الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: مرتكب الكبيرة عند المرجئة
الكبيرة هي ما توعد عليه بغضب، أو لعنة، أو رتب عليه عقاب في الدنيا، أو عذاب في الآخرة (1)
والمشهور عند المرجئة في مرتكب الكبيرة أنه مؤمن كامل الإيمان، إيمانه مثل إيمان الأنبياء، وإن كان معرضا للوعيد، مستحقا للعقاب
وهذا المعتقد عند المرجئة في مرتكب الكبيرة مبني على أصلهم البدعي أن الإيمان شيء واحد، ومن ثم فهو باق على حاله لا يتغير بارتكاب المعصية (2)
وهذه المقالة قال بها من سلك سبيل الإرجاء من الجهمية، والفقهاء
وقد خالف في هذا فريق من المرجئة، يسمون الواقفة، وأشهر من
(1) انظر: فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم 2/ 54، والتوضيح 75، وفتح المجيد 418.
(2)
انظر: التوضيح 129، ومصباح الظلام 592 - 593، وراجع: الفتاوى 7/ 223، 403.
يمثلهم القاضي أبو بكر الباقلاني الأشعري، وهؤلاء يقولون: لا نعلم أن أحدا من أهل القبلة من أهل الكبائر يدخل النار، بل يجوز أن يدخلها جميع الفساق، ويجوز أن لا يدخلها أحد منهم، ويجوز دخول بعضهم.
ويقولون: من أذنب وتاب لا نقطع بقبول توبته، بل يجوز أن يدخل النار، فهم يقفون في هذا كله، ولهذا سموا الواقفة
وينسب إلى بعض المرجئة التكذيب بالعقاب بالكلية، وأنه لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة
وقد اعتمد المرجئة على ما جاء من نصوص الوعد (1) وحملوا ما يقابلها من نصوص الوعيد على أن المقصود منها الزجر والوعيد دون حقيقة النفي (2)
هذه هي جملة مخالفات المرجئة في مسألة الفاسق، وهي متعلقة باسمه وحكمه، وبموقفهم من نصوص الوعد والوعيد.
فأما احتجاجهم بنصوص الوعد، ودعواهم أن الإيمان شيء واحد،
(1) انظر: الدرر السنية 13/ 74، 225، ومسائل لخصها الإمام 136 - 137.
(2)
انظر: التوضيح 130، 131.
فسيأتي بعون الله نقض ذلك في فصل مستقل أثناء نقض حججهم.
وأما تسميتهم لمرتكب الكبيرة باسم الإيمان، ودعواهم أنه كامل الإيمان، فإن هذا مخالف لما دلت عليه النصوص من أن مرتكب الكبيرة لا يسلب عنه اسم الإيمان على الإطلاق، ولا يعطاه على الإطلاق، بل يقال: هو مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن عاص، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وعلى هذا يدل الكتاب، والسنة، وإجماع سلف الأمة
ثم إن توقف الواقفة من المرجئة في قبول توبة التائب مخالف لما دلت عليه النصوص، كقول النبي صلى الله عليه وسلم:«النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب (1)» وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر (2)» وغير ذلك من النصوص الدالة على أن الذنب والوعيد لا يلحق من تاب توبة نصوحا
(1) رواه مسلم 6/ 334 رقم 934.
(2)
رواه الإمام أحمد في المسند 10/ 300 رقم 6160، والترمذي في الجامع: 9/ 192 رقم 3531، وابن ماجه في السنن: 2/ 438 رقم 4307.
وقد تواترت النصوص على أن من أهل الكبائر من يدخل النار، ويمكثون فيها على قدر ذنوبهم، ثم يخرجون منها كقول النبي صلى الله عليه وسلم «أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه من الخير ما يزن برة (1)» وفي لفظ «شعيرة (2)» وفي لفظ «ذرة (3)» وفي لفظ «حبة خردل من إيمان (4)»
وأما دعوى المرجئة أن الوعيد في النصوص محمول على الزجر دون الحقيقة، فهو من التأويلات المستكرهة التي تخرج هذه النصوص عن ظاهرها والمقصود منها، وهو خلاف ما عليه أهل الحق من إبقائها على ظاهرها، وتأويلها تأويلا لا يخرجها عن مقصودها، مع الجمع بينها وبين غيرها مما يفيد القطع بأن الموحد لا يخلد في النار
(1) رواه مسلم 3/ 73 رقم 193.
(2)
رواه مسلم 3/ 60 رقم 191.
(3)
رواه مسلم 3/ 73 رقم 193.
(4)
رواه البخاري: كتاب الإيمان، باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال 1/ 91 رقم 22، ومسلم 3/ 45 رقم 184.