الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني:
أثر الفتوى في التصدي للغلو:
الغلو في اللغة:
كلمة تقوم على ثلاثة حروف: الغين واللام والحرف المعتل، وهي كما يقول ابن فارس (ت: 395هـ): " أصل صحيح في الأمر يدل على ارتفاع ومجاوزة قدر "(1)
فيقال: غلا الرجل في الأمر: إذا جاوز حده، وغلا في الأمر غلوا: جاوز فيه الحد (2)
(1) مقاييس اللغة 4/ 387، مادة (غلو).
(2)
مقاييس اللغة 4/ 387، مادة (غلو)، القاموس المحيط 1700، مختار الصحاح 480.
والمراد بالغلو شرعا:
تجاوز العبد حده نحو الشدة مما يخرجه عن موجب النصوص الشرعية في اعتقاد أو عمل
والغلو منهي عنه كما قال الله ـ تعالى ـ: {يَا أَهْل الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} (1)
قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن عبد الوهاب (ت: 1233هـ):
(1) سورة الآية
" وأهل الكتاب هنا هم اليهود والنصارى، فنهاهم عن الغلو في الدين، ونحن كذلك، كما قال تعالى:{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (1)(هود: 112)(2)
وقد روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على راحلته: «هات، القط لي، فلقطت له حصيات هن حصى الخذف، فلما وضعتهن في يده قال: بأمثال هؤلاء، وإياكم والغلو في الدين؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين (3)»
فجعل الزيادة في صفات الحصى التي ترمى بها الجمرة من الغلو،
(1) سورة هود الآية 112
(2)
تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد 265.
(3)
أخرجه النسائي في المجتبى 5/ 268، كتاب مناسك الحج، باب التقاط الحصى، واللفظ له، وأخرجه ابن ماجه 2/ 1008، كتاب المناسك، باب قدر حصى الرمي، وأخرجه أحمد 1/ 215، 347، وأخرجه ابن حبان 9/ 183، كتاب الحج، باب الوقوف بعرفة والمزدلفة والدفع منهما، وأخرجه ابن خزيمة 4/ 274، كتاب المناسك، باب التقاط الحصى لرمي الجمار من المزدلفة والبيان أن كسر الحجارة لحصى الجمار بدعة لما فيه من إيذاء الناس وإتعاب أبدان من يتكلف كسر الحجارة توهما أنه سنة، وأخرجه الحاكم 1/ 637، وصححه، وأخرجه البيهقي 5/ 127، كتاب الحج، باب أخذ الحصى لرمي جمرة العقبة وكيفية ذلك، وأخرجه ابن أبي شيبة 3/ 248.
وهكذا كل زيادة في عمل فوق الحد المشروع (1) كما دل على تعميمه صلى الله عليه وسلم في بقية الحديث من قوله: «وإياكم والغلو في الدين؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين (2)»
وقد بوب ابن خزيمة (ت: 311هـ) في: " صحيحه "(3) بقوله: " باب قدر الحصى الذي يرمى به الجمار، والدليل على أن الرمي بالحصى الكبار من الغلو في الدين، وتخويف الهلاك بالغلو في الدين ".
وملامح الغلو تظهر فيما يلي:
1ـ الاعتقاد:
وذلك بالجنوح إلى أمر خارج عن نصوص الكتاب والسنة نحو التشديد، كالتكفير بالذنب، والخروج على الولاة - كما هو مذهب الخوارج (4)
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 13/ 278.
(2)
أخرجه النسائي في المجتبى 5/ 268، كتاب مناسك الحج، باب التقاط الحصى، واللفظ له، وأخرجه ابن ماجه 2/ 1008، كتاب المناسك، باب قدر حصى الرمي، وأخرجه أحمد 1/ 215، 347، وأخرجه ابن حبان 9/ 183، كتاب الحج، باب الوقوف بعرفة والمزدلفة والدفع منهما، وأخرجه ابن خزيمة 4/ 274، كتاب المناسك، باب التقاط الحصى لرمي الجمار من المزدلفة والبيان أن كسر الحجارة لحصى الجمار بدعة لما فيه من إيذاء الناس وإتعاب أبدان من يتكلف كسر الحجارة توهما أنه سنة، وأخرجه الحاكم 1/ 637، وصححه، وأخرجه البيهقي 5/ 127، كتاب الحج، باب أخذ الحصى لرمي جمرة العقبة وكيفية ذلك، وأخرجه ابن أبي شيبة 3/ 248.
(3)
4/ 276.
(4)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 19/ 151، تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد 365، 275.
وأهل السنة لا يكفرون أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله (1) ويرون صحة الولاية لكل بر وفاجر، ولا يرون الخروج عليه ما لم يظهر منه كفر بواح عليه من الله برهان لا يحتمل التأويل وليست المعصية مما يكفر به (2)
وإذا كان التكفير بالذنب والخروج على الولاة من الغلو فكيف إذا أدى تكفير المسلم إلى استحلال دماء رجال وأموالهم من مسلمين ومستأمنين، وذلك بالقتل وهدم المنشآت العامة والصناعية عامة وخاصة بالتفجير أو غيره، فكل ذلك ضلال في الاعتقاد، وبغي على الولاة والعباد.
(1) شرح العقيدة الطحاوية 355، 360.
(2)
شرح صحيح مسلم 12/ 229، فتح الباري بشرح صحيح البخاري 13/ 8.
2ـ الأحكام العملية:
ويتحقق الغلو فيها بأحد ثلاثة أمور، هي
أـ إلزام النفس أو الآخرين بما لم يوجبه الله عز وجل عبادة وترهبا مما يخالف المشروع في نوافل العبادات، وذلك كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله عنها عن تكليف نفسها بالعبادة فوق الطاقة، فعن أنس ـ رضي
وليس من الغلو ـ كما يقول ابن المنير ـ: " طلب الأكمل في العبادة؛ فإنه من الأمور المحمودة، بل منع الإفراط المؤدي إلى الملال أو المبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل "(2)
كما أنه ليس من الغلو التزام شخص رأيا فيه الحزم والتحوط لدينه مما تتقبله النصوص الشرعية وتشهد له إذا كان الاجتهاد فيه سائغا، أو أخذ به عن تقليد لعالم مجتهد موثوق في دينه وعلمه (3)
ب ـ تحريم الطيبات التي أباحها الله ـ تعالى ـ إذا كان تحريمها على وجه التعبد، كتحريم أكل اللحم والفواكه، كما في قوله تعالى:
(1) متفق عليه، فقد أخرجه البخاري واللفظ له 1/ 386، كتاب الكسوف، باب ما يكره من التشديد في العبادة، وأخرجه مسلم 1/ 541، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب أمر من نعس في صلاته أو استعجم عليه القرآن أو الذكر بأن يرقد أو يقعد حتى يذهب عنه ذلك.
(2)
نقلا عن: فتح الباري بشرح صحيح البخاري 1/ 94.
(3)
الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة 85ـ86.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (1){وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} (2)(المائدة: ?? /8?)، وليس من الغلو ترك المشتبهات في مطعم ونحوه.
جـ ـ ترك الإنسان ما يحتاجه من ضروراته، مثل الأكل والشرب والنوم والنكاح، كما في الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه يقول:«جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني (3)»
ومن هنا تتضح وظيفة المفتي في سلوك منهج الوسطية والاعتدال في الفتوى، فيرد شارد الأمة نحو الغلو إلى طريق الجادة والصواب
(1) سورة المائدة الآية 87
(2)
سورة المائدة الآية 88
(3)
متفق عليه، فقد أخرجه البخاري واللفظ له 5/ 1949، كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح، وأخرجه مسلم 2/ 1020، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنه واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم.