المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الافتتاحية لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٨٨

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الافتتاحية

- ‌الفتاوى

- ‌ التختم بالفضة):

- ‌ دبلة الخطوبة: من ذهب، أو فضة ـ للرجل والمرأة)

- ‌ تحلي الرجال بالجواهر):

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌الديون التي لم يحصل عليها صاحبهالا تمنع من دفع الزكاة إليه

- ‌حكم دفع الزكاة إلى الفقيرالمسلم إذا كان لديه بعض المعاصي

- ‌حكم دفع الزكاة للعاجز عن الزواج

- ‌حكم تسديد ديون المعسرين من الزكاة

- ‌حكم إسقاط الدين عمنلم يستطع الوفاء واحتسابه من الزكاة

- ‌حكم دفع الزكاة لمنكوبي المجاعة في الصومال

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ

- ‌من فتاوىاللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌قبض اليدين وإرسالهما في الصلاةإرسال اليدين في الصلاة

- ‌ صلاة المرسل يده في الصلاة

- ‌ وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة

- ‌البحوث

- ‌المقدمة

- ‌تمهيد في بيان المراد بعلماء الدعوة

- ‌الفصل الأول: التعريف بالمرجئة، ونشأتها، وفرقها

- ‌المبحث الأول: التعريف بالمرجئة

- ‌المبحث الثاني: نشأة الإرجاء

- ‌المبحث الثالث: فرق المرجئة

- ‌الفصل الثاني: آراء المرجئة في مسائل الإيمان

- ‌المبحث الأول: مسمى الإيمان عند المرجئة

- ‌أولا: مرجئة الفقهاء

- ‌ثانيا: جهمية المرجئة

- ‌ثالثا: الكرامية

- ‌المبحث الثاني: زيادة الإيمان ونقصانه عند المرجئة

- ‌المبحث الثالث: حكم الاستثناء في الإيمان عند المرجئة

- ‌المذهب الثاني: أنه يجب الاستثناء في الإيمان

- ‌المبحث الرابع: مرتكب الكبيرة عند المرجئة

- ‌الفصل الثالث: نقض حجج المرجئة

- ‌الحجة الأولى: نصوص الوعد

- ‌الحجة الثانية من حجج المرجئة: أن الإيمان إذا ذهب بعضه ذهب كله

- ‌الحجة الثالثة: اللغة

- ‌الحجة الرابعة: المجاز

- ‌الفصل الرابع: حكم المرجئة عند علماء الدعوة

- ‌الخاتمة

- ‌ركائز منهج السلف في الدعوة إلى الله

- ‌المقدمة

- ‌المبحث الأول: تعريفات ومفاهيم

- ‌المبحث الثاني: ركائز المنهج

- ‌المطلب الأول: العلم

- ‌أدلة فضل العلم:

- ‌درجات العلوم:

- ‌العلم الدعوي:

- ‌المطلب الثاني: الاستقامة:

- ‌استقامة الداعي:

- ‌المطلب الثالث: الحكمة:

- ‌أنواع الحكمة وأسباب تحصيلها:

- ‌الحكمة الدعوية:

- ‌المطلب الرابع: سلامة الأساليب والوسائل الدعوية

- ‌أنواع الأساليب الدعوية

- ‌الوسائل الدعوية

- ‌المطلب الخامس: الصبر:

- ‌فضل الصبر

- ‌أقسام الصبر

- ‌صبر الدعوة:

- ‌الخاتمة

- ‌أثر الفتوى في تأكيد وسطية الأمة

- ‌المقدمة:

- ‌التمهيد:

- ‌ الوسطية في اللغة

- ‌المراد بوسطية الأمة في الاصطلاح الشرعي:

- ‌المبحث الأول:أثر الفتوى في إقامة الدين بين المسلمين:

- ‌المبحث الثاني:أثر الفتوى في التصدي للغلو:

- ‌الغلو في اللغة:

- ‌والمراد بالغلو شرعا:

- ‌المبحث الثالث:أثر الفتوى في التصدي للجفاء:

- ‌الجفاء في اللغة:

- ‌وتظهر ملامح الجفاء فيما يلي:

- ‌ الاعتقاد:

- ‌ الإعراض والتساهل في الأمور العملية مأمورا بها أو منهيا عنها:

- ‌المبحث الرابع:الوسطية في الفتوى:

- ‌المبحث الخامس:أثر الفتوى في انتظام أحوال المستفتي على الشرع:

- ‌المبحث السادس:أثر الفتوى في محافظة المجتمع المسلم على هويته الإسلامية:

- ‌المبحث السابع:أثر الفتوى في رسوخ الأمن في المجتمع الإسلامي:

- ‌الخاتمة:

- ‌مراعاة جلب المصالح ودفع المفاسد في السنة

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌أولا: ترجمة موجزة للحافظ ابن حجر:

- ‌ثانيا: تعريف موجز بكتاب «فتح الباري»:

- ‌المبحث الأولتحصيل أعظم المصلحتين بترك أدناهما

- ‌المبحث الثانيتقديم المصلحة الراجحة على المفسدة الخفيفة

- ‌المبحث الثالثتقديم دفع المفسدة على جلب المصلحة

- ‌المبحث الرابعاحتمال أخف المفسدتين لدفع أعظمهما

- ‌خاتمة

- ‌المنهج العلمي والخلقي عند سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌المقدمة

- ‌أسباب اختيار الموضوع:

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌هدف البحث:

- ‌خطة البحث:

- ‌منهج البحث:

- ‌نبذة موجزة عن حياة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌المبحث الأول: المنهج العلمي في الاستمداد والاستدلال

- ‌التعريف:

- ‌أولا: الاستمداد من الكتاب والسنة

- ‌ثانيا: اعتماد النصوص الصحيحة في الاستدلال

- ‌ثالثا: اتباع سلف الأمة في فهم النصوص

- ‌رابعا: الأخذ بالقواعد والأصول في الاستنباط

- ‌المبحث الثاني: المنهج الخلقي في التبليغ والبيان

- ‌التعريف:

- ‌أولا: الصدق والإخلاص

- ‌ثانيا: النصح

- ‌ثالثا: الوضوح

- ‌رابعا: القوة في الحق مع الرفق واللين

- ‌خامسا: التواضع

- ‌سادسا: القدوة

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌ ‌الافتتاحية لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل

‌الافتتاحية

لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

البيوع المنهي عنها

إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى حق التقوى.

عباد الله، من حكمة الرب جل وعلا أن جعل الناس يحتاج بعضهم إلى بعض في تبادل مصالحهم الدنيوية، فليس الإنسان وحده قادرا أن يستوفي كل حاجياته بمفرده دون مساعدة من الآخرين، بل لا بد أن يكون عنده ما يحتاج غيره إليه، وعند غيره ما يكون هو محتاجا إليه.

ولهذا أحل الله البيع والتجارة، قال تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (1) وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (2)؛ لأن في حل البيع والتجارة تبادل المنافع بين العباد، والله حكيم عليم.

(1) سورة البقرة الآية 275

(2)

سورة النساء الآية 29

ص: 7

وسئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الكسب أفضل؟ قال: «عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور (1)» فجعل النبي صلى الله عليه وسلم البيع المبرور من أفضل المكاسب، ومعنى البيع المبرور أن يكون هذا البيع بيعا نافعا، وفي سلعة نافعة، لا تشتمل على حرام، ولا على غش ولا على ظلم، ولا على ضرر، ولا تسبب عداوة وبغضاء بين الناس.

فالتجارة والبيع من طرق الكسب الحلال التي أباحها الإسلام، وقد بين الله في كتابه ونبينا صلى الله عليه وسلم في سنته أحكام البيع والشراء وأحكام الاتجار في الأموال، وأنواع الكسب الحلال، كما بين أنواع الكسب الحرام، وكذلك البيوع المحرمة التي كسبها كسب حرام.

الترغيب في الكسب الحلال:

وقد رغب نبينا صلى الله عليه وسلم في اكتساب الحلال، وحذر من اكتساب الحرام، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال:، وقال:، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام ومشربه

(1) رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورواته ثقات، وصححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب ح (1690).

(2)

رواه مسلم في صحيحه ح (1015).

(3)

سورة المؤمنون الآية 51 (2){يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}

ص: 8

حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك (1)»

إن المؤمن الصادق يسير في أحواله كلها على وفق ما دل عليه كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فمن هذا المنطلق يكون تحركه في جميع أموره، وفي جميع معاملاته، ينظم حياته وفق تعاليم دينه، ودينه مصدر توجيه له نحو الخير والهدى.

ومن ذلك حبه للدنيا لا يحمله على جمع المال بالطرق المحرمة وأكل الحرام؛ لأنه على يقين أن الكسب الطيب وإن قل فهو بركة في الحاضر والمستقبل، وأن المكاسب الخبيثة وإن كثرت فمآلها إلى المحق والعقوبة في الدنيا والآخرة، قال تعالى:{قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} (2) ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال:، وقال:، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك (5)»

إذا فأكل الحرام بالتجارة المحرمة لا خير فيه وإن كثر، ولذا جاء في

ص: 9

(1) رواه البيهقي في شعب الإيمان ح (4848)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ح (1458).

ص: 10

صور البيوع المنهي عنها:

ومن هنا جاء الإسلام ببيان البيوع المحرمة لكي يكون المسلم على بينة من أمرها، فيتجنبها، ويتجنب أكل مكاسبها الخبيثة.

فجاء تحريم بيع الميتة والخمر والخنزير والأصنام، فعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوم فتح مكة فقال:«إن الله حرم عليكم بيع الميتة والخمر والخنزير والأصنام (1)»

1 -

أما الخمر فإنه أم الخبائث الذي دل الكتاب والسنة على تحريمه، وأجمع المسلمون إجماعا قطعيا لا خلاف فيه أن الخمر حرام، يحرم تعاطيه وشربه وبيعه، فلا يليق بمسلم أن يقدم على بيعها بأي وسيلة كانت قريبة أم بعيدة، ولهذا جاء في الحديث:«لعن الله في الخمر عشرة: لعن الخمرة وشاربها وساقيها وعاصرها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومشتريها والمشتراة إليه والمشتراة له وآكل ثمنها (2)» فجعل كل أولئك ملعونين لأنهم أعوان على الباطل بأي وسيلة كانت.

إذا فلا يرضى مسلم أن يكون جزء من تجارته خمرا، ولا يرضى مسلم أن يعين على ذلك، ولا يرضى أن يؤجر أماكن ليباع فيها الخمر،

(1) رواه البخاري في صحيحه ح (2121)، ومسلم في صحيحه ح (1581).

(2)

رواه الترمذي في سننه ح (1295)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.

ص: 10

ولا يرضى أن يكون سمسارا ووسيطا في بيع الخمر، ولا يرضى أن يحمله لغيره، إن المؤمن الحقيقي يمنعه إيمانه الصادق عن هذه الخبيثة بأي وسيلة كانت، فلا يرضى بها لا من قريب ولا من بعيد، ولو علم أن أي مكان يستأجر منه أو أي فندق يستأجر منه أنه يباع فيه الخمر لامتنع عن ذلك مهما كانت المغريات.

والمسلم الذي علم تحريم الخمر وتحريم بيعه سيعلم حقا أن المخدرات بكل أنواعها أشد تحريما؛ لكونها أشد ضررا من الخمر، فبيعها والاتجار بها أمر محرم شرعا، يمتنع عنه المسلم الذي يؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا رسولا.

ثم هو أيضا يمتنع عن بيع أنواع التبغ؛ لأنه يعلم أنه ضرر محض لا خير فيه، وشر وبلاء لا خير فيه، فالاتجار به حرام، والمال الناتج منه حرام بأي وسيلة كانت، فلا يؤجر محلا لمن يبيع ذلك، ولا يتعامل معه ولا يتخذه شريكا له، ويحتاط على مكاسبه من أن تدنسها تلك القاذورات الخبيثة.

2 -

وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر بيع الميتة التي حرمها الله في كتابه: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} (1)، فيحرم بيعها لأنها نجسة، والله تعالى يقول:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} (2).

3 -

وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيع الخنزير، ذلك الحيوان القذر الذي هو قذر ونجس ومؤذ ومسبب لآفات صحية وأخلاقية، حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) سورة المائدة الآية 3

(2)

سورة الأنعام الآية 121

ص: 11

علينا بيعه؛ لأن الله حرمه في كتابه: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} (1).

4 -

كما حرم بيع الأصنام التي تعبد من دون الله على هيأتها، كذلك بيع الصلبان وما يجري مجراه، كل ذلك حرمه علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجمع المسلمون على تحريمها.

5 -

ومما جاء تحريمه في السنة بيع الأحرار، كما جاء في الحديث القدسي، يقول الله جل وعلا:«ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجراء فأوفى منهم ولم يعطهم حقهم (2)» فهؤلاء الثلاثة الله خصمهم يوم القيامة، ثانيهم رجل باع حرا فأكل ثمنه؛ ذلك أن الأصل في آدم وذريته الحرية، فإن الله خلق آدم وذريته أحرارا، وإنما الرق في الشريعة إنما جاء عقابا في حق من دعي إلى الخير فأبى، وقاوم دعوة الحق فاسترق عقوبة له على جرمه، وإلا فالأصل حرية البشر، وسلب حريات البشر أمر مخالف للشرع.

لقد كان الرق في الإسلام عقوبة، ومع ذلك جعل طرقا كثيرة لإزالته، فجعل عتق الرقبة في كفارة قتل الخطأ، وكفارة الظهار، وكفارة الجماع في رمضان، وكفارة اليمين، ورغب في العتق ورتب عليه الثواب الجزيل.

ولما استرق المسلمون الأرقاء في صدر الإسلام الأول استرقوهم

(1) سورة المائدة الآية 3

(2)

رواه البخاري في صحيحه ح (2114).

ص: 12

بالطريق الشرعي، ولكنهم عاملوهم معاملة طيبة، فعلموهم وثقفوهم وفقهوهم وربوهم تربية صالحة، حتى كان منهم أئمة الهدى وحملة الشريعة وخطباء المنابر والقضاة وحملة السنة والكتاب، فصاروا أعلام هدى على أيدي الرعيل الأول.

ولقد كان المستشرقون يلمزون الإسلام بالرق ويتهمونه بكبت الحرية، وهذا اتهام باطل وظالم، بل العالم المتحضر اليوم يرتكب الرق بأبشع أنواعه، ففي الحروب التي تقام في هذه العصور ويؤخذ فيها الأطفال ذكورا وإناثا، وتقام أسواق لأجلهم، لا لمصلحة ذات الأطفال، ولكن لأمور إجرامية أخرى، إما لنزع أعضائهم، أو تهيئتهم للإجرام والإفساد نعوذ بالله من ذلك، فالرق الجديد رق يشتمل على الظلم والعدوان استحلوا به الأرقاء، استحلوا به استرقاق أولئك الصغار، وفي البلاد التي يغلب فيها الجهل والفقر يحاول أولئك استغلال نهب أولئك الأطفال وبيعهم والتحكم في مصيرهم، وهذا من أبشع الظلم والعدوان.

6 -

ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب وأخبر أن ثمنه خبيث فقال صلى الله عليه وسلم: «إن ثمن الكلب خبيث (1)» وقال: «إذا جاء يطلب ثمنه فاملأ كفيه ترابا (2)» فالكلب لأجل خبثه حرم صلى الله عليه وسلم بيعه، فهو لا مالية له في الإسلام، كما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيع أي حيوان لا منفعة فيه، «سئل

(1) رواه مسلم في صحيحه ح (1568).

(2)

رواه مع الجزء الأول من الحديث أحمد في مسنده 1/ 278.

ص: 13

جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن بيع الكلب والسنور، فقال: زجر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)».

7 -

وحرم الإسلام علينا الاتجار بالبغاء، وجعله كسبا خبيثا، ولذا قال الله تعالى:{وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (2)، كان بعض العرب يجعل إماءه أجيرات للبغاء؛ ليكتسبوا من وراء بغائهن المال، فحرم الله ذلك ونهى عنه لأنه مكسب خبيث ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:«ثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث (3)» فنهى عن ثمن الكلب ونهى عن كسب البغاء، كل ذلك حماية لمال المسلم من أن تكون مصادره مصادر سوء ومصادر دناءة وخسة، فليرتفع المسلم إلى أن تكون مصادر ماله مصادر طيبة حلالا نظيفة، بعيدا عن هذه الشبهات والنقائص.

ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيوع المشتملة على الغرر والظلم والعدوان، وما يسبب نزاعات بين الناس.

8 -

فنهى صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر، قال أبو هريرة رضي الله عنه:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر (4)» والغرر هو الخداع، بأن يكون أحد الطرفين لا يدري عن حقيقة السلعة، فلا يعلم ذاتها ولا يعلم أوصافها

(1) رواه مسلم في صحيحه ح (1569).

(2)

سورة النور الآية 33

(3)

رواه مسلم في صحيحه ح (1568).

(4)

رواه مسلم في صحيحه ح (1513).

ص: 14

ولا يراها، وإنما يشتري مجهولا يعلم حالته، فربما ندم على فعله إذا اطلع عليه، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأراد من المسلم أن يكون صادقا في تعامله، صادقا في تجارته، حتى يكون مؤمنا حقا، فإن الإيمان ليس مجرد أداء للفرائض لكنه مع أداء للفرائض لا بد من صدق في المعاملات، الدين المعاملة، فالمؤمن الحقيقي صاحب الإيمان الصادق لا تراه غاشا ولا مخادعا، ولا خائنا ولا كذابا، لا يحدثك فيكذبك، ولا تأتمنه فيخونك، ولا تثق به فيغشك، بل هو مترفع عن كل هذه الدنايا.

ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أنواع من البيوع كان أهل الجاهلية يتبايعون بها.

9 -

وكانوا في جاهليتهم ربما قالوا مجرد ما يلمس الإنسان السلعة فهي له بكذا، فجاء النهي عن ذلك، كما في الحديث:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الملامسة والمنابذة (1)» فليس مجرد اللمس أو النبذ إليه قد يستحق البيع بل لا بد من اطلاع المشتري على عين ما اشترى، أهو حقيقة أم لا، حتى تكون المكاسب طيبة، وتكون القلوب مطمئنة، وتنقطع أسباب القطيعة والعداوة والبغضاء بين الناس.

(1) رواه البخاري في صحيحه ح (2039)، ومسلم في صحيحه ح (3874).

ص: 15

10 -

وكانوا في جاهليتهم يبيعون الثمار قبل أن يبدو صلاحها، فكان ذلك يؤدي إلى النزاع والخلاف، فنهى صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع ونهى المشتري، وقال: «أرأيت إذا منع الله

ص: 15

الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه (1)»

11 -

ونهى صلى الله عليه وسلم عن بيع أنواع مما يجري فيه الربا، فقال صلى الله عليه وسلم:«الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء (2)»

12 -

ونهى صلى الله عليه وسلم عن بيع النجش فقال: «لا تناجشوا (3)» قال العلماء: النجش الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم هو أن يزيد الإنسان في سلعة تباع لا يريد شراءها، ولكن يزيد إما لينفع البائع أو يضر المشتري، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال:«دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض (4)» وقال: «إذا استنصحك أخوك فانصح له (5)» فلا يجوز أن ترفع ثمن سلعة أنت لا تريد شراءها، أو ترفعها لأجل أن يربح البائع ويضر المشتري، أو كونك شريكا من طريق خفي، تظهر أنك أحد من يسومها بينما أنت تريد أن تغرر بذلك الذي يشتري، كل هذا مما حرمه الشرع علينا.

13 -

وحرم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع بعضنا على بيع بعض، أو أن يشتري أحدنا على شراء الآخر، فقال صلى الله عليه وسلم: «ولا يبع بعضكم على

(1) رواه البخاري في صحيحه ح (2086).

(2)

رواه مسلم في صحيحه ح (1584).

(3)

رواه البخاري في صحيحه ح (2033)، ومسلم في صحيحه ح (1413).

(4)

رواه مسلم في صحيحه ح (1255).

(5)

رواه مسلم في صحيحه ح (2162) دون لفظ (أخوك).

ص: 16

بيع بعض (1)» فإذا رأيت أخاك قد سام سلعة وتوجه الآخر إليك فإياك أن ترفع السلعة لتبيع على بيعه، وإياك أن تضع من الثمن لتفسد عليه، دع أخاك وشأنه ولا تبع على بيعه، دعه إذا باع أن يربح ما يسر الله له، أما إن تتدخل في بيعه فتقول للمشتري: أنا أبيعك بأقل من هذا، فهذا لا يجوز، أو تقول للبائع: أنا أشتري منك بأكثر من ذلك، فلا يجوز إلا إذا تنازل أخوك عن ذلك البيع.

14 -

ونهانا رسول الله عن الغش فيما بيننا وأمرنا أن تكون بيوعنا كلها واضحة جلية لا غدر ولا خيانة فيها، فقال صلى الله عليه وسلم:«من حمل علينا السلاح فليس منا ومن غشنا فليس منا (2)» فالغاش ليس من المسلمين لأنه يهدد اقتصادهم، كما أن القاتل حامل السلاح يهدد أمنهم، فكل منهم يخدع المسلمين ممن يغش في البيوعات والذي يخدع الناس، والذي يضع الشعارات غير الشعار الحقيقي، والذي يزيف، والذي يؤخر السلعة التي لها زمن ينتهي إليه ثم يخرجها والحال أنها ضارة وأن زمن البقاء قد مضى، كل أولئك يعتبرون غاشين لإخوانهم المسلمين، خادعين لهم، ماكرين بهم، ومكاسبهم مكاسب خبيثة.

المسلم في معاملاته يتقي الله فلا يعين على معصية ولا يعين على ظلم ولا يعين على عدوان، يتحرى المكاسب الطيبة وإن قلت، ويترفع

(1) رواه البخاري في صحيحه ح (2043)، ومسلم في صحيحه ح (1412).

(2)

رواه مسلم في صحيحه ح (101).

ص: 17

عن الدنايا والخبائث وإن كثرت، خوف الله يسيطر عليه، يقينه بلقاء الله يحول بينه وبين الحرام، كم ترى من عباد الله من إن نظرت إلى مظهره أعجبك، وإن سمعت كلامه أعجبك، وإن رأيت أعماله التطوعية أعجبتك، ولكن في معاملات الدنيا ومصالحها يذهب هذا التقوى كأنه ما كان شيء، فلا صدق ولا أمانة ولا وفاء ولا وضوح، ولكن غش وخداع، كم من الناس سولت لهم أنفسهم فاستحلوا الحرام بتأويلات باطلة، يعهد إليه شراء أمور العامة فلا يوقع عقد الشراء إلا أن يكون له نصيب من الثمن، بل قد يزيد الثمن زيادة باهظة لأجل مصلحته التي يأخذها، وكم يراد أن يستأجر منه فلا يوافق هذا المستأجر إلا أن يعطى ثمنا باهظا، وكم من حيل وخداع وتأويلات إبليسية يتمسك بها هؤلاء فيذهب دينهم والعياذ بالله، يتساهلون بالحرام والمكاسب الحرام، وما يعلمون أنها سبب لقسوة القلب، وإضعاف لجانب التقوى.

والتقي حقا من اتقى الله في سره وعلانيته، من اتقى الله في صلاته وبيعه، من اتقى الله في زكاته وتعامله، من اتقى الله في صومه وبيعه وشرائه، من كان خوف الله مسيطرا عليه في كل أحواله، يهمه المال الطيب النافع، أما الأموال المحرمة فمهما تنوعت مكاسبها فإن موقفه منها موقف الحذر الخائف من الله.

لا يشارك مع أقوام يرى منهم تساهلا في الربا والحرام، وتهاونا في الأمور، يبتعد عنهم مهما كان الحال، يربأ بدينه من أن يخدعه المغرورون،

ص: 18

ويغرر به الجاهلون، ويزين له أهل الباطل، والله يقول:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (1)، وفي الحديث:«ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمن حلال أم من حرام (2)»

فالمسلم الذي يعلم أنه ملاق ربه وأن الله سائله عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه يقف متأملا يقدم رجلا ويؤخر أخرى، وينظر في عواقب الأمور ومآلاتها، ولا تهمه الدنيا المنكرة الزائلة، بل مراقبته لربه فوق هذا كله.

كم من متساهل بالمرافق العامة ومتهاون بها ومدع ملكها وهي ليست ملكا له، ومسطر عليها صكوكا وهي ليست له، وكم وكم

إن المسلم حيال كل الأمور يجب أن يعلم أن الله سائله عن كل درهم دخل عليه، هل هذا من حلال أم من حرام، وليتق العبد ربه وليحاسب نفسه قبل الحساب يوم قدومه على الله وليحذر من مصاحبة أقوام لا يبالون بالمكاسب، حلال هي أم حرام، يسخرون لم قال لهم: هذا حرام، يسخرون لم يقول لهم: هذا لا يجوز، يستهزئون لمن يقول لهم: اتقوا المكاسب الخبيثة، يقولون: أنت في غفلة، وأنت في انعزال، وأنت لا تعرف الحياة، وأنت لا تعرف الأحوال، أما يعلم هؤلاء أن الله جل وعلا مطلع على سرائرنا، وعالم بأحوالنا، {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} (3).

(1) سورة النساء الآية 29

(2)

رواه البخاري في صحيحه ح (1977).

(3)

سورة البقرة الآية 235

ص: 19

نسأل الله تعالى أن يكفينا بحلاله عن حرامه، وبطاعته عن معصيته، وبفضله عمن سواه، ونسأله تعالى أن يجعل فيما أباح لنا غنى عما حرم علينا، وأن يطهر مكاسبنا من الخبائث، ومن الربا والحرام، وأن يجعلها طيبة تعيننا على طاعته، ونتقرب بها إليه، إنه على كل شيء قدير.

ص: 20