الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكل ما لا يحرم تعلمه ولا ينشط على الشر ولا يثبط عن الخير فمباح تعلمه ويؤجر صاحبه إن شاء الله إذا حسنت نيته وقصد نفع عباد الله.
العلم الدعوي:
(ولما كانت الدعوة إلى الله من أشرف مقامات العبد وأجلها وأفضلها فهي لا تحصل إلا بالعلم الذي يدعو به وإليه)(1)
ولذلك جعل الله تعالى الدعوة بعد التفقه في الدين كما في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (2).
والعلم وإن كان مطلوبا لكل أحد فهو في حق الداعية ألزم وأوجب إذ لا يمكن قيام دعوة صحيحة من دون علم، وبدونه تتحول الدعوة إلى دعوة فاسدة ضالة قائمة على الجهل والهوى وتقود إلى الفتنة والفساد والضلال قال تعالى:{وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ} (3).
ويعد القائم بالدعوة من دون علم من القائلين على الله وعلى رسوله بغير علم وقد قال تعالى فيهم: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (4)،
(1) انظر: مفتاح دار السعادة / ابن القيم (مرجع سابق) 1/ 154.
(2)
سورة التوبة الآية 122
(3)
سورة الأنعام الآية 119
(4)
سورة الأنعام الآية 144
وحذر تعالى من ذلك بقوله: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (1)، وفي قوله تعالى:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (2).
وحذر من ذلك رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار (3)»
والعلم الذي يجب أن يكون عليه الداعية حال دعوته ينقسم إلى ثلاثة أقسام (4)
أ - العلم بموضوع الدعوة ومضمونها: فلا يتحدث الداعية إلا في أمر يعلمه، ولديه معرفة كافية بطبيعته وبحقيقته ومشروعيته وأدلته.
ب - العلم بكيفية الدعوة وطريقتها: بمعنى أن يكون الداعية على علم ومعرفة بمنهج الدعوة وبالأساليب والوسائل المناسبة التي يجب أن
(1) سورة الأعراف الآية 33
(2)
سورة الإسراء الآية 36
(3)
صحيح البخاري / كتاب العلم: باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم / 107، وصحيح مسلم / كتاب المقدمة: باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم / 4.
(4)
انظر: رسالة في الدعوة إلى الله / محمد بن عثيمين (مصر: مكتبة الربانيين: د0ت)21.
يسلكها في دعوته من حيث مشروعيتها وكيفية استخداماتها والظروف المحيطة بذلك.
ج - العلم بالمدعوين: وهم جمهور الدعوة فيعرف الداعي أصناف المدعوين وطبائعهم وظروفهم وأحوالهم ومستوياتهم العلمية والاجتماعية ليختار لهم من الأساليب أنجعها ومن الطرق أنفعها ومن الموضوعات أنسبها. ويدل على ذلك قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (1). والبصيرة بمعناها العام هي العلم والفهم فتتناول هذه الأمور الثلاثة في حق الداعية.
كما يدل على ذلك تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه هذه الأنواع الثلاثة كلها لما بعثه إلى اليمن داعيا؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام له: «إنك ستأتي قوما أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك فأعلمهم أن الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب (2)»
(1) سورة يوسف الآية 108
(2)
صحيح البخاري / كتاب الزكاة: باب: أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء
…
/1496، وصحيح مسلم / كتاب الإيمان: باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام / 27.
فقوله عليه الصلاة والسلام (أهل كتاب) إخبار منه عليه الصلاة السلام بحال المدعوين وطبيعتهم.
وذكره التوحيد والإقرار برسالته والصلاة والزكاة وتجنب الظلم وتحري العدل بيان لموضوعات الدعوة.
والترتيب بين تلك الموضوعات من حيث البدء بالأهم منها فما دونه يدل على كيفية الدعوة وطريقتها.
وهناك أدلة أخرى تشير إلى أهمية هذه الأمور الثلاثة وضرورتها للداعية وتدل عليها، كما في قصة سليمان عليه السلام مع الهدهد في دعوة ملكة سبأ إذ تضمنت القصة ما يدل على العلم بحال المدعو في قوله تعالى عن خبر الهدهد لسليمان عليه السلام:{فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} (1){إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} (2){وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ} (3).
وتضمنت ما يدل على العلم بموضوع الدعوة في قوله تعالى: {قَالَتْ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} (4){إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (5){أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} (6).
(1) سورة النمل الآية 22
(2)
سورة النمل الآية 23
(3)
سورة النمل الآية 24
(4)
سورة النمل الآية 29
(5)
سورة النمل الآية 30
(6)
سورة النمل الآية 31
وتضمنت ما يدل على العلم بأساليب الدعوة ووسائلها في قوله سبحانه: {اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} (1)، وفي قوله تعالى:{ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} (2).
أما الأدلة على كل واحد منها فهي كثيرة جدا، من ذلك في مجال كيفية الدعوة حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أحدا من أصحابه في بعض أموره قال: «بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا (3)»
وقوله عليه الصلاة والسلام لأبي موسى ومعاذ رضي الله عنهما حينما بعثهما إلى اليمن «يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا (4)»
وبالجملة فإن على الداعية أن يكون على قدر كبير من العلم والمعرفة وسعة الثقافة واستيعاب الأمور وفهمها بما ينعكس على شخصيته ودعوته.
(1) سورة النمل الآية 28
(2)
سورة النمل الآية 37
(3)
صحيح مسلم / كتاب الجهاد والسير: باب الأمر بالتيسير وترك التنفير / 3262.
(4)
صحيح البخاري / كتاب الجهاد والسير: باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب / 2811، وصحيح مسلم / كتاب الإيمان: باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير / 3263.