الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا شك أن هذا باب عظيم يحتاج فيه المفتي إلى ملكة قادرة ويقظة وافرة ودربة مساعدة وتقوى من الله وإعانة عاضدة مع ما يحصله المفتي من علم وخبرة.
المبحث الخامس:
أثر الفتوى في انتظام أحوال المستفتي على الشرع:
الإنسان خلق لعبادة الله عز وجل كما في قوله ـ تعالى ـ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1){مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} (2){إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} (3)، والعبادة فعل المأمورات شرعا، وترك المنهيات في جميع شؤون الحياة، يقول الشافعي (ت: 204هـ): " الناس متعبدون بأن يقولوا ويفعلوا ما أمروا به، وينتهوا إليه لا يجاوزونه؛ لأنهم لم يعطوا أنفسهم شيئا، إنما هو عطاء الله، فنسأل الله عطاء مؤديا لحقه وموجبا لمزيده "(4)
والمسلم يجد في الفتوى طريقا إلى معرفة أحكام دينه، وهو مأمور بالالتزام بأحكام الشرع والاعتصام بها تصحيحا لعقيدته وعبادته ومعاملاته ومناكحاته وكافة تعاملاته وطلبا لمرضاة الله عز وجل ببراءة ذمته من واجبها والفوز بالنعيم يوم القيامة.
(1) سورة الذاريات الآية 56
(2)
سورة الذاريات الآية 57
(3)
سورة الذاريات الآية 58
(4)
الرسالة 486.
يقول الله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (1).
ويقول: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} (2) وحبل الله هو الكتاب والسنة.
ويقول: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} (3) ويقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (4).
ويقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (5) فدلت هذه الآيات على وجوب التزام المسلم بهدي الكتاب والسنة والتحذير من مخالفتهما، والفتوى التزام بمقتضاهما ومن خالفها فقد خالفهما.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: «دعوني ما تركتكم، إنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم (6)»
واتباع المسلم هدي الكتاب والسنة فوز وفلاح بانتظام أحواله على
(1) سورة المائدة الآية 92
(2)
سورة آل عمران الآية 103
(3)
سورة الأعراف الآية 3
(4)
سورة الحشر الآية 7
(5)
سورة النور الآية 63
(6)
أخرجه البخاري 6/ 2658، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الشرع واطمئنان يرتسم على نفسه ومحياه، ومخالفتهما شقاء عليه في الدنيا والآخرة (1) يقول الله ـ تعالى ـ:{فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} (2){وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (3){قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا} (4){قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} (5){وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} (6) قال ابن عباس رضي الله عنهما: " ضمن الله لمن اتبع القرآن ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، ثم تلا:{فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} (7)(8)
وقال ابن كثير (ت: 774هـ) في قوله ـ تعالى: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} (9): " أي: ضنكا في الدنيا، فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرج لضلاله وإن تنعم ظاهره ولبس ما شاء وأكل ما شاء وسكن حيث شاء؛ فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشك، فلا يزال في ريبه يتردد، فهذا ضنك المعيشة "(10)
(1) تفسير القرآن العظيم 3/ 177.
(2)
سورة طه الآية 123
(3)
سورة طه الآية 124
(4)
سورة طه الآية 125
(5)
سورة طه الآية 126
(6)
سورة طه الآية 127
(7)
سورة طه الآية 123
(8)
أخرجه ابن أبي شيبة 7/ 136.
(9)
سورة طه الآية 124
(10)
تفسير القرآن العظيم 3/ 177.