الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صبر الدعوة:
والداعية محتاج إلى أنواع الصبر كلها في حياته العامة شأنه شأن عموم المسلمين، وفي حياته الدعوية خاصة مما نستطيع أن نسميه بصبر الدعوة وهو الصبر الذي تقدم به أولو العزم من الرسل على غيرهم من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وذلك لأن الدعوة مهمة شاقة ورسالة كبيرة طريقها محفوف بالعقبات، ومجالها مليء بالصعوبات، وصاحبها معرض للمحن والابتلاءات، فهي تحتاج إلى عزيمة قوية وإرادة صلبة ويقين راسخ، يقول الشنقيطي:(فلا ينبغي أن يسند الأمر بالمعروف إسنادا مطلقا إلا لمن جمع بين العلم والحكمة والصبر على أذى الناس، لأن الأمر بالمعروف وظيفة الرسل وأتباعهم، وهو مستلزم للأذى من الناس لأنهم مجبولون بالطبع على معاداة من يتعرض لهم في أهوائهم الفاسدة وأغراضهم الباطلة، ولذا قال العبد الصالح لقمان الحكيم لولده فيما قص الله عنه: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} (1)، ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم لورقة بن نوفل:" أومخرجي هم؟ " يعني قريشا، أخبره ورقة أن هذا الدين الذي جاء به لم يأت به أحد إلا عودي، وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: ما ترك الحق لعمر صديقا (2)
(1) سورة لقمان الآية 17
(2)
أضواء البيان /الشنقيطي (مرجع سابق) 2/ 174.
فلهذا جاءت آيات تأمر النبي الكريم عليه الصلاة والسلام صراحة بالصبر حين الدعوة وعلى تبعاتها كما في قوله تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} (1)، وقوله تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (2){وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} (3){وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} (4){إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} (5)، وقوله تعالى:{وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} (6)، وقوله عز وجل:{وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} (7) بعد أمره بالدعوة وعبادات أخر، وقوله تعالى:{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} (8)، وقوله عز وجل:{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} (9)، وقوله تعالى:{فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} (10)، وقوله تعالى:
(1) سورة الأحقاف الآية 35
(2)
سورة النحل الآية 125
(3)
سورة النحل الآية 126
(4)
سورة النحل الآية 127
(5)
سورة النحل الآية 128
(6)
سورة يونس الآية 109
(7)
سورة المدثر الآية 7
(8)
سورة غافر الآية 77
(9)
سورة الروم الآية 60
(10)
سورة الإنسان الآية 24
{وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} (1)، وقوله تعالى:{اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (2)، وقوله سبحانه:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (3)، وقوله تعالى:{فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى} (4)، وقوله تعالى:{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} (5)، وقوله تعالى:{تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} (6).
إن الداعية مطالب بأن يتحلى بالصبر ويلتزم به في كل أحواله وأموره قبل دعوته وفي أثنائها وبعد أدائها، فقبل دعوته بالصبر على تصحيح النية والإخلاص وعقد العزم على توفية المأمور به وتجنب دواعي الرياء والسمعة والاستعداد لها بالعلم والعمل والأساليب المناسبة.
(1) سورة المزمل الآية 10
(2)
سورة ص الآية 17
(3)
سورة الكهف الآية 28
(4)
سورة طه الآية 130
(5)
سورة الأنعام الآية 34
(6)
سورة هود الآية 49
وحال دعوته بأن يلازم الصبر عند دواعي التقصير والتفريط، ويلازم سلامة النية وحضور القلب ويصبر على ممارسة الدعوة وفق الضوابط الشرعية والقواعد المرعية.
وبعد الدعوة يصبر عن الإتيان بما يبطل عمله من العجب والغرور والتكبر إذا نجحت دعوته، أو الضجر والسخط والتصرفات غير السوية مع المدعوين إذا لم تحقق دعوته نتائجها المرجوة.
ويجب على الداعية أن يجاهد نفسه على الصبر ويروض نفسه عليه ويتحرى أسباب حصوله ويتجنب الآفات المعيقة له من العجلة والغضب وشدة الحزن والضيق والكآبة واليأس.
وإذا كان الداعية صابرا في دعوته نال راحة البال وطمأنينة القلب وقوة اليقين والمضي في دعوته دون أن يصرفه صارف أو يمنعه مانع، أما إذا فقد الصبر فإنه يضعف ويفتر عن القيام بالدعوة.