الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأهم هذه الفضائل؛ الصدق، والإخلاص، والنصح، والقوة في الحق مع الرفق في البيان، والوضوح، والتواضع، والقدوة، وهي فضائل خلقية واسعة الأثر إلا أن الحديث عنها سيكون من خلال صلتها بالحياة العلمية، وأثرها في استنهاض همة العالم ليقوم بمسؤولياته، وتبليغ ما يحمله من العلم.
والحديث في هذا المبحث هو عن تلك الفضائل السابقة، مع بيان مدى تمثل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله تعالى – لها، وسيره وفق مدلولاتها.
أولا: الصدق والإخلاص
يعرف الصدق بأنه مطابقة القول الضمير والمخبر عنه معا، وأصله في القول، ويستعمل في الاعتقاد، كقولهم صدق ظنه، وفي أعمال الجوارح، نحو صدقوا القتال
والصدق رأس الفضائل، وأساس مكارم الأخلاق، أمر الله به في كتابه، وأثنى على المتصفين به، فقال سبحانه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (1)، وحث عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبر أنه الباعث على كل خير والموصل إلى منازل الأبرار، فقال عليه الصلاة
(1) سورة التوبة الآية 119
والصدق دليل الاستقامة وعنوان الفلاح، ومتى عرف المرء بالصدق وثق الناس بقوله، وانتفعوا بنصحه، وارتفع بينهم قدره.
وأما الإخلاص فحقيقته أن يعمل الإنسان العمل لا يريد به إلا وجه الله، ولا ينتظر من غيره جزاء ولا شكورا
والإخلاص شرط لقبول الأعمال وترتب الثواب عليها، «فالأعمال الصالحة كلها إذا وقعت من المرائين فهي باطلة لفقدها الإخلاص الذي لا يكون العمل صالحا إلا به» (2) قال تعالى:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (3)، قال
(1) أخرجه البخاري ومسلم، البخاري في الأدب، باب قول الله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) رقم (6094)، ومسلم في البر والصلة، باب قبح الكذب، وحسن الصدق وفعله، رقم (2606، 2607).
(2)
ابن سعدي، القواعد والأصول الجامعة ص28.
(3)
سورة الكهف الآية 110
ابن كثير – رحمه الله –: «قوله: (فليعمل عملا صالحا) ما كان موافقا لشرع الله، (ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) وهو الذي يراد به وجه الله عز وجل لا شريك، وهذان ركنا العمل المتقبل، لا بد أن يكون خالصا لله عز وجل، صوابا على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم» (1)
ولقد كان لهذين الخلقين شأن كبير عند الشيخ ابن باز – رحمه الله؛ تمثلا لهما، ودعوة إليهما، وترغيبا فيهما، وبيانا لأثرهما فيمن استقام عليهما.
فعند حديثه عن مسؤولية طالب العلم في مجتمعه، يؤكد لزوم أخذه بهذين الخلقين، لأنه يبلغ عن الله تعالى أمره ونهيه، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم سنته، ولذا يجب أن يكون قصد سعيه وجه الله والدار الآخرة، لا حمد الناس، ولا مراءاتهم، ولا عرضا من الدنيا (2) كما قال تعالى:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (3).
كما يتعين عليه الصدق في الأقوال والأعمال، وفي التبليغ والبيان، فلا يكتم شيئا مما علم، ولا يقول على الله بغير علم (4)
ومتى استقام طالب العلم على هذين الخلقين كان له بالغ الأثر فيمن يتصل به، وتعاظم انتفاع الناس بما صدر عنه.
(1) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم (3/ 103).
(2)
ابن باز، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (4/ 236 – 237).
(3)
سورة فصلت الآية 33
(4)
ابن باز، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (7/ 223 – 227).
ويقول: «فالداعي إلى الله سبحانه الصادق المخلص له البشرى بالخير، والعزة والكرامة وحسن العاقبة» (2)
وأما عن تمثله لهذين الخلقين الكريمين؛ أما الصدق فلا يعرف سواه، لا مع الكبير ولا مع الصغير، لا في المحبوب ولا في المكروه، كما كان – رحمه الله – صريحا في قوله، وفي رده، وفي جوابه. . وكان لا يرضى بديلا عن الصدق والوضوح مهما كان الأمر. (3)
وأما الإخلاص فأمره إلى الله تعالى، ولكن غاية ما هنالك أن تظهر أماراته، ويلمس أثره، ومن علاماته في العالم؛ تعظيمه لنصوص الشرع، وتحريه للسنن قولا وعملا، واتباعه مناهج سلف الأمة في العقيدة والعبادة والأخلاق والسلوك، والاجتهاد في تبليغ العلم ونشره، والدعوة
(1) المرجع السابق (3/ 114).
(2)
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (7/ 239).
(3)
انظر: حمد بن إبراهيم الشتوي، الإبريزية في التسعين البازية ص30 – 31.