الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فاتَكُم فأَتِمُّوا» (1)، قال الحافظ في ((الفتح)) قد اسْتُدِلَّ بهما على أنَّ من أَدْرَكَ الإمام راكعا لم يحتسب له تلك الركعة؛ للأمر بإتمام ما فَاتَه؛ لأنه فَاتَه القيام والقِرَاءَة فيه. ثم قال: وحُجَّةُ الجمهور: حديثُ أبي بَكْرَةَ. وقد عرفتَ الجواب عن احتجاجهم له.
وقد ألَّف السيد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير رسالةً في هذه المسألة ورجَّح مذهب الجمهور، وقد كتبت أبحاثا في الجواب عليها)).
(1) صحيح البخاري الْجُمُعَةِ (908)، صحيح مسلم الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ (602)، سنن الترمذي الصَّلَاةِ (327)، سنن أبي داود الصَّلَاةِ (572)، سنن ابن ماجه الْمَسَاجِدِ وَالْجَمَاعَاتِ (775)، مسند أحمد (2/ 529)، موطأ مالك النِّداءِ لِلصّلاةِ (152)، سنن الدارمي الصَّلَاةِ (1282).
تعقيب اللَّكْنَوِيِّ على كلامِ الشَّوكاني:
وقد تعقَّب العلامة أبو الحسنات اللّكنويّ كلامَ الشوكانيِّ الأول عن وجوب القراءة في كل ركعة لكل مصلٍّ، بأنَّ للجمهور أدلة من الحديث تدلُّ على أنَّ مدرك الركوع مدركٌ للركعة من غير اشتراط القراءة. ثم ساق تلك الأدلة ومنها ما تقدم في هذا البحث، مما لا حاجة لإعادته ثانيًا، ثم ناقش كلام الشوكاني في النقاط الأخرى، فقال (1)
وأمَّا كلامُ الشَّوكانِّي - الذي نقلناه آنفًا، المشتمل على ترجيح
(1)((إمام الكلام في القراءة خلف الإمام)) لأبي الحسنات اللكنوي، ص (107 - 115) تحقيق عثمان جمعة ضميرية.
القول الشاذ ورد قول الجمهور- فمشتملٌ (1)(2) على فتور وقصور، بل وعلى تلبيسات ومغالطات، وخدشات واضحة.
أما قوله: ((فهو محتاج إلى إقامة برهان يخصص تلك الأدلة)) (3) ففيه: أنهم قد أقاموا على ما ذهبوا إليه دلائل، فبعد تسليم أن دلائل وجوب الفاتحة في كل ركعة لكلّ مصلٍّ تدل على خلاف ذلك يقال: اختيار الجمع والتخصيص أولى من إهمال أحدهما.
وقوله: ((ومن ها هنا تبين لك ضعف. . .)) يقال فيه: إن هذا لم يتبين إلا لك، وأما عندنا فليس بمبيّن ولا مبرهَن.
وقوله: ((استدلوا على ذلك بحديث أبي هريرة. . . إلخ)) يقال فيه: إن لهم دلائل أخر أوضح من هذا، فإن لم يثبت هذا فلا ضرر.
وقد بسط الكلامَ على هذا الحديثِ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ العَسْقَلانيُّ في ((تلخيص الحبير، في تخريج أحاديث شرح الرافعي الكبير)) (2/ 40 - 41) حيث قال:
حديث: «مَن أدركَ الركوعَ من الركعةِ الأخيرةِ يومَ الجمُعةِ،
(1) خبر لقوله: وأما كلام الشوكاني. .
(2)
خبر لقوله: وأما كلام الشوكاني. . ') ">
(3)
سيبدأ اللكنوي رحمه الله بالرد على كلام الشوكاني فيما ذكره سابقًا، وينقل كلامه فيقول:((أما قوله. .))، ثم يعقِّب بالرد أو الجواب.
فَلْيُضِفْ إليها أُخرى، ومَن لم يُدرِك الركوعَ من الرَّكعةِ الأخيرةِ، فَلْيُصَلِّ الظهرَ أربعًا» رواه الدارقطني (2/ 11) من حديث ياسين بن معاذ عن ابن شهاب عن سعيد. وفي رواية له عن سعيد، وأبي سلمة، عن أبي هريرة بلفظ:«إذا أدركَ أحدُكُم الركعتين يومَ الجمعةِ فقد أدركَ، وإذا أدركَ ركعةً فلْيركعْ إليها أخرى، وإن لم يدركْ ركعةً فليصلِّ أربعَ ركعاتٍ» وياسين ضعيف متروك.
ورواه الدَّارقُطني أيضًا من حديث سليمان بن أبي داود الحرَّانيِّ، عن الزُّهْريِّ عن سعيدٍ وحدَه بلفظ المصنِّف سواء، وسليمانُ متروك أيضًا، ومن طريق صالح بن أبي الأخضر عن الزُّهريِّ عن أبي وَجْزَةَ نحو الأول، وصالحٌ ضعيفٌ.
ورواه الحاكم (1/ 291) من حديث الأوزاعي، وأسامة بن زيد [الليثي] ومالك بن أنس، وصالح بن أبي الأخضر.
ورواه ابن ماجه (1/ 365) من حديث عمر بن حبيب، وهو متروك، عن ابن أبي ذئب، كلهم عن الزهري عن أبي سلمة، زاد ابن أبي ذئب، وسعيد، عن أبي هريرة بلفظ:«من أدرك من صلاة الجمعة ركعة فقد أدرك الصلاة» .
ورواه الدارقطني من رواية الحجاج بن أرطاة، وعبد الرزاق بن عمر، عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة كذلك، ولم يذكروا
كلهم الزيادة التي في قوله: «ومن لم يدرك الركعة الأخيرة فليصل الظهر أربعًا» ولا قيَّدوه بإدراك الركوع.
وأحسن طرق هذا الحديث: رواية الأوزاعيِّ، على ما فيها من تدليس الوليد، وقد قال ابن حبَّان في ((صحيحه)):((إنها كلها معلولة))، وقال ابن أبي حاتم في ((العلل)) (1/ 203) عن أبيه: لا أصل لهذا الحديث، إنما المتن:«من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها» (1) وذكر الدارقطني الاختلاف فيه في ((علله)) وقال الصحيح: ((من أدرك من الصلاة ركعة)) وكذا قال العقيلي، والله أعلم.
وله طريق أخرى من غير طريق الزهري، رواه الدارقطني من حديث داود بن أبي هند، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، وفيه يحيى بن راشد البراذعي، وهو ضعيف.
وقال الدارقطني في ((العلل)): حديثه غير محفوظ، وقد روى عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه بلغه عن سعيد بن المسيب قوله، وهو أشبه بالصواب، ورواه الدارقطني أيضًا من طريق عمر بن قيس، وهو متروك، عن أبي سلمة وسعيد جميعًا عن أبي هريرة.
وفي الباب عن ابن عمر؛ رواه النَّسائيُّ، وابن ماجه، والدارقطني، من حديث بقية: حدثني يونس بن يزيد عن الزهري،
(1) صحيح البخاري مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ (580)، صحيح مسلم الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ (607)، سنن الترمذي الْجُمُعَةِ (524)، سنن النسائي الْمَوَاقِيتِ (555)، سنن أبي داود الصَّلَاةِ (893)، سنن ابن ماجه إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَالسُّنَّةِ فِيهَا (1122)، مسند أحمد (2/ 280).
عن سالم، عن أبيه رفعه:«من أدرك ركعة من صلاة الجمعة أو غيرها، فليضف إليها أخرى، وقد تمَّت صلاته» (1) وفي لفظ: «فقد أدرك الصلاة» (2) قال ابن أبي داود والدارقطني: تفرَّد به بقيَّةُ عن يونس، وقال ابن أبي حاتم في ((العلل)) عن أبيه: هذا خطأ في المتن والإسناد. وإنما هو عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا: «من أدرك من صلاة ركعة فقد أدركها» (3)، وأما قوله:((من صلاة الجمعة)) فَوَهْمٌ.
قلتُ (القائل هو ابن حجر): إنْ سَلِمَ مِنْ وَهْمِ بَقِيَّةَ، ففيه تدليسُه التَّسويةَ؛ لأنه عَنْعَنَ لشيخه، وله طريق أخرى أخرجها ابن حبَّان في ((الضعفاء)) من حديث إبراهيم بن عطية الثقفي، عن يحيى بن سعيد عن الزهري به، قال: وإبراهيم مُنْكَر الحديثِ جدًّا، وكان هُشَيْمٌ يدلِّس عنه أخبارًا لا أصل لها، وهو حديث خطأ، ورواه يعيش بن الجهم عن عبد الله بن نمر عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر، أخرجه الدارقطني، وأخرجه أيضًا من حديث عيسى بن إبراهيم عن عبد العزيز بن مسلم، والطبراني في ((الأوسط)) من حديث إبراهيم بن سليمان الدبَّاس عن عبد العزيز بن مسلم عن يحيى بن سعيد، وادَّعى أنَّ عبد العزيز تفرَّد به عن يحيى بن سعيد، وأنَّ إبراهيم تفرَّد به عن عبد العزيز، ووَهم في الأمرين معًا كما تراه،
(1) سنن النسائي الْمَوَاقِيتِ (557)، سنن ابن ماجه إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَالسُّنَّةِ فِيهَا (1123).
(2)
صحيح البخاري مواقيت الصلاة (580)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (607)، سنن أبو داود الصلاة (1121)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 271)، موطأ مالك وقوت الصلاة (15).
(3)
صحيح البخاري مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ (580)، صحيح مسلم الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ (608)، سنن الترمذي الْجُمُعَةِ (524)، سنن النسائي الْمَوَاقِيتِ (553)، سنن أبي داود الصَّلَاةِ (893)، سنن ابن ماجه إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَالسُّنَّةِ فِيهَا (1122)، مسند أحمد (2/ 241)، موطأ مالك وُقُوتِ الصّلاةِ (15)، سنن الدارمي الصَّلَاةِ (1220).
وذكر الدارقطنيُّ في ((العلل)) الاختلافَ فه، وصوَّب وقْفَهُ))
وقوله: ((على أنَّ التقييد. . . إلخ)) مخدوش بأنه لا يظهر الفرق بين الجمعة وغيرها؛ فإن َّ الدلائل عامة، شاملة لها ولغيره، فإجراء هذا الحكم المستفاد من الحديث المذكور في الجمعة دون غيرها لا يخلو عن شيء.
وقوله: ((ليس في ذلك دليلٌ لمطلوبهم. .)) فيه: أنَّ الظاهر من حديث ابن خزيمة أن المراد بالركعة فيه: الركوع، لا الركعة التامة، وانضمام لفظ «قبل أن يقيم صلبه» قرينة على ذلك واضحة. وقد حمله على هذا ابن خزيمة نفسُه حيث ترجم الباب بـ ((ذكر الوقت الذي يكون فيه المأموم مدركًا للرَّكعة إذا ركع إمامه قبل)) وروى فيه هذا الحديث.
وقوله: ((وهما مقدَّمتان على اللغوية. . .)) متعقَّب بأنّ ذلك ما لم ينضمَّ إليه صارفٌ، وقد وجد الصارف ها هنا وهي القرينة السابقة.
وقوله: ((فلا يصحُّ جعل حديث ابن خزيمة. . . إلخ)) مردود بأنَّ راويه نفسَه حمَلَهُ على ما يفيد مطلوب الجمهور.
وقوله: ((قلت دفع توهُّم. . إلخ)) مخدوش بأن هذا وإن كان
محتملاً له، لكنه ليس بمرجَّح بالنسبة إلى الاحتمال الذي حمله عليه الجمهور.
وقوله: ((وقد ذهب إلى هذا بعض أهل الظاهر، وابن خزيمة))، يقال فيه: للظاهرية أقوال كثيرة صريحة البطلان، فليكن هذا القول منها. ونِسْبَتُهُ إلى ابن خزيمة مطالبةٌ بتصحيح النَّقْل الصريح، وليس في ((صحيحه)) ما يدلُّ عليه.
وقوله: ((إن احتجَّ لذلك بما رُوِيَ عن أبي هريرة. . .)) مردود بأن ((صحيح ابن خزيمة)) يكذِّبه، والحديثُ المرفوعُ لا أصْلَ له.
وقوله: ((وقد رواه البخاري في جزء القراءة. . . إلخ)) فيه: أنه متكلَّم فيه، فقد قال ابن عبد البر في ((شرح الموطأ)) (1)((هذا قول لا نعلم أحدًا من فقهاء الأمصار قال به، وفي إسناده نظر)). (انتهى) مع أنه معارض بما أخرجه مالك عن أبي هريرة على ما مرَّ ذِكْرُهُ. . .
(1)((الاستذكار)): 1/ 82. وقد وقع في هذه الطبعة بمصر بتحقيق النجدي: ((يعتدّ بها)) بإسقاط ((لا)) وهو خطأ، والتصويب من التمهيد وغيره. وكذلك وقع الخطأ نفسه في الطبعة الجديدة بتحقيق عبد المعطي القلعجي، وكل ما في الجزء الأول من أخطاء أو تصحيف في الطبعة المصرية - بتحقيق النجدي – هو نفسه في طبعة القلعجي، فيبدو أنه أخذ الجزء نفسه كما هو ثم أضاف تحقيق الأجزاء التالية، والله أعلم
وقوله: ((قال الحافظ ابن حجر. . . . .)) مفضٍ إلى العجب؛ حيث اقتصر من كلام ابن حجر على ما يفيد مطلوبه، وحذف قدرًا منه يدل على ردِّه، وتمامُ عباة ابن حجر في ((تلخيص الحبير)) (1) هذه:((حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «من أدرك الإمام في الركوع، فليركع معه وليعد الركعة» البخاري في ((القراءة خلف الإمام)) من حديث أبي هريرة أنه قال: إذا أدركت القوم ركوعًا لم تعتد بتلك الركعة. وهذا هو المعروف موقوف، وأما المرفوع فلا أصل له. وعزا الرافعيُّ -تبعًا للإمام- أن أبا عاصم العباديّ حكى عن ابن خزيمة أنه احتجَّ به.
قلت: - (القائل هو ابن حجر نفسه) - ((وراجعت صحيح ابن خُزَيْمَةَ فوجدته أخرج عن أبي هريرة: «من أَدْرَكَ ركعة من الصلاة فقد أَدْرَكَها قبل أن يقيم الإمامُ صُلبَه» وترجم له ((ذكر الوقت الذي يكون فيه المأموم مدركًا للرَّكعة إذا ركع إمامه قبل))، ويُؤيِّد ذلك أنه ترجم بعد ذلك: ((باب إدراك المأموم الإمام ساجدًا والأمر بالاقتداء به في السُّجُود، وألاّ يعتدَّ به، إذِ المدركُ للسجدة إنما
(1) 2/ 41 - 42. ومنه أصلحت بعض التصحيفات والكلمات التي سقطت من النص. وهذا الحديث ضعَّفه البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)): 2/ 381.
يكون بإدراك الرُّكُوع قبلها)) وأخرج فيه من حديث أبي هريرة أيضًا مرفوعًا: «إذَا جِئْتُمْ إلى الصَّلاةِ وَنحنُ سُجودٌ فاسْجُدُوا، ولا تعُدُّوهَا شَيْئًا، ومَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَة فقَد أَدْرَكَ الصَّلاةَ» (1) وذكر الدَّارَقُطْنِيُّ في ((العِلَلِ)) نحوه عن معاذ، وهو مُرْسَلٌ)). (انتهى كلامه)(2)
فهذا صريح في أنَّ ابنَ حجرٍ ليس بِرَاضٍ عن نقل ما نسبوه إلى ابن خزيمة، وأنَّ سياق كلامه في ((صحيحه)) لا يدلُّ عليه.
وقوله: ((وقد حكى البخاري هذا المذهب. . . إلخ)). . لا يطمئن القلب به ما لم يذكر تلك العبارات الواردة عن الصحابة، وغيرهم لينظر فيها: هل هي مفيدة لما ادَّعاه أم لا؟
وقوله: ((فالعجب ممَّن يدَّعي الإجماعَ، والمخالف مثل هؤلاء)). إنما يستقيم ردًا على من نقل الإجماع بعد عصر هؤلاء، وأما من نقل الإجماع قبلهم فإنما يصح الإيراد عليه تَحَقُّقُ الخلافِ قَبْلَه، وإثباتُه في حيِّز الإشكال.
وقوله: ((لأنه كما لم يأمره بالإعادة، لم ينقل إلينا أنه اعتدَّ
(1) سنن أبو داود الصلاة (893).
(2)
- ((التلخيص الحبير)) لابن حجر: 2/ 41 - 42، ((كتاب العلل الواردة في الأحاديث)) للدارقطني: 6/ 58 - 59.
بها. . . إلخ)) مردود بأنه لمَّا ثبت أنه لم يأمره بالإعادة ثبت أنه اعتدَّ بها؛ لأنَّ السكوت في معرض الضرورة بيان.
وقوله: ((الاحتجاجُ بشيء قد نهي عنه لا يصح)) غير صحيح؛ فإن الاحتجاج بأمر منهي عنه – من حيث إنه منهي عنه – لإثبات أمر ينافيه غير صحيح، لكنه ليس بموجود هاهنا. وأمَّا الاحتجاج لنفس تقرر ذلك الشيء ونفاذه وكفايته بعدم ما يدل عليه - وإن ورد النهي عنه – صحيح، كما بُسط في كتب الأصول، فإنَّ النهي عن شيءٍ لا يستلزم عدم تقَرُّرِهِ أصلاً.
وقوله: ((وقد أجاب ابن حزم. . . إلخ)) فيه: أن جواب ابن حزم مردود بأنه وإن كان الاجتزاء غير مذكور صراحةً، لكنه مفهوم ضرورة. وقوله:((ثم جزم. . .)) لا يفيد، ما لم يبيِّنِ الدليلَ عليه.
وأما الاستدلال بحديث «ما فاتكم فأتموا» (1)، على ما ادَّعاه: فلا يصحُّ؛ لأنه لا يخلو من أن تكون ((ما)) في هذا الحديث عامَّةً على أصل وضعها، شاملة لجميع ما في الصلاة، أو مخصوصة. الأول باطل، والإلزام: أن يلزم على فائت الثناء والتوجه ونحو ذلك من الأدعية الواردة، وفائت السورة، قضاء ما فات وإن أدرك الفاتحة وغيرها من الأركان. والثاني مُضِرٌ له، فإنه كما خصص اللفظ العام بالأركان والشرائط بدلائل أُخَر، فليخصَّصْ بما سوى الفاتحة
(1) صحيح البخاري الأذان (635)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (603)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 306)، سنن الدارمي الصلاة (1283).
بدلائل أُخَر، وبه ظهرت سخافة قوله:((فلا يجوز أن يُخَصَّص شيء من ذلك بغير نص، ولا سبيل إلى وجوده)).
وقوله: ((وهو كاذبٌ في ذلك. . .)) صادقٌ في المتأخرين إن أرادوا بالإجماع إجماع الكل، وكاذب في حقِّ المتقدِّمين والمتأخرين إن أرادوا به إجماع الجمهور.
وقوله: ((لأنه قد روى. . . إلخ)) لا يفيد ما لم يبيِّنْ صحةَ هذا الأثر، ولا سبيلَ له إليه - كما مرَّ -.
وقوله: ((حجةٌ عليهم. .)) حجة عليه، فإن الذين استدلُّوا على مطلوبهم بهذا الحديث، حملوا الرَّكعةَ على الركوعِ، ومن المعلوم أنَّ مُدْرِكَهُ يسقط عنه قضاءُ ما لم يُدرك، وعلى تقدير حمل الرَّكعة على الركعة الكاملة: هو محمولٌ على أن من أدرك ركعة قد أدرك ثواب الجماعة.
وقوله: ((إنَّ أنهض. . . إلخ)) مخدوش بأن لهم آثارًا أُخَرَ أصرح منه.
وقوله: ((من القائلين بالمذهب الثاني. . .)) محتاج إلى إثباته.
وقوله: ((من البعيد. . . إلخ)) بعيد عنه، فإنَّ كون الحديث صحيحًا عند راويه لا يستلزم ألاّ يذهب إلى خلافه لدليل آخر
أرجح منه في زعمه.
وقوله: ((من الأدلة على ما ذهبنا إليه. . . إلخ)) قد مرَّ ما فيه، وأن الاستدلال به لا يصح. (انتهى كلام اللَّكنَوِيِّ).