الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة). فاحرصوا أن تكون أعمالكم على منهاج الأنبياء عليهم السلام وسنتهم، وكذلك الرياء في الأعمال يخرجه عن الاستقامة والفتور والتواني يخرجه عنها أيضا (1)
وبما أن الاستقامة هي العمل الصالح الذي هو ثمرة العلم النافع فإن المسلم إذا تعلم وعمل حصل على الخير كله والفضل والإحسان والزكاء في الدنيا والآخرة قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (2)، والعمل بالعلم هو منهج سلف الأمة الأخيار وأئمتها الأبرار، فقد روى الإمام أحمد عن أبي عبد الرحمن زيد بن خالد الجهني، قال: حدثنا من كان يقرئنا القرآن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنهم كانوا يقترئون من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات، فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل، قالوا: فعلمنا العلم والعمل (3)»
(1) المرجع السابق 2/ 112 - 113 (باختصار).
(2)
سورة فصلت الآية 33
(3)
مسند الإمام أحمد / باقي مسند الأنصار: حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم / 23482 (إسناده حسن: المسند بتحقيق الأرناؤوط: 38/ 466).
استقامة الداعي:
ولا يكون الداعية ذا شأن كبير وتأثير بالغ في الناس بدعوته ما لم يكن مستقيما على أمر ربه ملتزما بما يدعو إليه من الخير قدوة صالحة
لمدعويه في الخير، لأنه يدعو حينئذ بحاله قبل مقاله وبسلوكه قبل كلامه
واستقامة الداعية على الحق وعمله بما يعلم من الزاد الذي يتقوى به في دعوته ومن الأسباب القوية المعينة له على القيام بها ومواصلتها واستمرارها، وترك الداعية للاستقامة والعمل الصالح من أسباب فشله ونفور الناس منه ومن دعوته والإعراض عنها وتركها، فلسان حالهم ومقالهم: كيف يدعونا إلى أمر لا يعمل به؟ فلو كان خيرا لسبقنا إليه، هذا فضلا عن كون ترك العمل بالعلم مذموما شرعا ومحذرا منه في القرآن والسنة؛ يقول الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} (1){كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (2)، وقال تعالى عن بعض بني إسرائيل ذما لهم:{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (3)، ووصف الله تعالى من حمل التوراة ولم يحملها بالعمل بها بوصف منفر، فقال سبحانه:{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (4).
(1) سورة الصف الآية 2
(2)
سورة الصف الآية 3
(3)
سورة البقرة الآية 44
(4)
سورة الجمعة الآية 5
قال ابن كثير: (يقول تعالى ذاما لليهود الذين أعطوا التوراة وحملوها للعمل بها ثم لم يعملوا بها، مثلهم في ذلك كمثل الحمار يحمل أسفارا، أي كمثل الحمار إذا حمل كتبا لا يدري ما فيها، فهو يحملها حملا حسيا ولا يدري ما عليه، وكذلك هؤلاء في حملهم الكتاب الذي أوتوه حفظوه لفظا ولم يتفهموه، ولا عملوا بمقتضاه، بل أولوه وحرفوه وبدلوه، فهم أسوأ حالا من الحمير لأن الحمار لا فهم له وهؤلاء لهم فهوم لم يستعملوها، ولهذا قال تعالى في الآية الأخرى: {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (1)، وقال تعالى هاهنا {بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (2).
وأخبر تعالى عن الذي لم ينفعه علمه فلم يعمل به، واصفا إياه بالغواية فقال تعالى:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} (3){وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (4).
واستعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من العلم الذي لا ينفع وهو الذي لا يقود صاحبه إلى العمل الصالح؛ ففي صحيح مسلم عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
(1) سورة الأعراف الآية 179
(2)
سورة الجمعة الآية 5
(3)
سورة الأعراف الآية 175
(4)
سورة الأعراف الآية 176