الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سائلا، يقابل الجفاء بالحلم ورحابة الصدر، رحمه الله تعالى وأعلى منزلته.
سادسا: القدوة
القدوة الحسنة هي المثال الحي للسلوك الأمثل في الحياة، وهي الترجمة الواقعية للقيم والأخلاق والآداب.
ولأهمية القدوة وأثرها العميق في تقوية العزائم، وبعث النفوس على سلوك سبيل الخير والاستقامة عليه، جاء التوجيه إلى الاقتداء في كتاب الله عز وجل؛ فقد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالتأسي بمن سبقه من الأنبياء في قيامهم بأمر الله عز وجل، وصبرهم على صنوف الأذى في سبيله، فقال تعالى:{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} (1)، وقال تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} (2).
كما وجه الله تعالى الأمة إلى الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يجعلوا من أقواله وأعماله وسنته معيارا لما يقرب إلى الله عز وجل، وينال به الأجر والثواب منه، فقال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (3).
(1) سورة الأحقاف الآية 35
(2)
سورة الأنعام الآية 90
(3)
سورة الأحزاب الآية 21
وفي القدوة الصالحة برهان على يسر أعمال الخير والبر، وكشف عن عظيم نفعها، وسمو أهلها.
والعالم الصادق الناصح هو من يقود الآخرين بهديه وسلوكه قبل قوله ومنطقه، وهو بذلك أكثر إقناعا بما يدعو إليه من الحديث عنه والثناء عليه.
وقد ذم الله تعالى من يخالف قوله فعله، فقال تعالى:{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (1).
قال ابن سعدي – رحمه الله: «فالعقل يحث صاحبه أن يكون أول فاعل لما يأمر به وأول تارك لما ينهى عنه، فمن أمر غيره بالخير ولم يفعله، أو نهاه عن الشر فلم يتركه، دل على عدم عقله وجهله، خصوصا إذا كان عالما بذلك قد قامت عليه الحجة، والآية عامة لكل أحد»
ومما جاء في الوعيد فيمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ثم يخالف قوله فعله، ما روى أسامة بن زيد – رضي الله عنهما – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب8 بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه
(1) سورة البقرة الآية 44
أهل النار فيقولون: يا فلان ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه (1)»
وتتجسد الأسوة الحسنة في حياة الأمة المسلمة بعلمائها العاملين، الذين يخشون الله، ويبلغون رسالته، وينصرون دينه، ويجاهدون في سبيله، ويصبرون على الأذى رجاء ثوابه.
ولقد كان الشيخ ابن باز – رحمه الله – من العلماء الربانيين الذين يقومون بمسؤولياتهم، وينهضون بما استحفظوا من الدين، وما أوتوا من العلم؛ ينظر في أحوال الناس، ويتحسس عقائدهم وعباداتهم وأخلاقهم، ويحيي بينهم السنن، ويحذر من البدع، ويجتهد في التبليغ، مع الرفق في الخطاب، واللين في الإرشاد، يدعو إلى الخير ويسارع إليه، ويحذر من الشر ويتباعد عنه، ويعين على الحق، وينصح للخلق، مع تحري السنة، والاجتهاد في العبادة، والاستقامة على مكارم الأخلاق، داعيا بفعله، ومربيا وهاديا بسلوكه وسمته.
فكان – بحق – إماما يقتدى به، وعلما يهتدي به من وراءه.
(1) أخرجه مسلم، في الزهد، باب عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله (7408).