الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الملحق الثاني
كَلامُ الشَّوكَانِيِّ
في ((نَيْل الأوْطَار))
ومناقشة أبي الحسنات اللّكْنَوِيّ له:
قال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (1) عقب شرح أحاديث (باب ما جاء في قراءة المأموم وإنصاته إذا سمع إمامه) من (منتقى الأخبار) للمجد ابن تيمية:
فائدة: قد عرفت - مما سلف- وجوبَ الفاتحة على كل إمام ومأموم في كل ركعة، وعرَّفناك أن تلك الأدلة صالحة للاحتجاج بها على أن قِرَاءَة الفاتحة من شروط صحة الصلاة، فمن زعم أنها تصحُّ صلاة من الصلوات، أو ركعة من الركعات بدون فاتحة الكتاب، فهو محتاج إلى إقامة برهان يخصِّص تلك الأدلة.
ومن هاهنا يتبيَّن لك ضعف ما ذهب إليه الجمهور: أن من أَدْرَكَ الإمام راكعًا، دخل معه واعتدَّ بتلك الركعة، وإن لم يدرك شيئا من
(1) انظر: ((نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار))، للشيخ محمد بن علي الشوكاني: 2/ 244 - 246، (طبعة مكتبة مصطفى البابي الحلبي بمصر) و 3/ 67 - 68 (طبعة مكتبة الكليات الأزهرية).
القِرَاءَة.
واسْتَدَلُّوا على ذلك بحديث أبي هريرة: «من أَدْرَكَ الرُّكوعَ من الرَّكعةِ الأخَيرةِ في صَلاتهِ يومَ الجمُعَةِ فلْيُضِفْ إليها رَكْعَةً أُخْرَى» رواه الدَّارَقُطْنيُّ من طريق ياسين بن معاذ، وهو متروك. وأخرجه الدَّارَقُطْنِيُّ بلفظ:«إذا أَدْرَكَ أحدُكُم الرَّكعتَيْنِ يومَ الجمعةِ فقد أَدْرَكَ، وإذا أَدْرَكَ ركعةً فليركعْ إليها أخرى» ولكنه رواه من طريق سليمانَ بنِ داود الحرَّاني ومن طريق صالح بن أبي الأخضر، وسليمان: متروك، وصالح: ضعيف.
على أن التقييد بالجمعة في كلتا الروايتين مُشْعِرٌ بأن غير الجمعة بخلافها، وكذا التقييد بالركعة في الرواية الأخرى يدل على خلاف المدعى؛ لأن الركعة حقيقة لجميعها، وإطلاقها على الركوع وما بعده مجاز لا يصار إليه إلا لقرينة، كما وقع عند مسلم من حديث البراء بلفظ:«فوجدت قيامه فركعته فاعتداله فسجدته» (1) فإن وقوع الركعة في مقابلة القيام والاعتدال والسجود قرينة تدل على أن المراد بها الركوع.
وقد ورد حديث: «من أَدْرَكَ ركعة من صلاة الجمعة» بألفاظ لا تخلو طرقها عن مقال حتى قال ابن أبي حاتم في ((العلل)) عن أبيه: لا أصل لهذا الحديث، إنما المتن: «من أَدْرَكَ من الصلاة
(1) صحيح البخاري الأذان (820)، صحيح مسلم الصلاة (471)، سنن الترمذي الصلاة (279)، سنن النسائي السهو (1332)، سنن أبي داود الصلاة (854)، مسند أحمد (4/ 298)، سنن الدارمي الصلاة (1334).
ركعة فقد أَدْرَكَها» (1) وكذا قال الدارقطني والعقيلي، وأخرجه ابن خزيمة عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ:«من أَدْرَكَ ركعة من الصلاة فقد أَدْرَكَها قبل أن يقيم الإمام صلبه» وليس في ذلك دليل لمطلوبهم؛ لما عرفتَ من أنَّ مسمَّى الركعة: جميعُ أذكارها وأركانها حقيقة شرعية وعرفية، وهما مقدَّمتان على اللغوية كما تقرر في الأصول، فلا يصحُّ جَعْلُ حديثِ ابن خزيمة وما قَبْله قرينةً صارفةً عن المعنى الحقيقيِّ.
فإن قلتَ: فأيُّ فائدةٍ على هذا في التقييد بقوله: "قبل أن يقيم صلبه"؟.
قلتُ: دفعُ توهُّمِ أنَّ من دخل مع الإمام ثم قرأ الفاتحة وركع الإمام قبل فراغه منها غير ُدْركٍ.
إذا تقرر لك هذا، علمتَ أنَّ الواجب الحمل على الإدراك الكامل للركعة الحقيقية؛ لعدم وجود ما تحصل به البراءة من عهدة أدلة وجوب القيام القطعية وأدلة وجوب الفاتحة
وقد ذهب إلى هذا: بعضُ أهل الظاهر، وابنُ خزيمة، وأبو بكر الصِّبْغِيُّ، وروى ذلك ابنُ سيِّد النَّاس في ((شرح الترمذي)) وذكر فيه حاكيًا عمَّن روى عن ابن خزيمة أنه احتج لذلك بما روي عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من أَدْرَكَ الإمام في
(1) صحيح البخاري مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ (580)، صحيح مسلم الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ (607)، سنن الترمذي الْجُمُعَةِ (524)، سنن النسائي الْمَوَاقِيتِ (555)، سنن أبي داود الصَّلَاةِ (893)، سنن ابن ماجه إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَالسُّنَّةِ فِيهَا (1122)، مسند أحمد (2/ 280).
الركوع فلْيرْكَعْ معه، وليُعِدِ الرَّكعة».
وقد رواه البخاري في ((القِرَاءَة خَلْفَ الإمَامِ)) من حديث أبي هريرة أنه قال: «إن أَدْرَكَت القوم ركوعا لم تعتدَّ بتلك الركعة» قال الحافظ ابن حجر: وهذا هو المعروف عن أبي هريرة موقوفًا، وأمَّا المرفوعُ فلا أصلَ له.
وقال الرَّافعيُّ تَبَعًا للإمام: إنَّ أبا عاصم العبَّاديَّ حكى عن ابن خزيمة أنه احتجَّ به.
وقد حكى هذا المذهبَ البخاريُّ في ((القِرَاءَة خَلْفَ الإمَامِ)) عن كلِّ من ذهب إلى وجوب القِرَاءَة خلف الإمام، وحكاه في ((الفتح)) عن جماعة من الشافعية، وقوَّاه الشيخ تقي الدين السُّبكي وغيره من محدِّثي الشافعية، ورجَّحه المَقْبِلِيُّ وقال: وقد بحثتُ هذه المسألةَ وأحطتُها في جميع بحثي فقهًا وحديثًا فلم أحصل منها على غير ما ذكرت، يعني من عدم الاعتداد بإدراك الركوع فقط.
قال العراقي في ((شرح الترمذي)) - بعد أن حكى عن شيخه السُّبْكِيِّ: أنه كان يختار أنه لا يعتدُّ بالركعة من لا يدرك الفاتحة- ما لفظه: وهو الذي يختاره. اهـ
فالعَجَبُ ممَّن يدَّعي الإجماعَ والمخالفُ مثلُ هؤلاء.
وأمَّا احتجاجُ الجمهور بحديثِ أبي بَكْرةَ حيث صلَّى خلف
الصفِّ مخافةَ أن تفوته لركعة فقال-صلى الله عليه وسلم: «زادكَ اللهُ حرصًا ولا تَعُدْ» (1) ولم يأمره بإعادة الركعة، فليس فيها ما يدلُّ على ما ذهبوا إليه؛ لأنه كما لم يأمره بالإعادة لم ينقل إلينا أنه اعتدَّ بها، والدعاءُ له بالحرص لا يستلزم الاعتدادَ بها؛ لأن الكون مع الإمام مأمورٌ به سواء كان الشيء الذي يدركه المؤتم معتدًّا به أم لا، كما في حديثه «إذا جئتُم إلى الصَّلاة ونحنُ سجودٌ فاسجُدُوا ولا تَعُدُّوها شيئًا» (2). (أخرجه أبو داود وغيره)، على أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى أبا بكرة عن العَوْدِ إلى مثل ذلك، والاحتجاجُ بشيء قد نهي عنه لا يصحُّ.
وقد أجاب ابنُ حزمٍ في ((المحلَّى)) عن حديث أبي بَكْرَةَ، فقال: إنه لا حجة لهم فيه؛ لأنه ليس فيه اجتزاء بتلك الركعة. ثم اسْتَدَلَّ على ما ذهب إليه من أنه لا بدَّ في الاعتداد بالركعة من إدراك القيام والقِرَاءَة بحديث: «ما أَدْرَكَتم فصلُّوا وما فَاتَكُمْ فأَتِمُّوا» (3) ثم جزم بأنه لا فرق بين فوت الركعة والركن والذكر المفروض؛ لأن الكلَّ فرضٌ لا تتم الصلاة إلا به. قال: فهو مأمور بقضاء ما سبقه به الإمام وإتمامه، فلا يجوز تخصيص شيء من ذلك بغير نصٍّ آخر، ولا سبيل إلى وجوده. قال (أي ابن حزم): وقد أقدم بعضُهم على دعوى الإجماع على ذلك، وهو كاذبٌ في ذلك؛ لأنه قد روي
(1) صحيح البخاري الأذان (783)، سنن النسائي الإمامة (871)، سنن أبو داود الصلاة (684)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 42).
(2)
سنن أبو داود الصلاة (893).
(3)
صحيح البخاري الأذان (635)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (603)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 306)، سنن الدارمي الصلاة (1283).
عن أبي هريرة أنه لا يعتد بالركعة حتى يقرأ أمَّ القُرْآن، ورُوِيَ القضاءُ أيضًا عن زيد بن وهب.
ثم قال (أي ابن حزم): فإن قيل: إنه يكبر قائمًا، ثم يركع فقد صار مدركًا للوقفة. قلنا: وهذه معصية أخرى، وما أمر الله تعالى قط، ولا رسوله أن يدخل في الصلاة في غير الحال التي يجد الإمام عليها. وأيضًا: لا يجزئ قضاء شيء يسبق به من الصلاة إلا بعد سلام الإمام لا قبل ذلك. وقال أيضا في الجواب عن استدلالهم بحديث «من أَدْرَكَ من الصلاة ركعة فقد أَدْرَكَ الصلاة» أنه حجة عليهم؛ لأنه مع ذلك لا يسقط عنه قضاء ما لم يدرك من الصلاة. (انتهى)
والحاصل: أنَّ أنهضَ ما احتج به الجمهور في المقام حديثُ أبي هريرة حينئذٍ باللفظ الذي ذكره ابن خزيمة لقوله فيه: «قبل أن يُقِيمَ صُلْبَهُ» كما تقدم. وقد عرفتَ أنَّ ذِكْرَ الرَّكعة فيه منافٍ لمطلوبهم، وابنُ خزيمةَ الذي عوَّلوا عليه في هذه الرواية من القائلين بالمذهب الثاني كما عرفتَ، ومن البعيد أن يكون هذا الحديث عنده صحيحًا ويذهب إلى خلافه.
ومن الأدلة على ما ذهبنا إليه في هذه المسألة: حديثُ أبي قتادة، وأبي هريرة المتفق عليهما بلفظ: «ما أَدْرَكْتُمْ فصلُّوا وما