الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومعنى: (ضالة المؤمن)، أي: مطلوبه.
و (فهو أحق بها)، أي: الأولى بقبولها .. )
وهي مما يتواصى به السلف والخلف، فعن السكن بن عمير قال: سمعت وهب بن منبه يقول: يا بني عليك بالحكمة فإن الخير في الحكمة كله، وتشرف الصغير على الكبير والعبد على الحر، وتزيد السيد سؤددا، وتجلس الفقير مجالس الملوك (1)
(1) سنن الدارمي / كتاب المقدمة: باب التوبيخ لمن يطلب العلم لغير الله / 391.
أنواع الحكمة وأسباب تحصيلها:
والحكمة نوعان
الأولى: الحكمة العلمية النظرية، وهذه مرجعها إلى العلم والإدراك والفهم، وهي العلم النافع.
الثانية: الحكمة العملية، وهذه مرجعها إلى فعل الحق والعدل والصواب، وهي العمل الصالح.
ويدل على هذين النوعين ما أخبر الله به عن إبراهيم عليه السلام
بقوله سبحانه: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا} (1)، وهي الحكمة العلمية، {وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} (2)، وهي الحكمة العملية.
وما أخبر به عن موسى عليه السلام بقوله: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا} (3) وهي تدل على الحكمة العلمية {فَاعْبُدْنِي} (4)، وهي تدل على الحكمة العملية.
وقال عن عيسى عليه السلام إنه قال: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} (5) الآية، وهي تدل على الحكمة النظرية، ثم قال:{وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي} (6) وهو الحكمة العملية.
وما أخبر به عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله سبحانه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (7) وهي الحكمة العلمية، {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} (8) وهي الحكمة العملية.
وما أخبر به سبحانه عن جميع الأنبياء في قوله تعالى:
(1) سورة الشعراء الآية 83
(2)
سورة الشعراء الآية 83
(3)
سورة طه الآية 14
(4)
سورة طه الآية 14
(5)
سورة مريم الآية 30
(6)
سورة مريم الآية 31
(7)
سورة محمد الآية 19
(8)
سورة محمد الآية 19
{يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا} (1) وهي الحكمة العلمية، ثم قال:{فَاتَّقُونِ} (2) وهي الحكمة العملية.
قال الرازي: ( .. واعلم أن الحكمة لا يمكن خروجها عن هذين المعنيين، وذلك لأن كمال الإنسان في شيئين: أن يعرف الحق لذاته، والخير لأجل العمل به، فالمرجع بالأول: إلى العلم والإدراك المطابق، وبالثاني: إلى فعل العدل والصواب.)(3)
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله (والحكمة حكمتان: علمية وعملية فالعلمية: الاطلاع على بواطن الأشياء ومعرفة ارتباط الأسباب بمسبباتها خلقا وأمرا، قدرا وشرعا.
والعلمية كما قال صاحب المنازل: وهي وضع الشيء في موضعه، قال: وهي على ثلاث درجات الدرجة الأولى: أن تعطي كل شيء حقه ولا تعديه حده ولا تعجله عن وقته ولا تؤخره عنه.
لما كانت الأشياء لها مراتب وحقوق تقتضيها شرعا وقدرا ولها حدود ونهايات تصل إليها ولا تتعداها، ولها أوقات لا تتقدم عنها ولا تتأخر، كانت الحكمة مراعاة هذه الجهات الثلاث بأن تعطي كل مرتبة حقها الذي أحقه الله لها بشرعه وقدره ولا تتعدى بها حدها فتكون
(1) سورة النحل الآية 2
(2)
سورة النحل الآية 2
(3)
التفسير الكبير / الرازي (مرجع سابق) 3/ 58.
متعديا مخالفا للحكمة، ولا تطلب تعجيلها عن وقتها فتخالف الحكمة ولا تؤخرها عنه فتفوتها، وهذا حكم عام لجميع الأسباب مع مسبباتها شرعا وقدرا، فإضاعتها تعطيل للحكمة بمنزلة إضاعة البذر وسقي الأرض وتعدي الحق: كسقيها فوق حاجتها بحيث يغرق البذر والزرع ويفسد وتعجيلها عن وقتها: كحصاده قبل إدراكه وكماله.
وكذلك ترك الغذاء والشراب واللباس: إخلال بالحكمة وتعدي الحد المحتاج إليه؛ خروج عنها أيضا وتعجيل ذلك قبل وقته إخلال بها، وتأخيره عن وقته إخلال بها
…
فكل نظام الوجود مرتبط بهذه الصفة وكل خلل في الوجود، وفي العبد فسببه الإخلال بها، فأكمل الناس أوفرهم منها نصيبا، وأنقصهم وأبعدهم عن الكمال: أقلهم منها ميراثا
…
) (1)
وكما أن الحكمة من الصفات الفطرية التي يمن الله بها على من يشاء من عباده فإنها في الوقت ذاته يمكن أن تكتسب وتنمى من خلال أسباب تحصيلها وسبل تنميتها، والتي منها:
1 -
العلم؛ وأساسه وأهمه العلم بالكتاب والسنة، ثم سائر العلوم النافعة التي تثري الثقافة وتزيد المعرفة وتوسع الأفق وتنمي الإدراك وتطور الفكر.
2 -
الحلم، وهو ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب، أو (هو
(1) مدار السالكين / ابن القيم (مرجع سابق) 2/ 499 (بتصرف).
الطمأنينة عند سورة الغضب) (1) فلا يستفز طالب الحكمة بقول أو فعل مثير، وهو خصلة رشيدة وسط بين خصلتين ذميمتين هما الغضب والبلادة (2)
3 -
الأناة، وهي التثبت والتروي والتبصر في الأمور وعدم العجلة فيها (3) ومن رزق هذه الصفة كانت سببا من أسباب انضباط تصرفاته وحسن تدبيره، وهي خصلة رشيدة وسط بين خصلتين ذميمتين هما العجلة والتباطؤ (4)
والحلم والأناة خصلتان عظيمتان تدلان على عقل راجح ورأي سديد وتصرف سليم ولذلك مدح بها النبي الكريم أشج عبد القيس فعن زارع، وكان في وفد عبد القيس، قال:«لما قدمنا المدينة فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي صلى الله عليه وسلم ورجله قال،: وانتظر المنذر الأشج حتى أتى عيبته فلبس ثوبيه ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: «إن فيك خلتين يحبهما الله؛ الحلم والأناة» ، قال: يا رسول الله: أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما؟ قال: «بل الله جبلك عليهما» قال: الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله ورسوله (5)»
(1) التعريفات / الجرجاني (مرجع سابق)126.
(2)
انظر: موسوعة أخلاق القرآن (بيروت: دار الرائد العربي: 1407) 1/ 183.
(3)
القاموس المحيط (مرجع سابق)1628.
(4)
انظر: الأخلاق الإسلامية وأسسها / الميداني (دمشق: دار القلم: 1413) 2/ 367.
(5)
صحيح مسلم / كتاب الإيمان: باب الإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم / 24، وسنن أبي داود / كتاب الأدب: باب في قبلة الرجل / 4548 واللفظ له.
قال النووي: (وأما الحلم فهو العقل، وأما الأناة فهي التثبيت وترك العجلة وهي مقصورة، وسبب قول النبي صلى الله عليه وسلم ذلك له ما «جاء في حديث الوفد أنهم لما وصلوا المدينة بادروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأقام الأشج عند رحالهم فجمعها وعقل ناقته ولبس أحسن ثيابه ثم أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقربه النبي صلى الله عليه وسلم وأجلسه إلى جانبه، ثم قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: تبايعون على أنفسكم وقومكم؟ فقال القوم: نعم. فقال الأشج: يا رسول الله إنك لم تزاول الرجل عن شيء أشد عليه من دينه، نبايعك على أنفسنا، ونرسل من يدعوهم، فمن اتبعنا كان منا ومن أبى قاتلناه. قال: صدقت، إن فيك خصلتين» .. الحديث. قال القاضي عياض: فالأناة تربصه حتى نظر في مصالحه ولم يعجل، والحلم هذا القول الذي قاله الدال على صحة عقله، وجودة نظره .. )(1)
4 -
الخبرات والتجارب، وهي المهارات والمعارف التي يكتسبها الشخص من خلال ما يمر به من مواقف وأحداث في حياته، فهذه يجب أن تستثمر وتستخلص منها العبر والدروس ويستفاد منها في الأحوال المستجدة.
5 -
مصاحبة الحكماء ومجالستهم من العلماء والدعاة وأهل الخبرة والتجربة ليستنير بفكرهم ويسترشد بطريقتهم وينهل من معارفهم
(1) صحيح مسلم بشرح النووي (مرجع سابق) 1/ 189.