الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعا: القوة في الحق مع الرفق واللين
إن صدق الإيمان وقوته، وكمال العلم ورسوخه يضفيان على صاحبهما قوة دافعة تظهر في أعماله كلها؛ فإذا فكر كان مطمئنا، وإذا تكلم كان واثقا، وإذا عمل كان ثابتا، يأخذ تعاليم الدين بقوة {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} (1)، وتتجلى فيه الخيرية التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:«المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير» . .» (2)
ومن جوانب القوة في الراسخ في العلم، القوي الإيمان، القوة في بيان الحق والصدع به، فهو يبتعد عن المداهنة المذمومة، فلا يجامل أو يصانع على حساب الحق، ولا تأخذه في الله لومة لائم.
وهي قوة مقرونة بالصدق والإخلاص، ومحاطة بالنصح، ولذا فهي تبتعد عن مشاعر الشماتة أو قصد التشهير، كما تأتي بأسلوب الرفق واليسر واللين.
ولقد كانت القوة في الحق من أجل خصال الشيخ ابن باز – رحمه الله – فهو «من أشد الناس غيرة على حقائق الوحي، واستمرارها سليمة من كل شائبة، وفي طبعه النفور من كل شذوذ عن هذا السنن، فإذا سمع أي شيء من ذلك لم يلبث أن ينهض للتعقيب عليه بما يبين وجه الحق،
(1) سورة البقرة الآية 63
(2)
أخرجه مسلم، في القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز والاستهانة، رقم (2264).
ولكن لا يتجاوز في أي كلام له نطاق الحكمة والموعظة الحسنة، مع أتم المراعاة لمشاعر الجانب المخالف.
فهو لا يعرف المهادنة لأي شذوذ عن مهيع الحق، ولكن في أسلوب التبليغ يقدم اللين واليسر والبعد عن كل تنفير» (1)
هذا هو الأصل الأصيل عن الشيخ ابن باز – رحمه الله، القوة في الحق، مع الأخذ بالرفق في بيانه والدعوة إليه، يفعل ذلك حتى مع الأخطاء الكبيرة إذا صدرت عن جهل أو خطأ (2)؛ لأن الغاية بيان الحق، وتأليف القلوب عليه، وترغيبها في قبوله والانقياد له.
إلا أنه إذا عرف من المخالف الظلم والبغي والسعي في الفساد، فإنه يجافي اللين، فتأتي كلماته – في بيان حكم الشرع – قوية مدوية تعبر بصدق عن عظيم غيرته على دين الله، وتعظيمه لشرعه، صريحة تفضح المفسدين، وتكبت الضالين الذين يجاهرون بالفساد، ويزينون للناس سبل الغواية.
فمن ذلك أنه لما نشر في بعض الصحف المحلية مقال يتضمن الاعتراض على شريعة الله عز وجل، بالطعن في قوامة الرجال على النساء، وعلى وصف النساء بنقصان العقل والدين، نهض – رحمه الله – لمدافعة هذا الباطل.
ومما قال: «ولقد دهشت لهذا المقال الشنيع، واستغربت جدا
(1) محمد المجذوب، علماء ومفكرون عرفتهم (1/ 96).
(2)
انظر: شواهد لذلك (1/ 146، 403)(2/ 173)(8/ 333).
صدور ذلك في مهبط الوحي، وتحت سمع وبصر دولة إسلامية تحكم الشريعة، وتدعو إليها، وعجبت كثيرا من جرأة القائمين على هذه الجريدة حتى نشروا هذا المقال الذي هو غاية في الكفر والضلال، والاستهزاء بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والطعن فيهما، وليس هذا ببدع من القائمين على هذه الصحيفة، فقد عرفت بنشر المقالات الداعية إلى الفساد والإلحاد والضرر العظيم على المجتمع، كما عرفت بالحقد على علماء الإسلام والاستطالة في أعراضهم والكذب عليهم، لأنه ليس لدى القائمين عليها وازع إيماني، ولم تردع بوازع سلطاني، فلهذا أقدمت على ما أقدمت عليه من الكفر والضلال في هذا المقال الذي لا يقوله ولا ينشره من يؤمن بالله واليوم الآخر، ولا يقوله وينشره من يحترم كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم» (1)
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (3/ 165).
(2)
المرجع السابق (3/ 168 - 169). وانظر: (2/ 403)، (3/ 229، 268)، (4/ 206)، (6/ 326)، (8/ 196).