الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستدل أصحاب القول الثالث القائلون بأنه
يكره لبس الثوب المتشبع بالحمرة
دون ما كان صبغه خفيفًا.
بما روي عن علي وابن عمر رضي الله عنهم، وكما يلي:
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: «نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقول نهاكم - عن التختم بالذهب، وعن لبس القسي، ولبس المفدم» (1).
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الميثرة، والقسية، وحلقة الذهب والمفدم» (2)(3).
(1) المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم ج: 2 ص: 95. سنن البيهقي الكبرى 5/ 61. السنن الكبرى 1/ 217. سنن النسائي المجتبى 2/ 188. فتح الباري لابن حجر 10/ 306. التمهيد لابن عبد البر 16/ 131. تحفة الأحوذي للمباركفوري 5/ 321. مسند أبي يعلى 1/ 451. وفي حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2/ 59: والمفدم- بضم الميم، وسكون الفاء، وفتح الدال المهملة - القوي الصبغ، الذي رد في العصفر مرة بعد أخرى اهـ. وتقدم في مراجع المالكية.
(2)
صحيح البخاري النكاح (5175)، صحيح مسلم اللباس والزينة (2066)، سنن الترمذي الأدب (2809)، سنن النسائي الجنائز (1939)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 287).
(3)
مجمع الزوائد 5/ 145. والقسية: ثياب مضلعة من إبريسم يجاء بها من مصر، والمفدم المشبع بالمعصفر، قلت: روى منه ابن ماجه (النهي عن المفدم وحلقة الذهب) رواه أحمد، وفيه يزيد بن عطاء اليشكري، وهو ضعيف. سنن ابن ماجه 2/ 1191. مصنف بن أبي شيبة 5/ 159. التمهيد لابن عبد البر ج: 16 ص: 123 قال أبو عمر: المفدم عند أهل اللغة المشبع حمرة، والمورد دونه في الحمرة، كأنه - والله أعلم - مأخوذ من لون الورد، وأما الممشق: فطين أحمر يصبغ به هو المغرة أو شبهها، يقال للثوب المصبوغ به ممشق. اهـ شرح سنن ابن ماجه ج: 1 ص: 257: المفدم - بفاء ودال مهملة- هو الثوب المشبع حمرة، كأنه الذي لا يقدر على الزيادة عليه لتناهي حمرته، فهو كالممتنع من قبول الصبغ.
ولم يستدل صاحبا القول الرابع: ابن عباس ومالك رضي الله عنهما القائلان بأنه يكره لبس الأحمر مطلقًا لقصد الزينة والشهرة، ويجوز في البيوت والمهنة (1)
وأما صاحب القول الثامن الطبري القائل بجواز لبس الثياب المصبغة بكل لون، إلا أني لا أحب لبس ما كان مشبعًا بالحمرة، ولا لبس الأحمر مطلقًا ظاهرًا فوق الثياب فإنه استدل بما يلي:
قال الطبري: لكونه ليس من لباس أهل المروءة في زماننا، فإن مراعاة زي الزمان من المروءة ما لم يكن إثمًا، وفي مخالفة الزي
(1) فتح الباري ج: 10 ص: 304: ورخص مالك في المعصفر والمزعفر في البيوت وكرهه في المحافل. اهـ. وقال: وقد كره المعصفر جماعة من السلف، ورخص فيه جماعة، وممن قال بكراهته من أصحابنا الحليمي، واتباع السنة هو الأولى. اهـ
ضرب من الشهرة (1)(2)
(قلت): لعلي أستطيع أن أستدل لابن عباس ومالك وللطبري رضي الله عنهم أيضًا بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حذر من الشهرة فقال: «إن الشيطان يحب الحمرة، فإياكم والحمرة، وكل ثوب ذي شهرة» أخرجه الحاكم في الكنى، وأبو نعيم في المعرفة، وابن قانع، وابن السكن، وابن منده، وابن عدي (3)
وجه الدلالة: هي أن الشيطان يحب الشهرة، فتجب مخالفته في ذلك.
(قلت): وأيضًا لعله نظر إلى أن الشهرة مذمومة عند الفقهاء ففي تفسير ابن كثير باب بين فيه كراهة السلف للشهرة فقد قال:
باب ما جاء في الشهرة (4)
عن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «حسب امرئ من الشر - إلا من عصم الله - أن يشير الناس
(1) المرجعان أعلاه
(2)
المرجعان أعلاه ') ">
(3)
نيل الأوطار للشوكاني 2/ 91. وتقدم أنه ضعيف فتح الباري لابن حجر 10/ 306. ') ">
(4)
شعب الإيمان للبيهقي 5/ 324 - 370 باب الإخلاص، ذكر الكثير من الأحاديث والآثار التي تبين خطر الشهرة والرياء، منها ما هو هنا ومنها ما لا يوجد هنا.
إليه بالأصابع في دينه ودنياه، وإن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن إلى قلوبكم وأعمالكم» (1). وروي مثله عن جابر بن عبد الله مرفوعًا.
وعن علي رضي الله عنه قال: لا تبدأ لأن تشتهر، ولا ترفع شخصك لتذكر، وتعلم واكتم واصمت تسلم، تسر الأبرار، وتغيظ الفجار، وقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله ما صَدَق اللهَ من أحبَّ الشهرة.
وقال أيوب: ما صدق الله عبد إلا سره ألاّ يُشعر بمكانه.
وقال محمد بن العلاء: من أحب الله أحب ألاّ يعرفه الناس.
وقال سماك بن سلمة: إياك وكثرة الأخلاء.
وقال أبان بن عثمان: إن أحببت أن يسلم إليك دينك، فأقل من المعارف.
وكان أبو العالية إذا جلس إليه أكثر من ثلاثة نهض وتركهم.
وقال عن أبي رجاء قال: رأى طلحة قومًا يمشون معه، فقال ذبابُ طمَع وفَراشُ النار.
وعن سليم بن حنظلة قال: بينا نحن حول أبي إذ علاه عمر بن الخطاب بالدرة، وقال: إنها مذلة للتابع، وفتنة للمتبوع.
وعن الحسن قال: خرج ابن مسعود فاتبعه أناس، فقال: والله لو تعلمون ما أغلق عليه بابي ما اتبعني منكم رجلان.
(1) صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2564).
وقال حماد بن زيد: كنا إذا مررنا على المجلس ومعنا أيوب رُدُّوا رَدَّا شديدًا، فكان ذلك يغمه.
وقال عبد الرزاق عن معمر: كان أيوب يطيل قميصه، فقيل له في ذلك، فقال: إن الشهرة فيما مضى كانت في طول القميص، واليوم في تشميره، واصطنع مرة نعلين على حذو نعلي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلبسهما أيامًا ثم خلعهما وقال: لم أر الناس يلبسونهما.
وقال إبراهيم النخعي: لا تلبس من الثياب ما يشهرك (1) في الفقهاء، ولا ما يزدريك السفهاء.
وقال الثوري: كانوا يكرهون من الثياب الجياد التي يشتهر بها، ويرفع الناس إليه فيها أبصارهم، والثياب الرديئة التي يحتقر فيها ويستذل دينه.
وفي بعض الأخبار، أن موسى عليه السلام قال لبني إسرائيل: ما لكم تأتوني عليكم ثياب الرهبان وقلوبكم قلوب الذئاب؟ البسوا ثياب الملوك وألينوا قلوبكم بالخشية
فهذه الأحاديث والآثار كلها تحذر من الشهرة، غير ناظرة إلى هل
(1) في الكتاب: ما يشهر. ') ">