الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقالت طائفة: تدرك فضيلة الجماعة بإدراك تكبيرة الإحرام قبل سلام الإمام.
وهو قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي، وهو المشهور عن أحمد عند القاضي أبي يعلى وأتباعه، حتى قال بعض علماء الحنابلة: هو إجماع من العلماء لا نعلم فيه خلافًا. ولكن ليس بإجماع كما تقدم.
وقال أبو هريرة: إذا انتهى إلى القوم، وقد سلَّم الإمامُ ولم يتفرَّقوا: فقد دخل في التضعيف. وقال عطاء: كان يقال: إذا خرج من بيته وهو ينويهم، فأدركهم أو لم يدركهم: فقد دخل في التضعيف. وكذا قال أبو سلمة: من خرج من بيته قبل أن يسلم الإمام: فقد أدرك.
ومعنى ذلك كله: أنه يُكتب له ثواب الجماعة لمّا نواها وسعى إليها، وإن كانت قد فاتته، كمن نوى قيام الليل ثم نام عنه، ومن كان له عملٌ فعجز عنه بمرض أو سفرٍ؛ فإنه يكتب له أجره (1)
ولذلك قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن: من أدرك من الظهر ركعةً، ولم يدرك الثلاث: فإنه لم يصلّ الظهر بجماعة؛
(الجء رقم: 90 PgPg 247
لأنه فاته الأكثر. وقد أدرك فضل الجماعة؛ لأن من أدرك آخر الشيء فقد أدركه، فصار محرزًا ثواب الجماعة، لكنه لم يصلِّها بالجماعة حقيقة (2) والله أعلم.
(1) انظر: ((فتح الباري، شرح صحيح البخاري)) لابن رجب: 5/ 17 - 22، ((التمهيد شرح الموطأ)) لابن عبد البر: 7/ 65 - 67.
(2)
انظر: ((الهداية)) للمرغيناني، ومعها ((فتح القدير)) لابن الهمام و ((العناية على الهداية)): 1/ 342، ((التنبيه على مشكلات الهداية)) لابن أبي العز الحنفي: 2/ 694 - 695، ((تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق)) للزيلعي: 1/ 184.
الخاتمة:
وبعد عرض أدلة المذهبين في المسألة ومناقشتها، يظهر جليًّا رجحان المذهب القائل بإدراك الرَّكْعَة إذا أَدْرَكَ المسبوقُ الرُّكُوعَ المجزئ مع الإمام وذلك:
أ - لقوة أدلته وسلامتها عن المناقشة التي وجهت إليها، بل إن جملة منها لم توجه لها المناقشة أصلاً، كما سلف بيانه.
ب - ويُؤيِّد ذلك فهمُ العلماء والأئمة لهذا المذهب وترجيحه، من النصوص الشرعية السابقة، وجريان العمل به منذ عهد الصحابة والتابعين، رضوان الله عليهم أجمعين.
ج - بينّا في مناقشة أدلة القائلين بعدم إدراك الرَّكْعَة، أن هذه الأدلة لا تساعدهم في ذلك، ولا تدل قطعًا على ما ذهبوا إليه.
د - وقد رأينا أن المنقول عن كثير من الأئمة غير ثابت، فمثلاً حكاية البخاري عدم الاعتداد بالرَّكْعَة عند كل من أوجب القِرَاءَة خلف الإمام، ليست على إطلاقها، كما هو واضح من مذهب الشافعي مثلاً.
وكذلك ابن خُزَيْمَةَ، ترجم في صحيحه لحديث أبي هريرة فقال:((باب ذكر الوقت الذي يكون فيه المأموم مدركًا للركعة إذا ركع)).
وأما ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه «إذا أدركت القوم وهم ركوع، لا تجزئك. .» فهي رواية ضعيفة تخالف الروايات الصحيحة في الإجزاء، ولا تقوى على معارضتها- كما تقدم.
وأما الشوكاني رحمه الله فقد وجدناه يرجِّح مذهب الجمهور في ((فتاواه)) وقد سبق النقل عن العلامة حسين الأنصاري أن هذا التحقيق والترجيح من آخر فتاواه.
ولذلك إن لم نقل: إن الإجماع قد انعقد على إدراك الرَّكْعَة بإدراك الرُّكُوع مع الإمام، فإنَّا نقول: كأن الإجماع قد انعقد على ذلك، أو أنَّ الخلاف حادث بعد عصر الصحابة، وهم كانوا متفقين على ذلك، ولم ينقل عنهم ما يدل على خلافه دلالة واضحة (1)(2)
ولهذا قال الإمام النوويُّ رحمه الله في ترجيح مذهب
(1) وانظر: ((إمام الكلام في القراءة خلف الإمام)) لأبي الحسنات اللكنوي ص (243).
(2)
وانظر: ((إمام الكلام في القراءة خلف الإمام)) لأبي الحسنات اللكنوي ص (243). ') ">
الجمهور وتضعيف ما عداه، قال:
((وهذا الذي ذكرناه من إدراك الرَّكْعَة بإدراك الرُّكُوع هو الصواب الذي نصَّ عليه الشافعي، وقاله جماهير الأصحاب والعلماء، وتظاهرت به الأحاديث، وأطبق عليه الناس.
وفيه وجه ضعيف مزيَّف: أنه لا يدرك الرَّكْعَة بذلك.
وقال: صاحب التتمة (من فقهاء الشافعية). . هذا ليس بصحيح؛ لأن أهل الأعصار اتفقوا على الإدراك به، فخلاف مَنْ بعدهم لا يعتدُّ به))
وقال أيضًا: ((من أدرك الإمام في الركوع، كان مدركًا للركعة. وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة، وأبو بكر الصِّبْغِيُّ - كلاهما من أصحابنا -: لا يدرك الركعة بإدراك الركوع. وهذا شاذ منكر، والصحيح الذي عليه الناس، وأطبق عليه الأئمة: إدراكها، لكن يشترط أن يكون ذلك الركوع محسوبًا للإمام. . .))
وأنا سائلٌ أخًا قرأ هذه الصفحات فانتفع بها ألاّ ينسني من دعوةٍ صالحة، وإن وجد خطأ فأصلحه، فله منّي خالص الدعوات،