الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونصوص الكتاب والسنة هي أساس العلم ومنبعه؛ فلا سبيل إلى العلم بالله تعالى وشرعه وما يجب له إلا من خلالها، كما أن من المتعين فهم نصوص الكتاب والسنة وفق مراد الله تعالى منها، لا بحسب الأهواء أو الظنون، ولذا كان من الأصول المعتبرة، لزوم الاعتصام بالكتاب والسنة، وفهم نصوصهما وفق فهم سلف الأمة.
كما أن من ركائز المنهج العلمي الأخذ بقواعد الاستنباط والترجيح والاجتهاد، للسلامة من الزلل والاختلاف والتناقض.
وسيكون الحديث - في هذا المبحث - عن هذه القواعد والأصول، مع بيان مدى اعتبارها عند سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله تعالى -.
أولا: الاستمداد من الكتاب والسنة
الكتاب والسنة هما أساس الإسلام، ومصدر عقائده وعباداته وتعاليمه وآدابه، وقد جاءت النصوص دالة على وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة، والصدور عنهما، والرد إليهما عند التنازع، فمن ذلك:
1 – قول الله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (1).
والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرد إليه
(1) سورة آل عمران الآية 132
(2)
سورة النساء الآية 59
في حياته، وإلى ما صح من سننه بعد موته
3 – وعن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته: «أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة (1)»
4 – وعن المقدام بن معد يكرب – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه (2)»
(1) أخرجه مسلم في الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة (رقم 867) واللفظ له، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض، ط1 سنة 1400هـ. وأبو داود في السنة، باب لزوم السنة (5/ 15) تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار إحياء السنة النبوية، مصر، والترمذي في العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة، واجتناب البدع، وابن ماجه في المقدمة، باب اجتناب البدع والجدل (1/ 17)، دار الحديث، القاهرة. .
(2)
أخرجه أبو داود في السنة، باب في لزوم السنة (رقم 4604). والترمذي في العلم، باب ما نهي عنه أن يقال عند حديث النبي صلى الله عليه وسلم (رقم 2664)، وابن ماجه في المقدمة، باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (رقم 12)، وأحمد (4/ 131، 132)، وصححه الألباني، انظر: صحيح سنن ابن ماجه (1/ 7).
إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – عن سلف الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان: «وكان من أعظم ما أنعم الله به عليهم، اعتصامهم بالكتاب والسنة، فكان من الأصول المتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان أنه لا يقبل من أحد قط أن يعارض القرآن لا برأيه ولا ذوقه ولا قياسه ولا وجده، فإنه ثبت عنهم بالبراهين القطعيات، والآيات البينات، أن الرسول جاء بالهدى ودين الحق، وأن القرآن يهدي للتي هي أقوم»
والرد إلى الكتاب والسنة يؤدي إلى ائتلاف الخلق واجتماعهم وانقيادهم لأمر واحد، بالإضافة إلى اتصاف هذا الاجتماع والائتلاف بالصدق في حقيقته لموافقته للشرع، أما الرد إلى العقل فيحيل الخلق إلى شيء لا سبيل إلى ثبوته ومعرفته واتفاق الناس عليه لتفاوتهم في العقول واختلافهم في الآراء
ولقد سار العلامة ابن باز – رحمه الله – على هدي سلف الأمة؛
فاعتمد الكتاب والسنة في أقواله واختياراته وفتاواه، فكان يستنبط منهما، ويقف عند حدودهما، ولا يلتفت إلى ما خالفهما ولا إلى من خالفهما كائنا من كان.
كما كان يوازن بين الأقوال المختلفة على ضوئهما، فيرجح ما وافقهما، ويرد ما خالفهما، هذا منهجه الذي ارتضاه ودأب عليه وعني بتقريره والدعوة إليه والترغيب فيه.
قال – رحمه الله: «أجمع العلماء قديما وحديثا على أن الأصول المعتبرة في إثبات الأحكام، وبيان الحلال والحرام هي كتاب الله العزيز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ثم سنة رسول الله – عليه الصلاة والسلام – الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، ثم إجماع علماء الأمة.
واختلف العلماء في أصول أخرى أهمها القياس، وجمهور أهل العلم على أنه حجة إذا استوفى شروطه المعتبرة، والأدلة على هذه الأصول أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر» (1)
ثم شرع رحمه الله في بيان الأدلة على وجوب اتباع الكتاب والسنة، والتمسك بهما، والاستقامة عليهما، والوقوف عند حدودهما (2)
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (1/ 211).
(2)
المرجع السابق (1/ 211 – 221).
ويؤكد – رحمه الله – أن نصوص الكتاب والسنة تضمنت بيان الحق، وإيضاح سبله ومناهجه، والدعوة إليه بأوضح عبارة، وأكمل بيان، وأقوى حجة، بينت ذلك وأرشدت إليه بالأدلة النقلية والعقلية، ولذا تخضع لها القلوب، وتطمئن لها النفوس، وتنشرح لها الصدور (1) كما قال تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (2).
ومن الواجب على كل مسلم: «الانقياد التام لقول الله تعالى، وقول رسوله، وتقديمهما على قول كل أحد، وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة» (3) وهو مقتضى العبودية لله، والشهادة بالرسالة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم (4)
كما أن من المتعين رد ما تنازع فيه الناس واختلفوا فيه، إلى كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (5).
«ففي عرضها على هذا الميزان العظيم تمحيصها، وبيان حقها من باطلها، ورشدها من غيها، وهداها من ضلالها، وبذلك ينتصر الحق
(1) انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (4/ 60 – 67).
(2)
سورة يونس الآية 57
(3)
ابن باز، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (1/ 77).
(4)
المرجع السابق (1/ 79).
(5)
سورة النساء الآية 59
وأهله، ويندحر الباطل وأهله» (1)
فأقوال الناس، وأعمالهم، وسائر تصرفاتهم يجب أن تعرض على الكتاب والسنة.
والشيخ – رحمه الله – يتابع سلف الأمة في إجلال السنة، والتمسك بها، والاحتجاج بها، ويقرر أنها محفوظة بحفظ الله تعالى لها، وأنها تضمنت أحكاما استقلت في بيانها، يقول رحمه الله:«ولا شك أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحي منزل، فقد حفظها الله كما حفظ كتابه، وقيض لها علماء نقادا، ينفون عنها تحريف المبطلين، وتأويل الجاهلين، ويذبون عنها كل ما ألصقه بها الجاهلون والكذابون والملحدون، لأن الله سبحانه جعلها تفسيرا لكتابه العزيز، وبيانا لما أجمل فيه من الأحكام، وضمنها أحكاما أخرى لم ينص عليها الكتاب العزيز، كتفصيل أحكام الرضاع، وبعض أحكام المواريث، وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها، إلى غير ذلك من الأحكام التي جاءت بها السنة الصحيحة ولم تذكر في كتاب الله العزيز» (2)
وإذا كان من الناس من يزعم الاكتفاء بالقرآن والاحتجاج به دون السنة، «فقد ضل ضلالا بعيدا، وكفر كفرا أكبر، وارتد عن الإسلام بهذا المقال، فإنه بهذا المقال وبهذا الاعتقاد يكون قد كذب الله ورسوله، وأنكر ما أمر الله به ورسوله، وجحد أصلا عظيما من أصول الإسلام قد
(1) ابن باز، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (4/ 62).
(2)
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (1/ 216). وانظر: المرجع نفسه (8/ 138).
أمر الله بالرجوع إليه، والاعتماد عليه، والأخذ به، وأنكر إجماع أهل العلم وكذب به وجحده» (1) فمن لم يتبعه صلى الله عليه وسلم فإنه لم يؤمن بكتاب الله ولم ينفذ أوامره، إذ كتاب الله أمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وحذر من مخالفته (2)
ويؤكد – رحمه الله – أن الاعتصام بالكتاب والسنة سبب للحياة الطيبة الحميدة، والمتضمنة طمأنينة القلب، وانشراح الصدر، وراحة الضمير، كما أن في الاستجابة لله ورسوله، والاستقامة على ذلك قولا وعملا العز والكرامة والنجاة في الدنيا والآخرة (3) كما قال تعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (4)، وقال تعالى:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (5).
(1) المرجع السابق (8/ 132).
(2)
المرجع السابق (9/ 181).
(3)
انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (1/ 236، 306)(5/ 99).
(4)
سورة النحل الآية 97
(5)
سورة المنافقون الآية 8
(6)
ابن باز، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (5/ 98).