الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أثر الفتوى في تأكيد وسطية الأمة
لمعالي الشيخ: عبد الله بن محمد بن سعد آل خنين
المقدمة:
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ـ.
أما بعد:
فالفتوى لسان الشرع، والقائم بها موقع للشريعة على أفعال المكلفين، وأهلها ـ أي: المفتون ـ موقعون عن الله، وهم حملة الشرع ويرجع الناس إليهم في الحلال والحرام وغيرهما من أحكام الإسلام، يقول الله ـ تعالى ـ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (1) فالعلماء واجبة طاعتهم واتباعهم فيما يقررونه من أحكام مستفادة من الكتاب والسنة؛ فإنهم ورثة الأنبياء (2) وقد روى كثير
(1) سورة النساء الآية 59
(2)
الموافقات في أصول الشريعة 1/ 244 ـ 246، الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام 25.
ابن قيس قال: كنت جالسا مع أبي الدرداء في مسجد دمشق، فجاءه رجل فقال: يا أبا الدرداء، إني جئتك من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم لحديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما جئت لحاجة، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر (1)»
(1) أخرجه أبو داود واللفظ له 3/ 317، باب الحث على طلب العلم، وأخرجه الترمذي 5/ 48، كتاب العلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، وقال: ولا نعرف هذا الحديث إلا من حديث عاصم بن رجاء بن حيوة، وليس هو عندي بمتصل، هكذا حدثنا محمود بن خداش بهذا الإسناد، وإنما يروى هذا الحديث عن عاصم بن رجاء ابن حيوة، عن الوليد بن جميل، عن كثير بن قيس، عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أصح من حديث محمود بن خداش، ورأي محمد بن إسماعيل هذا أصح، وأخرجه ابن ماجه 1/ 81، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، وأخرجه أحمد 5/ 196، وأخرجه ابن حبان 1/ 289، وقد ذكره البخاري في:" صحيحه " بغير إسناد 1/ 37، كتاب العلم، باب العلم قبل القول والعمل.
وخطر الفتوى عظيم على المفتي والمستفتي، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أفتي بغير علم كان إثمه على من أفتاه (1)»
فـ: " الإفتاء عظيم الخطر، كبير الموقع، كثير الفضل؛ لأن المفتي وارث الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم "(2) والمفتون هم: " من دارت الفتيا على أقوالهم بين الأنام الذين خصوا باستنباط الأحكام، وعنوا بضبط قواعد الحلال والحرام، فهم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء، بهم يهتدي الحيران في الظلماء، وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وطاعتهم أفرض عليهم من طاعة الأمهات والآباء "(3)
ولأهمية الفتوى في تأكيد وسطية الأمة فقد جرى تناوله في هذا البحث، وانتظم في مقدمة وتمهيد وسبعة مباحث وخاتمة، وبيانها كما يلي:
(1) أخرجه أبو داود واللفظ له 3/ 321، باب التوقي في الفتيا، وأخرجه ابن ماجه 1/ 20، باب اجتناب الرأي والقياس، وأخرجه الحاكم 1/ 184، كتاب العلم، 1/ 215، وقال:" هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه "، وأخرجه أحمد 2/ 321، وأخرجه البيهقي 10/ 116، كتاب آداب القاضي، باب إثم من أفتى أو قضى بالجهل.
(2)
المجموع شرح المهذب 1/ 73.
(3)
إعلام الموقعين عن رب العالمين 1/ 9، وانظر: 4/ 89 من المرجع نفسه.
المقدمة:
التمهيد، وفيه بيان الوسطية في اللغة والاصطلاح.
المبحث الأول: أثر الفتوى في إقامة الدين بين المسلمين.
المبحث الثاني: أثر الفتوى في التصدي للغلو.
المبحث الثالث: أثر الفتوى في التصدي للجفاء.
المبحث الرابع: الوسطية في الفتوى.
المبحث الخامس: أثر الفتوى في انتظام أحوال المستفتي على الشرع.
المبحث السادس: أثر الفتوى في محافظة المجتمع المسلم على هويته الإسلامية.
المبحث السابع: أثر الفتوى في رسوخ الأمن في المجتمع الإسلامي.
الخاتمة، وفيها ملخص البحث.
سدد الله الخطا، ووفق للإخلاص في القول والعمل، وتقبل صالح الأعمال، وغفر سيئها لنا، ولوالدينا، وأهلينا، ولمشايخنا، ولمن له فضل علينا، ولجميع المسلمين، وأصلح عقبي، وبارك فيهم، ووفقهم لكل خير وسداد فيما يصلح دينهم ودنياهم، ويخدم أمتهم ومجتمعهم، إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير.