادة بقوله: " {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (3)

" وهم أهل العدالة والفطنة، وسبب ذلك؛ لأن الشهادة ولاية عظيمة تقتضي تنفيذ القول على الغير بدون رضاه

ولهذا وجب أن يكون لصاحبها شمائل ينفرد بها وفضائل يتحلى بها، حتى يكون له على غيره مزية توجب له رتبة الاختصاص بقبول قوله على غيره، والحكم بشغل ذمة المطلوب بالدين بشهادته عليه (4). والبينات مرتبة بحسب الحقوق المشهود فيها، ويختلف عدد الشهود من حكم لآخر حسب الشهود فيه أيضا، كما هو موضح في كتب الفقه ولا يجوز للشاهد أن يشهد بشيء حتى

(1) سورة البقرة الآية 282

(2)

انظر أحكام القرآن لابن العربي (1/ 258).

(3)

سورة البقرة الآية 282

(4)

انظر أحكام القرآن لابن العربي (1/ 254).

ص: 289

يحصل له به العلم، إذ لا يجوز الشهادة إلا بما علم وقطع بمعرفته لا بما يشك فيه، ولا بما يغلب على الظن معرفته له مع إمكان حصول العلم فيه، وإلا فيجوز الشهادة على غلبة الظن في مسائل ذكرها العلماء وهو ما يسمى عندهم الشهادة بالاستفاضة.

ج - الرهن: يطلق الرهن ويراد به أحيانا العقد فيعرفونه بقولهم: حبس شيء مالي بحق يمكن استيفاؤه منه" (1).

ويطلق ويراد به أحيانا المرهون، ويعرفونه بقولهم: المال الذي يجعل وثيقة بالدين ليستوفى من ثمنه إن تعذر استيفاؤه ممن هو عليه (2).

وإذا رهن الدائن حقه، فإنه يصير أحق بالرهن من سائر الغرماء فإذا كان على الراهن ديون والتزامات مالية لا تفي بها أمواله ثم بيع الرهن لسداد ما على الراهن من ديون، كان للمرتهن الحق أولا أن يستوفي دينه من ثمنه، فإذا بقي شيء فهو لسائر الغرماء (3).

والرهن ثابت مشروعيته في الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة ففي الكتاب قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} (4).

وأما السنة فقد ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله

(1) المصباح المنير (1/ 287).

(2)

شرح منتهى الإرادات (2/ 288).

(3)

انظر: أحكام القرآن للجصاص (1/ 523).

(4)

سورة البقرة الآية 283

ص: 290

عنها أنها قالت: «اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهودي طعاما إلى أجل ورهنه درعه (1)» .

وأما الإجماع فقد أجمع سائر أهل العلم على جواز توثيق الدين بالرهن (2).

وقد اختلف العلماء في شروط الدين الذي يصح الارتهان به على أقوال أربعة ليس هذا موطن بحثها فلتراجع في مظانها (3).

د - الكفالة (الضمان): كفالة الدين هي ضم ذمة الكفيل إلى ذمة المكفول في الالتزام بالدين فيثبت في ذمتهما جميعا، ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما (4). وكون الدائن يحق له مطالبة الكفيل بدينه مع التزام الكفيل بذلك خاصة عند تعذر استيفائه من الأصيل، فهذا يعتبر توثقة في الدين الذي له على الغير.

وقد جاءت مشروعية الكفالة في الكتاب والسنة والإجماع.

أما الكتاب فقوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} (5).

وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم: «الزعيم غارم (6)» .

(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم 2509 و 2513، ومسلم في صحيحه 3/ 1226.

(2)

انظر: المغني (6/ 444).

(3)

انظر: دراسات في أصول المداينات د / نزيه حماد ص 109.

(4)

شرح منتهى الإرادات (2/ 245).

(5)

سورة يوسف الآية 72

(6)

أخرجه الإمام أحمد في مسنده (36/ 628) وعبد الرزاق في المصنف رقم (7277) بإسناده حسن.

ص: 291

وأما الإجماع: فقد أجمع المسلمون على جواز الكفالة في الجملة وإن اختلفوا في بعض فروعها (1).

هـ - حق الحبس والاحتباس، ومعناه: حق المالك بإبقاء العين المنقولة عن ملكه، لحين استيفاء حقه إذا كان الدين يتعلق به.

إذ إن المقصود الأعظم من التوثيق، هو صيانة الحقوق والاحتياط لها؛ لذلك كان من حق الدائن أن يتوثق لحقه بحبس ما تحت يده لاستيفاء حقه ولذلك صور فمنها:

1 -

حق احتباس المبيع إلى قبض الثمن.

يقول ابن عابدين رحمه الله: للبائع حبس المبيع إلى قبض الثمن، ولو بقي منه درهم، ولو كان المبيع شيئين بصفقة واحدة وسمى لكل ثمنا فله حبسهما إلى استيفاء الكل، ولا يسقط حق الحبس بالرهن، ولا بالكفيل، ولا بإبرائه عن بعض الثمن حتى تستوفي الباقي ".

2 -

حق المؤجر في حبس المنافع إلى أن يتسلم الأجرة المعجلة.

7 -

حق المستصنع في حبس العين المصنوعة بعد الفراغ من العمل حتى يستوفي حقه، إذا كان لعمله أثر.

(1) انظر: المغني (7/ 72).

ص: 292