الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول:
أثر الفتوى في إقامة الدين بين المسلمين:
إقامة الدين والمحافظة عليه جلبا للمصلحة ودفعا للمفسدة أحد الضروريات التي جاء الشرع بالمحافظة عليها (1)
والإسلام هو دين الأمة المسلمة التي تدين به، وهو خاتم الأديان، ورسولها خاتم الرسل، والإسلام نظام الأمة، وعليها عصبتها واجتماع كلمتها وانتظام أحوالها في شؤونها كلها، وأحكامه جارية على الفرد والأسرة والمجتمع والدولة.
والإسلام عقيدة وعبادة وشريعة تشمل كافة المعاملات والأنكحة والجنايات والجزاءات وأحكام القضاء والتقاضي وعلاقة الدولة بالفرد والمجتمع، وعلاقة الدولة المسلمة بغيرها من الدول والأمم الأخرى، وهو مع ذلك جهاد، وأمر بمعروف إذا ظهر تركه، ونهي عن منكر إذا ظهر فعله، فما من حركة ولا سكون يدعى إلا والشريعة حاكمة عليه إفرادا وتركيبا، يقول الله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (2) والأمة في حاجة إلى الفتوى لإقامتها على منهج الله - تعالى -، وإذا لم يكن بد من الأطباء في المجتمع لطب الأبدان ليقضوا على المرض وأسبابه أو مداواته لتخف
(1) انظر تفصيل ذلك في كتاب: " المقاصد العامة للشريعة الإسلامية " 203 ـ 270.
(2)
سورة المائدة الآية 3
وطأته على المريض ولا يمكن لغير الأطباء أن يحلوا محل الأطباء في مراجعة كتب الطب لمعالجة أنفسهم أو غيرهم، فمن باب أولى ألا يطب الناس في عباداتهم ومعاملاتهم ومناكحاتهم وكافة أحوالهم الشرعية إلا أهل الفتوى، يقول ابن تيمية (ت: 728هـ): " والشرع طب القلوب، والأنبياء أطباء القلوب والأديان "(1) فكما أن الإنسان إذا ترك من غير علاج فإن المرض يؤذيه أو يهلكه فكذا إذا ترك من غير إفتاء ولا توجيه في شؤون عباداته ومعاملاته وأنكحته وغيرها فإنه يضل ويهلك، فكان لا بد للمجتمع من الفتوى وأهلها لإقامة دين الله في المجتمع الإسلامي حماية للعقيدة وإيضاحا للشريعة، وقد أمر الله عز وجل بتفقه طائفة من الأمة لينذروا قومهم وليفقهوهم في دينهم، يقول الله تعالى:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (2) يقول ابن القيم (ت: 751هـ): " حاجة الناس إلى الشريعة ضرورية فوق حاجتهم إلى كل شيء، ولا نسبة لحاجتهم إلى علم الطب إليها، ألا ترى أن أكثر العالم يعيشون بغير طبيب "(3)
(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 34/ 210.
(2)
سورة التوبة الآية 122
(3)
مفتاح دار السعادة 2/ 2.