الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العلمِ ومخالفةٌ لجماعتهم)) (1).
وقال الحافظ ابنُ حَجَرٍ العَسْقَلانِيُّ - حمه الله -: ((وهو قولُ أبي هريرةَ وجماعةٍ، بل حكاه الإمام البخاريُّ في كتابه: ((القِرَاءَة خلف الإمام)) عن كل مَنْ ذهب إلى وجوب القراءة خلف الإمام. . . وقوَّاه الشيخُ تقيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ من المتأخِّرينَ)) (2).
ونَصَرَ هذا المذهبَ: الإمامُ ابنُ حَزْمٍ في ((المحلَّى))، ورجَّحه الشَّوكانيُّ في:((نيل الأوطار))، ولكنَّه حقَّق خلافَ ذلك في:((الفتح الرباني في فتاوى الشَّوْكَانِيّ)) ورجَّح مذهبَ الجمهور. وهذا متأخر عن ((نيل الأوطار)) (3)
(1)((فتح الباري شرح صحيح البخاري))، لابن رجب الحنبلي: 7/ 110 - 11، وانظر:((خَيْر الكلام في القِراءَة خلف الإمام))، للبخاري، ص (11).
(2)
((فتح الباري)) لابن حَجَر: 2/ 119، ((طبقات الشافعية الكبرى)) لابن السبكي: 3/ 99.
(3)
انظر: ((المحلَّى)) لابن حَزْم: 3 312 وما بعدها، ((نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار)) للشوكاني: 3 67 - 70 و4 44 وما بعدها، ((عون المعبود في شرح سنن أبي داود)): 3 157. وفيه الإشارة إلى ((الفتح الرباني في فتاوى الشَّوْكَانِي ّ)).
تحرير نسبة هذا المذهب:
وخلاصة هذه النصوص: أنَّ هذا القولَ هو مذهبُ أبي هريرةَ،
والبخاريِّ، وابن خُزَيْمَةَ، والصِّبْغِيِّ من الشَّافعية. وحُكِيَ عمَّن يقولُ بوجوب القِرَاءَة خلف الإمام. وقوّاه السُّبْكِيُّ، وابنُ حَزْمٍ، والشَّوْكَانِيُّ.
وفي صحةِ نسبةِ بعض هذه الأقوال لأصحابها نظرٌ:
فإنَّ أبا هريرة رضي الله عنه كان يقول: «من أَدْرَكَ الرَّكْعَة فقد أَدْرَكَ السَّجْدَة، ومن فَاتَه قِرَاءَة أم القُرْآن فقد فَاتَه خَيْر كثير» (1)، وقد أخرج هذا عنه الإمام مالك في (الموطأ) برواية أقوى مما يخالفها
وأما من يقول بقِرَاءَةِ الفاتحةِ خلفَ الإمامِ، فليس حكايةُ هذا القولِ عنهم على إطلاقه؛ فإن الشافعيَّ - مثلاً - يقول بوجوب قِرَاءَةِ الفاتحةِ خلفَ الإمام، والشافعيَّةُ يعتدُّون بالرَّكْعَة إذا أَدْرَكَ الرُّكُوع مع الإمام- على ما سيأتي إن شاء الله تعالى-.
وأمَّا ابنُ خُزَيْمَةَ: فيبدو أنَّ النقلَ عنه رحمه الله غيرُ ثابتٍ؛ فإنَّه عقد بابًا في ((صحيحه)) قال فيه: ((باب ذكر الوقت الذي يكون فيه المأموم مدركًا للرَّكعة إذا ركعَ إمامُه قبلُ))، ثم ذكر
(1) سنن أبو داود الصلاة (893).
حديث أبي هريرة «مَن أَدْرَكَ ركعةً من الصَّلاةِ فقد أَدْرَكَهَا قبلَ أن يُقيمَ الإمامُ صُلْبَهُ» ، وعقد بابًا آخر قال فيه:((باب إدراك المأموم الإمام ساجدًا والأمر بالاقتداء به في السُّجُود، وألَاّ يعتدَّ به، إذِ المدركُ للسجدة إنما يكون بإدراك الرُّكُوع قبلها)) ثم ساق حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذَا جِئْتُمْ إلى الصَّلاةِ وَنحنُ سُجودٌ فاسْجُدُوا، ولا تَعُدُّوهَا شَيْئًا، ومَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَة فقَد أَدْرَكَ الصَّلاةَ» (1) ولم يذكر في ((صحيحه)) ما يخالف ذلك. فدلَّ على أنَّه الراجحُ عنده، والله أعلم.
وقد أشار إلى ذلك الحافظ ابنُ حَجَر العَسْقَلانيُّ حيث قال: ((وراجعت صحيح ابن خُزَيْمَةَ فوجدته أخرج عن أبي هريرة: «من أَدْرَكَ ركعة من الصلاة فقد أَدْرَكَها قبل أن يقيم الإمامُ صُلبَه» وترجم له بـ ((ذكر الوقت الذي يكون فيه المأموم مدركًا للرَّكعة إذا ركع إمامه قبل)). ويُؤيِّد ذلك: أنه ترجم بعد ذلك: ((باب إدراك المأموم الإمام ساجدًا والأمر بالاقتداء به في السُّجُود، وأن لا يعتدَّ به، إذِ المدركُ للسجدة إنما يكون بإدراك الرُّكُوع قبلها)) وأخرج فيه من حديث أبي هريرة أيضًا مرفوعًا: «إذَا جِئْتُمْ إلى الصَّلاةِ وَنحنُ
(1) نفسه: 3 57 - 58 وسيأتي تخريج الحديثين بالتفصيل
سُجودٌ فاسْجُدُوا، ولا تعُدُّوهَا شَيْئًا، ومَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَة فقَد أَدْرَكَ الصَّلاةَ» (1)، وذكر الدَّارَقُطْنِيُّ في ((العِلَلِ)) نحوه عن معاذ، وهو مُرْسَلٌ))
وأما الشَّوْكَانِيُّ: فقد حقَّق في ((الفَتْح الرَّبَّانِيِّ في فَتَاوَى الشَّوْكَانِيّ)) أنَّ الرَّكْعَة تُدركُ بإدراك الرُّكُوع، ورجَّح مذهبَ الجمهور، وهذا التحقيق من آخر ما كتبه – كما نصَّ عليه الشيخ العلامة حسين بن محسن الأنصاري- فكان ذلك رجوعًا عمَّا كتبه سابقًا في ((نيل الأوطار))، والله أعلم (2)
والخلاصة: أنَّ القول بعدم إدراك الركعة بإدراك الركوع هو قولُ الإمام البخاريِّ متابعةً لشيخه ابنِ المَدِينِيِّ، وقولُ ابنِ حزمٍ الظَّاهريِّ، والصِّبْغِيِّ من الشافعية. ولم يصحَّ نقْلهُ عن أبي هريرة رضي الله عنه ولا عن ابن خزيمة، ونَصَرهُ الشَّوكاني في ((نيل الأوطار))، ثم رجَّح مذهبَ الجمهور آخرًا في ((الفتح الربَّاني))، ولذلك لا يستقيم القولُ
(1) سنن أبو داود الصلاة (893).
(2)
انظر: ((نور العين من فتاوى الشيخ حسين))، للشيخ العلامة حسين بن محسن الأنصاري، ص146، 147 فقد نقلها بنصِّها، ومنه نقلها صاحب كتاب ((عون المعبود في شرح سنن أبي داود)): 3 157، وسيأتي نصُّها في الملحق من هذا البحث إن شاء الله تعالى.