الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وليس الصبر الممدوح صاحبه أن يكون الرجل قوي الجسد على الكد والعمل
…
ولكن أن يكون للنفس غلوبا، وللأمور متحملا، ولجأشه عند الحفاظ مرتبطا) (1)
والصبر واجب بإجماع الأمة وهو نصف الإيمان فإن الإيمان نصفان: نصف صبر ونصف شكر
وهو الجامع لكثير من الصفات الحميدة والأخلاق الفاضلة التي تقوم على حبس النفس ومنعها عن كل ما لا ينبغي فعله، وتوطينها وتعويدها وقسرها على ما ينبغي فعله من المحامد والمكارم كالعفة، والحلم، وكظم الغيظ، وكتمان السر، والزهد، والقناعة وغيرها من الأخلاق الكريمة والسجايا الحميدة التي مدارها على الصبر
…
(2)
(1) أدب الدنيا والدين /الماوردي (مرجع سابق)406.
(2)
انظر: تفسير البحر المحيط /أبو حيان الأندلسي (بيروت: دار الكتب العلمية: ط1: 1413) 1/ 624.
فضل الصبر
ولهذا جاءت أدلة شرعية كثيرة من الكتاب والسنة تأمر بالصبر وتحث عليه بأوجه متعددة منها (1)
(1) انظر: مدارج السالكين /ابن القيم (مرجع سابق) 2/ 159 - 162.
الأول: الأمر به صراحة، كما في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} (1). وقوله سبحانه: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} (2)، وقوله جل وعلا:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (3). وقوله عز وجل: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} (4).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ومن يتصبر يصبره الله (5)»
وقال النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة السوداء التي كانت تصرع فسألته أن يدعو لها: «إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك، فقالت: إني أتكشف فادع الله ألا أتكشف، فدعا لها (6)»
وأمر صلى الله عليه وسلم الأنصار رضي الله تعالى عنهم بأن يصبروا على الأثرة التي يلقونها بعده حتى يلقوه على الحوض (7)
(1) سورة البقرة الآية 153
(2)
سورة البقرة الآية 45
(3)
سورة آل عمران الآية 200
(4)
سورة النحل الآية 127
(5)
صحيح البخاري /كتاب الزكاة: باب الاستعفاف عن المسألة /1376، وصحيح مسلم /كتاب الزكاة: باب فضل التعفف والصبر /1745.
(6)
صحيح البخاري /كتاب المرضى: باب فضل من يصرع من الريح /5220، وصحيح مسلم /كتاب البر والصلة والآداب: باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن /4673.
(7)
صحيح البخاري /كتاب المساقاة: باب القطائع /2203.
وأمر عليه الصلاة والسلام بالصبر عند المصيبة وأخبر: أنه إنما يكون عند الصدمة الأولى، فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصبر عند الصدمة الأولى (1)»
الثاني: النهي عن ضده كما في قوله تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} (2). وقوله سبحانه: {فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} (3) فإن تولية الأدبار: ترك للصبر والمصابرة، وقوله جل جلاله:{وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (4) فإن إبطالها ترك الصبر على إتمامها، وقوله تعالى:{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا} (5) فإن الوهن من عدم الصبر.
الثالث: الثناء على الصبر ذاته ووصفه بأنه خير وأنه من عزائم الأمور، وربطه بالإيمان والعمل الصالح، وأنه ضياء وارتباط النصر به كما في قوله سبحانه:{وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} (6)، وقوله تعالى:{وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} (7)، وقوله تعالى {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (8)
(1) صحيح البخاري /الجنائز: باب الصبر عند الصدمة الأولى /1219، وصحيح مسلم /كتاب الجنائز: باب الصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى /1534.
(2)
سورة الأحقاف الآية 35
(3)
سورة الأنفال الآية 15
(4)
سورة محمد الآية 33
(5)
سورة آل عمران الآية 139
(6)
سورة النحل الآية 126
(7)
سورة النساء الآية 25
(8)
سورة آل عمران الآية 186
وقوله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (1)، وقوله تعالى:{يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (2)، وقوله سبحانه {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} (3).
وقال عليه الصلاة والسلام: «ما أعطي أحد عطاء خيرا له وأوسع من الصبر (5)»
وأخبر النبي في الحديث الصحيح: «أن الصبر ضياء (6)»
(1) سورة الشورى الآية 43
(2)
سورة لقمان الآية 17
(3)
سورة آل عمران الآية 17
(4)
صحيح مسلم /كتاب الزهد والرقائق: باب المؤمن أمره كله خير /5318.
(5)
صحيح البخاري /كتاب الزكاة: باب الاستعفاف عن المسألة /1376، وصحيح مسلم /كتاب الزكاة: باب فضل التعفف والصبر /1745.
(6)
صحيح مسلم /كتاب الطهارة: باب فضل الوضوء /328، وسنن الترمذي /كتاب الدعوات: باب منه /3439.
وقال عليه الصلاة والسلام: «واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثير، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرا (1)»
الرابع: الثناء على أهله ووصفهم بأفضل الأوصاف وأكملها وأنهم المنتفعون بالآيات والعبر وأنهم خيار الناس كما في قوله تعالى: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (2)، وكما في قوله تعالى لموسى:{أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} (3)، وقوله سبحانه في أهل سبأ:{فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} (4)، وقوله عز وجل في سورة الشورى:{وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} (5){إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} (6)، وعن يحيى بن وثاب عن شيخ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم إذا كان مخالطا الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط
(1) مسند أحمد /ومن مسند بني هاشم: مسند عبد الله بن عباس /2803 (إسناده صحيح: المسند بتحقيق الأرناؤوط: 5/ 19).
(2)
سورة البقرة الآية 177
(3)
سورة إبراهيم الآية 5
(4)
سورة سبأ الآية 19
(5)
سورة الشورى الآية 32
(6)
سورة الشورى الآية 33
الناس ولا يصبر على أذاهم (1)»
الخامس: بيان عاقبة الصبر وثمرته وفوائده والجزاء المترتب عليه في الدنيا والآخرة، وهذا كثير جدا في القرآن والسنة، فمن ذلك قوله تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (2){الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (3){أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (4)، وقوله سبحانه {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} (5)، وقوله تعالى {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} (6)، وقوله جل وعلا {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} (7)، وقوله تعالى:{أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا} (8)، وقوله تعالى:{أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (9)،
(1) سنن الترمذي /كتاب صفة القيامة والرقائق والورع: باب منه /2431، وسنن ابن ماجه /كتاب الفتن: باب الصبر على البلاء /4022 (صححه الألباني: صحيح سنن ابن ماجه: 3257).
(2)
سورة البقرة الآية 155
(3)
سورة البقرة الآية 156
(4)
سورة البقرة الآية 157
(5)
سورة الرعد الآية 22
(6)
سورة الرعد الآية 24
(7)
سورة المؤمنون الآية 111
(8)
سورة الفرقان الآية 75
(9)
سورة القصص الآية 54
وقوله تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1)، وقوله تعالى {قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (2)، وقوله تبارك وتعالى:{وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (3)، وقوله تعالى {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} (4) وقوله عز وجل:{وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} (5){مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا} (6)، وقوله جل وعلا:{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} (7)، وقوله سبحانه:{إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (8)، وقوله تعالى:{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} (9)،
(1) سورة النحل الآية 96
(2)
سورة الزمر الآية 10
(3)
سورة فصلت الآية 35
(4)
سورة القصص الآية 80
(5)
سورة الإنسان الآية 12
(6)
سورة الإنسان الآية 13
(7)
سورة آل عمران الآية 146
(8)
سورة آل عمران الآية 120
(9)
سورة الأعراف الآية 137