الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي الآخرة يحشر أعمى جزاء وفاقا، فقد صد عن هدي الكتاب والسنة وعميت بصيرته عن الاستنارة بهما، يقول الله - تعالى:{وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} (1) يقول ابن كثير في تفسير قول الله - تعالى: {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا} (2) أي لما أعرضت عن آيات الله وعاملتها معاملة من لم يذكرها بعد بلاغها إليك تناسيتها وأعرضت عنها وأغفلتها كذلك اليوم نعاملك معاملة من ينساك» (3)
فكم لمنهج الوسطية في الفتوى من أثر إيجابي في انتظام أحوال المستفتي على الشرع والحياة السعيدة له في الدنيا والآخرة.
(1) سورة الإسراء الآية 97
(2)
سورة طه الآية 125
(3)
تفسير القرآن العظيم 3/ 178.
المبحث السادس:
أثر الفتوى في محافظة المجتمع المسلم على هويته الإسلامية:
الإسلام هو دين الأمة، وهو عقيدة وعبادة وأحكام وآداب تشمل المعاملات والأنكحة والجزاءات والقضاء، والإنسان في كافة أحواله ونشاطاته من آداب اللباس والأكل وغيرهما، فالإيمان ليس بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر بالقلب وصدقته الجوارح، والتزام الأمة المسلمة
بهدي الكتاب والسنة يجعلها في انسجام مع دينها ومحافظة على هويتها.
وقد كانت حياة المسلمين وشخصية الأمة المسلمة بارزة في عقيدتها وعباداتها وفي حياتها الاجتماعية، وفي نشاطها الاقتصادي، وفي الحكم والتقاضي وجميع تشريعاتها.
والفتوى من وراء ذلك تسدده وتؤيده، فمتى كانت الفتوى على وفق النهج الصحيح ملتزمة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم جارية على سنن الاستنباط السليم على طريقة السلف الصالح كان لها الأثر الإيجابي في محافظة المجتمع الإسلامي على هويته، ولا زال العلماء الربانيون الملتزمون بالنهج القويم يسددون مسيرة الأمة ويصححون ما عسى أن يقع فيها من انحرافات تبعا لمنهج النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وسائر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد حذر الفقهاء من التساهل في الفتوى على غير سنن الشرع، وحذروا من المفتي الماجن الذي يفتي بهواه، وما ذلك إلا لضرر ذلك وخطره على الفرد والأمة، وكم في الأمة اليوم ممن يسعى بفتاواه الخارجة عن منهج الوسطية إلى إخراج الأمة من تميزها والتزامها بدينها علم ذلك أم لم يعلمه، كحال فتاوى الغلو ممن يكفرون مجتمعات المسلمين، أو ينشرون البدع فيها، أو كمن يجفو أو يفرط بفتواه خضوعا للواقع المنحرف وتبريرا للشعور بالنقص، كحال أصحاب فتاوى
الإرجاء في الإيمان ممن يقولون: إن العمل ليس من الإيمان، بل يكفي فيه مجرد التصديق بالقلب والنطق باللسان فقط ولو مع التمكن من العمل، والأعمال عندهم شرط كمال فيه فقط وليست منه وكحال الذين يهونون مسائل الحكم بغير ما أنزل الله أو يسوغون تعلم السحر والرجوع إلى السحرة بحجة حل السحر بسحر مثله ضرورة أو يسوغون بفتاواهم بقاء المحتل الأجنبي في بلاد المسلمين، ومن يبررون للمجتمعات الإسلامية الاختلاط والسفور، ومعارضة آيات المواريث بتسوية المرأة بالرجل في الميراث مما جعل الله لها فيه النصف من نصيب الرجل، ومنع تعدد الزوجات، وإباحة الخنزير بحجة أن المحرم كانت خنازير سيئة التغذية، وكفتاوى تحليل الربا