الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمين وعلمائهم ويؤازرها (1)
(1) انظر: المرجع السابق (4/ 185 (6/ 330)(8/ 255، 434).
ثالثا: الوضوح
إن من مزايا هذا الدين الوضوح والإشراق، وهذا الوضوح شامل لجميع أحكام الشريعة، ولا سيما واجباتها على كل مسلم، فهي سهلة ميسرة لا تعقيد فيها ولا غموض، فمسائل الاعتقاد؛ من الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر. . واضحة لكل مسلم.
وأركان الإسلام وعباداته وأخلاقه وآدابه كلها على قدر من الوضوح والظهور بحيث لا تحتاج إلى بيان طويل لتجليتها والتعريف بها.
وإذا كانت هذه الخصيصة هي طبيعة هذا الدين، وسمة مصدرية الكتاب والسنة، فإن من المتعين على من يتصدى لوظيفة التبليغ أن يعنى بالبيان والوضوح تأصيلا وتفصيلا، لفظا ومعنى، بما ييسر على الناس فهم حقائق الدين وأحكامه وآدابه، ويشوق القلوب إلى الاستقامة عليه، وإيثاره على ما سواه.
ولقد كان الشيخ ابن باز – رحمه الله تعالى – حريصا على غرس تعظيم الشريعة ومحبتها في النفوس، وتيسير فهمها والاستقامة عليها من كافة طبقات الناس، ولذا كان فيما يلقيه أو يمليه واضح البيان، سهل العبارة، فهو يبين الأحكام الشرعية بأسلوب مبسط خال من التعقيد أو الغموض، وهو يعتمد – أحيانا – التكرار المعنوي ولا سيما في مسائل الاعتقاد، ليتحقق كمال البيان، ولا يبقى في المسألة أدنى لبس أو خفاء.
كما كان الشيخ يعنى بذكر القيود والضوابط وبالتفصيل بما يجلي حقيقة الشيء وأنواعه، ويعطي كل نوع منه ما يناسبه من الأحكام.
- ففي حديثه عن الشرك، يذكر أنه نوعان: شرك أكبر، وشرك أصغر، وأن من الشرك الأكبر طاعة المخلوق في معصية الخالق، وهو لا يكتفي بمجمل القول في هذا النوع من الشرك بل يبين أن الطاعة الموقعة في الشرك الأكبر هي ما كانت على وجه الاستحلال للمحرم، لا مطلق الطاعة في المعصية، وفي هذا يقول: «فالشرك الأكبر: هو ما يتضمن صرف العبادة لغير الله أو بعضها، أو يتضمن جحد شيء مما أوجب الله من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة؛ كالصلاة، وصوم رمضان، أو يتضمن جحد شيء مما حرم الله، مما هو معلوم من الدين بالضرورة؛ كالزنى والخمر ونحوها، أو يتضمن طاعة المخلوق في معصية الخالق على وجه الاستحلال لذلك، وأنه يجوز أن يطاع فلان أو فلانة فيما يخالف دين الله عز وجل، من رئيس أو وزير أو عالم أو غيرهم.
فكل ما يتضمن صرف بعض العبادة لغير الله؛ كدعاء الأولياء، والاستغاثة بهم، والنذر لهم، أو يتضمن استحلال ما حرم الله، أو إسقاط ما أوجب الله؛ كاعتقاد أن الصلاة لا تجب، أو الصوم لا يجب، أو الحج مع الاستطاعة لا يجب، أو الزكاة لا تجب، أو اعتقد أن مثل هذا غير مشروع مطلقا، كان هذا كفرا أكبر، وشركا أكبر، لأنه يتضمن تكذيب الله ورسوله. . .» (1)
- وعن حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم فيه تفصيل؛
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (1/ 403).
فإن كان ذلك باتباعه ومحبته وطاعة أوامره وترك نواهيه والإخلاص لله في العبادة فهذا هو الإسلام وهو دين الله الذي بعث به أنبياءه، وهو الواجب على كل مكلف، وهو الوسيلة للسعادة في الدنيا والآخرة.
أما التوسل بدعائه والاستغاثة به وطلبه النصر على الأعداء والشفاء للمرضى، فهذا هو الشرك الأكبر، وهو دين أبي جهل وأشباهه من عبدة الأوثان، وهكذا فعل ذلك مع غيره من الأنبياء والأولياء، أو الجن أو الملائكة أو الأشجار أو الأحجار أو الأصنام.
وهناك نوع ثالث يسمى التوسل وهو التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم، أو بحقه، أو بذاته، مثل أن يقول الإنسان: أسألك يا الله بنبيك، أو جاه نبيك، أو حق نبيك، أو جاه الأنبياء، أو حق الأنبياء، أو جاه الأولياء والصالحين وأمثال ذلك، فهذا بدعة ومن وسائل الشرك، ولا يجوز فعله معه صلى الله عليه وسلم ولا مع غيره؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يشرع ذلك، والعبادات توقيفية لا يجوز منها إلا ما دل عليه الشرع المطهر. .» (1)
وأما عن الوضوح في خطاب الشيخ، فإن:«من خصائصه الخطابية قدرته على ترتيب أفكاره حتى لا تتشتت، وضبطه لعواطفه حتى لا تغلب عقله، ثم سلامة أسلوبه الذي لا يكاد يعتريه اللحن في صغير من القول أو كبير، وأخيرا تحرره من كل أثر للتكلف» (2)
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (5/ 322).
(2)
محمد المجذوب، علماء ومفكرون عرفتهم (1/ 96) دار الاعتصام، القاهرة، ط3.