الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَدْرَكَه بعد أداء ركعة أو أكثر من ركعة: فهو المَسْبُوقُ (1)
(1) انظر: ((الفتاوى الهندية)): 1/ 90، (حاشية ابن عابدين): 1/ 594 - 595.
المبحث الأول: مذاهبُ العلماءِ في إدراكِ الرَّكْعَةِ
.
اتَّفق العلماءُ على أنَّ من أَدْرَكَ الإمامَ في القيام، وقرأ الفاتحة؛ فإنَّه يكون مُدْركًا للرَّكعة.
واتَّفقُوا على أنَّ من أَدْرَكَ الإمام وقد رفعَ رأسهُ من الرُّكُوع واعتدلَ، ورفعَ كلُّ مَنْ وراءه رؤوسَهم واعتدلوا قيامًا: فقد فاتَتْه الرَّكْعَة، وأنَّه لا يعتدُّ بِتَيْنِكَ السَّجْدَتَيْن اللَّتَيْنِ أَدْرَكَ (1)(2)
ولكن: من أَدْرَكَ الرُّكُوعَ مع الإمام (3) هل يكون مُدْرِكًا للرَّكعة، وتُحْتَسَبُ له ركعةً مجزِئةً مُعْتدًّا بها؟
وبصيغة أُخرى: متى تُدرَك الركعةُ مع الإمام؟
هل يكون ذلك بإدراكِ القيامِ معه والقراءة؟ أم يكون بإدراكِ الحد المجزئ من الرُّكوعِ مع الإمام، أو بما هو أقلُّ من ذلك؟
في هذه المسألة ثلاثة مذاهب للفقهاء، نعرضها بإيجاز، في
(1) انظر: ((مراتب الإجماع))، لابن حَزْم الظاهري، ص (25).
(2)
انظر: ((مراتب الإجماع))، لابن حَزْم الظاهري، ص (25). ') ">
(3)
المراد بإدراك الركوع: أن يلتقي المأموم هو وإمامه في حدِّ أقلِّ الركوع. حتى لو كان هو في الهويِّ، والإمام في الارتفاع، وقد بلغ هويُّه حدَّ الأقل قبل أن يرتفع الإمام عنه: كان مدركًا. وإن لم يلتقيا في أقلِّ الركوع: فلا يكون مدركًا. انظر: ((روضة الطالبين)) للإمام النووي: 1/ 377.
ثلاثة مطالب، ثم نَرْجِعُها إلى مذهبين اثنين، مع أدلة كلٍّ منهما؛ لأنَّ المذهب الثالث يندرج في الأول لموافقته له في أنَّ الركعة تُدركُ بالرُّكوعِ، والله الموفق.
المطلب الأول: المذهب الأول (مذهب الجمهور)
إذا أَدْرَكَ المسبوقُ الإمامَ راكعًا، فكبَّرَ وهو قائمٌ، ثم ركعَ وأمْكَنَ يَدَيْهِ من ركبتيه؛ فإنْ وصلَ المأمومُ إلى حدِّ الرُّكُوع المجزئ - وهو أن تبلغ راحتاه ركبتيه - قبل أن يرفع الإمامُ عن حدّ الرُّكُوع المجزئ: فقد أَدْرَكَ الرَّكْعَة وحُسِبَتْ له ركعةً مجزئة، وإنْ فَاتَه القيامُ وقِرَاءَةُ الفاتحةِ.
وإذا أَدْرَكَه بعد فوات الحدِّ المجزئ من الرُّكُوع: فلا خلاف في أنَّه قد فاتَتْهُ الرَّكْعَة، ومن فاتته الرَّكْعَة فقد فاتته السَّجْدَة، فلا يعتدُّ بالسُّجُود، وعليه أن يسجد مع الإمام ولا يعتدُّ به، فلا يكون مدركًا للرَّكعة، لكن يجب عليه متابعةُ الإمام فيما أَدْرَكَ، فيسجد معه وإن لم تُحسبْ له ركعةً.
وهذا مذهب الأئمة الأربعة، وجماهير العلماء وهو مذهب عامَّة السَّلف من الصحابة والتابعين، فمَنْ بَعْدَهُم - رحمهم الله
تعالى- (1)
قال الإمام أَبُو بكْرِ بنُ المُنْذِرِ: ((اختلف أهل العلم في الوقت الذي يكون المرء مدركًا للركعة: فكان ابن مسعود يقول: مَنْ أدركَ الركوعَ فقد أدرك. وقال ابن عُمَرَ: إذا أدركتَ الإمامَ راكعًا وركعت قبل أن يرفع: فقد أدركتَ، وإن رفعَ قبل أن تركع: فقد فاتتك. وروينا عن عليٍّ، وابنِ مسعودٍ أنهما قالا: من لم يدرك الركعة فلا
(1) انظر: ((المبسوط)) للسرخسي: 2/ 94، ((فتح القدير شرح الهداية)) للكمال بن الهمام: 1 344 - 345، ((المدونة)) للإمام مالك بن أنس: 1 69 - 70، ((بداية المجتهد ونهاية المقتصد)) لابن رشد: 1/ 185 - 186، ((الأم)) للإمام الشافعي: 1/ 157 - 158، ((الأحكام الكبرى)) لابن كثير، ورقة 173/أ (مخطوط بمكتبة الحرم المكي الشريف)، ((المجموع شرح المهذب)) للنووي:4 113 - 115، ((مغني المحتاج في شرح المنهاج)) للخطيب الشربيني:1/ 504، ((مسائل الإمام أحمد))،برواية ابنه عبد الله: 1/ 252 وبرواية أبي داود، ص 35، ((المغني)) لابن قدامة: 1/ 504، ((المبدع في شرح المقنع)) لابن مفلح: 2/ 48، ((الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف)) المَرْدَاوِي:2/ 223، ((عون المعبود في شرح سنن أبي داود)) لشمس الحق آبادي: 3/ 154، ((المصنف)) لابن أبي شيبة: 1/ 243 - 244، ((فتح الباري شرح صحيح البخاري))، لابن رجب الحنبلي: 7/ 109 - 110، ((موطأ الإمام مالك)) برواية محمد بن الحسن:1/ 433 - 434، ((الاستذكار لمذاهب فقهاء الأمصار)) لابن عبد البر: 1/ 83، وله أيضًا:((التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد)):7/ 73، ((المنتقى شرح الموطأ)) للباجي: 1/ 20، ((طرح التثريب شرح التقريب))، للحافظ زين الدين العراقي:2/ 364 - 365.
يعتدّ بالسجدة.
وقال قَتَادَةُ، وحُمَيْد، وأصحابُ الحَسَنِ: إذا وضع يديه على ركبتيه قبل أن يرفع الإمام رأسه: فقد أدرك، وإن رفع الإمام رأسه قبل أن يضع يديه: فإنه لا يعتدُّ بها.
وممن قال إن من أدرك الإمام راكعًا فقد أدرك الركعة: سعيدُ بنُ المسيِّب، ومَيْمُونُ بنُ مِهْرَانٍ، وسُفْيَانُ الثَّوريُّ، والأوْزَاعيُّ، والشَّافعيُّ، وأحمدُ، وإسْحَاق. وحُكِيَ ذلك عن مالكِ بنِ أَنَسٍ، والنُّعْمَانِ)) (1)
وقال حافظ المغرب، أبو عمر، يوسف بنُ عَبْدِ البَرِّ:((وهذا مذهب مالكٍ، والشَّافعيِّ، وأبي حنيفةَ، وأصحابِهم، وهو قول الثَّوريِّ، والأوزاعيِّ، وأبي ثور، وأحمدَ بنِ حنبل، وإسحاق. ورُويَ ذلك عن عليٍّ، وابنِ مسعودٍ، وزيد بنِ ثابتٍ، وابنِ عمرَ، وعطاءٍ، وإبراهيم النَّخَعِيِّ، ومَيْمُونِ بنِ مِهْران، وعُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْر)) (2)
وقال الحافظُ بنُ رجبٍ الحنبليُّ: ((وهذا قول جمهور
(1) انظر: ((الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف)) لابن المنذر النيسابوري: 4/ 195 - 197. ') ">
(2)
انظر: (التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد)، لابن عبد البر: 7/ 73،74. ') ">