الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحجة الضرورة، وكل ذلك إفك من القول وزور (1)
فهذه الفتاوى وأشباهها ممن يقوم المفتون فيها بالدور السلبي بمخالفة الكتاب والسنة وسلب الأمة من هويتها الإسلامية، وإخراجها من وسطيتها التي أراد الله لها.
فكان للفتاوى الملتزمة هدي الكتاب والسنة أثرها الإيجابي في محافظة الأمة على هويتها الإسلامية بالتزامها بالوسطية على نحو ما سلف ذكره.
(1) مباحث في أحكام الفتوى 153 - 156.
المبحث السابع:
أثر الفتوى في رسوخ الأمن في المجتمع الإسلامي:
لقد خلق الله الإنسان وكرمه، يقول الله - تعالى -:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (1) وقد جعل الله اجتماع الإنسان بغيره وحاجته إليه مما لا يمكن دفعه، وعند اجتماع الإنسان بغيره يحتاج إلى الانتظام وحسن التعايش والطمأنينة على حقوقه، فلا يعتدي أحد على أحد، في عرض أو مال أو دم، كما تصان الحقوق العامة مما شرعه الله عز وجل لانتظام أحوال المسلمين وحسن تعايشهم وسلامة مجتمعهم، وتحقيق ذلك هو
(1) سورة الإسراء الآية 70
الأمن الذي هو مطلب لكل أمة، وقد جاء القرآن الكريم والسنة المشرفة ببيان أهمية الأمن، ففي دعاء إبراهيم عليه السلام ربه قوله:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} (1)، وامتن الله - تعالى - على أهل البلد الحرام بالأمن فقال:{أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} (2)، وعن سلمة بن عبيد الله بن محصن الخطمي عن أبيه - وكانت له صحبة - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا (3)»
فالصحة في الأبدان، والأمن في الأوطان من أعظم النعم على الإنسان.
وأمن المجتمع يتحقق بحراسة الدين وسياسة الدنيا به، وذلك يدور على حفظ الضروريات الخمس من الدين والعقل والنفس والعرض والمال في جانب الوجود بتزكيتها وترقيتها، وفي جانب العدم بحمايتها من الفناء والزوال.
والفتاوى الرشيدة الملتزمة بمنهج الوسطية في الفتوى والتي تنطق بما نطق به الكتاب والسنة على وفق منهج السلف الصالح تدعم هذا الاتجاه
(1) سورة إبراهيم الآية 35
(2)
سورة القصص الآية 57
(3)
أخرجه الترمذي 4/ 574، وقال:«هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث مروان بن معاوية» ، وأخرجه ابن ماجه واللفظ لهما 2/ 1387، كتاب الزهد، باب القناعة، وأخرجه ابن حبان 2/ 445.
وتقويه، فيذعن الجميع لنداء الحق ويسعى لتحقيقه، ولا يجترئ على مخالفته، وإذا وجد من زلت به القدم عن تهاون وكسل أو ضعف متعمد فإن عين الولاية عليه مقومة عن طريق الاحتساب بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتقرير الحقوق وإقامة الحدود وفق هدي الكتاب والسنة، فتجد لدى أبناء المجتمع الواحد عفة في القول وأمانة في المعاملة، وإقامة لفرائض الدين، واحتراما للحقوق، وصلة في الروابط الاجتماعية، والمراقبة الذاتية لكل فرد في المجتمع من قبل نفسه، واستنكارا للفاحشة، واستحياء من ترك الفرائض وامتناعا عن مقارفة الجريمة، والاكتفاء بما أحل الله لهم، والامتناع عما حرم الله عليهم، وبذلك يحقق المجتمع العبودية لله، وينتشر الأمن بين أفراده، ويحسن التعايش بينهم، وينعم بالأمن في ربوع أوطانهم، يقول الله:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (1).
(1) سورة النور الآية 55