الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في ذلك، واتَّفقَ الصحابةُ على موافقته، ولم يخالف منهم أحدٌ إلا ما رُوِيَ عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، وقد رُوي عنه من وجهٍ أصحَّ منه أنَّه يعتدُّ بتلك الركعة.
وأما الثاني: فإنَّما نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أبا بكْرةَ رضي الله عنه عن الإسراع إلى الصلاة كما قال: «لا تأتوهَا وأنتم تَسْعَونَ. . .» .
ثمَّ بيَّن الحافظ رحمه الله الباعثَ النفسيَّ في ردِّ الإمام البخاريِّ ومُبَالَغتِهِ في ذلك، فقال: وكان الحاملُ للبخاريِّ رحمه الله على ما فعله شدّةَ إنكارِه على فقهاء الكوفيينَ أنَّ سورة الفاتحة تصحُّ الصلاة بدونها في حقِّ كل أحدٍ، فبالغ في الردِّ عليهم ومخالفتهم حتى التزم ما التزمَهُ ممّا شذَّ فيه عن العلماء، واتَّبَع فيه شيخه ابنَ المَدينيِّ؛ ولم يكنِ ابنُ المدينيّ من فقهاء أهلِ الحديثِ، وإنَّما كان بارعًا في العِلَلِ والأسانيد
المطلب الثاني: مناقشةُ الأدلَّةِ التي ساقها الشَّوْكَانِيُّ وابنُ حَزْم
أما الأدلة التي استدلَّ الشَّوْكَانِيّ وابنُ حَزْم - رحمهما الله - بها، فيُجَابُ عنها جميعها. وفيما يلي شيء من الإجابة على ذلك حسب
الترتيب الذي سقناه عنهم فيما سبق:
1 -
مجمل الأدلة التي ذكروها للاسْتدلال على وجوب الفاتحة في الصلاة للمأموم في غير محل النزاع، فإنَّ المصلِّيَ إما أن يكون إماما أو منفردًا أو مأمومًا، فإن كان إمامًا أو منفردًا، فحكمه ما دلَّت عليه الأحاديث التي اسْتَدَلَّ بها ابن حَزْمٍ والشَّوْكَانِيُّ من أنه لا صلاة إلا بقِراءَةٍ.
أما إذا كان مأمومًا؛ فإن تلك الأدلة لا تدلُّ على وجوب القِرَاءَة عليه، ولا نسلِّم أنَّ المأموم تجب عليه القِراءَة، ولو وجبت القِرَاءَة عليه مطلقًا فإنَّ الإمام يتحملها عنه، وقد جاءت أحاديث تدل على ذلك وتخصص تلك العمومات:
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ كانَ لهُ إمامٌ فقِرَاءَةُ الإمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» (1).
وقد رُوِي هذا الحديثُ من طُرُقٍ عديدة عن جابر - رضي الله
(1) أخرجه الإمام أحمد في ((المسند)): 3/ 339، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة، باب إذا قرأ الإمام فأنصتوا برقم (850): 1/ 277، والطَّحَاوِيّ في ((شرح معاني الآثار)): 1/ 217، وأبو حنيفة في ((مسنده))، ص 307، ومن طريقه أخرجه أبو يوسف القاضي في كتابه ((الآثار)) برقم (113) ص 23 - 24، وأبو نعيم في ((الحلية)): 7/ 334، والدارقطني في ((السنن)): 1/ 323 - 326، وابن أبي شيبة في ((المصنف)): 1/ 367 و377.
عنه - موصولاً مرفوعًا، وروي مرسلاً. وقال الدَّارقُطنيُّ وابنُ عَدِيّ والبَيْهَقِيّ: إنه صحيح مُرْسَلاً ضعيفٌ متَّصلاً مرفوعًا، واستقصى الشيخ ناصر الدين الألباني طرقه وحكم عليه بأنه حديث حسن (1)
ولا يقدح في الاسْتدلال بهذا الحديث كونُه مرسلاً، بعد صحته، فإنه قد جاء من طرق أخرى موصولةٍ صحيحًا، كما أنَّ المرسل حجة عند كثير من أهل العلم، وبخاصة عندما يصحُّ مخرجه أو يجيء من وجه آخر مسندًا أو مرسلاً أرسله مَنْ أخذ العِلمَ عن غير رجالِ المرسَل الأول. ويتقوَّى العمل بالمرسل إذا تأيَّد بآيةٍ أو سنة مشهورة أو موافقة قولِ صحابيٍّ، أو عَمِلَ الصحابةُ بمقتضاه، أو تلقَّتْه الأمة بالقَبول، أو عُرِف من حال المرسِل أنَّه لا يروي عمَّن فيه عِلَّةٌ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وهذا الحديث رُوي مرسلاً ومُسْندًا، لكنَّ أكثر الأئمة الثّقات رووه مرسلاً عن عبد الله بن شدَّاد عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأسنده بعضهم، ورواه ابن ماجه مسندًا، وهذا المرسل قد عضده ظاهر القرآن والسنَّة، وقال به جماهير أهل العلم من الصحابة والتابعين، ومُرْسِلُه من أكابر
(1) انظر: ((إرواء الغليل)): 2 268 - 277، ((إمام الكلام في القِرَاءَة خلف الإمام)) للعلامة أبي الحسنات اللكنوي ص (199 - 203).
التابعين، ومثل هذا المرسل يُحتَجُّ به باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم، وقد نصَّ الشافعيُّ على جواز الاحتجاج بمثل هذا المرسل)) (1)(2)
وقال الصَّنْعَانِيُّ عن حديثنا هذا: ((رُوي من طرق كثيرة مرفوعًا من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، إلا أنه قال الدَّارَقُطْنِيُّ والبَيْهَقِيّ وابنُ عَدِيٍّ: وفي الصحيح إنَّه مرسلٌ.
وأجيب: أنَّه بعد تسليم إرساله فهو حُجَّة، على أنه قد رفعه الثِّقات. والحاصل: أنه روي مرسلاً ومرفوعًا، والرفع زيادة ثقة فيجب قبولها)) (3)
وقال أبو الوليد البَاجِي (4)((ولا يقدح في الاستدلال بالحديث أن ينفرد الراوي الثقة بزيادة خولف فيها، فإن زيادة الثقة مقبولة لجواز أن ينفرد بسماعها، ثم قد يتابعه غيره فيها، إن كان ذلك في المتن أو السند)) (5)
(1)((مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية)): 23/ 271 - 272.
(2)
((مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية)): 23/ 271 - 272. ') ">
(3)
انظر: ((العُدة، حاشية الصنعاني على إحكام الإحكام لابن دقيق العيد)):2/ 391. ') ">
(4)
في كتابه ((المنهاج في ترتيب الحجاج))،ص (80 و81) ') ">
(5)
وعن تفصيل القول في حجية المرسل انظر: ((الرسالة)) للإمام الشافعي، ص (461 - 471)، ((أصول السرخسي)): 1/ 359 - 364، ((كشف الأسرار عن أصول البزدوي)) للبخاري: 3/ 2 وما بعدها، ((نزهة الخاطر العاطر)) لابن بدران: 1/ 324 - 326، ((المجموع)) للنووي: 1/ 99 - 103، ((تدريب الراوي)) للسيوطي: 1/ 198 - 207، ((المراسيل)) لأبي داود السجستاني صاحب (السنن)) ص (49 - 59) من مقدمة التحقيق للشيخ الأرناؤوط، وفيه طائفة من المراجع، وأفرده الحافظ صلاح الدين العلائي بكتاب ((جامع التحصيل في أحكام المراسيل)).
والحديث قد روي مرفوعًا موصولاً بسند صحيح عند ابن أبي شيبة في ((المصنَّف))، قال: حدَّثَنا مالك بن إسماعيل، عن الحسن بن صالح، عن أبي الزُّبَيْر، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم. . حيث إن مالك بن إسماعيل النهدي: ثقةٌ مُتقِنٌ أَخرج له الستّةُ، والحسنُ بنُ صالح الهمذاني الثوري: ثقةٌ فقيهٌ عابد، أخرج له البخاري في ((الأدب)) ومسلم وأصحاب السنن، وأبو الزُّبَيْر: هو محمَّد بن مسلم بن تَدْرُس الأَسَدِيُّ المكِّيُّ قال عنه ابن معين: ثقةٌ.
وكذلك صحَّ الحديث موصولاً عند أحمد بن مَنِيعٍ في ((مسنده)) قال: أخبرنا إسحاق الأزرق، حدَّثَنا سفيان وشريك، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شدَّاد، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم. . .
ورواه عَبْدُ بنُ حُمَيْد قال: حدَّثَنا أبو نعيم، حدَّثَنا الحسن بن صالح، عن أبي الزُّبَيْر، عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال. . .
ورفَعهُ أبو حنيفةَ بسندٍ صحيحٍ -كما أخرجه محمد وأبو يوسف عنه -: قال: حدَّثَنا أبو الحسن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد، عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم. . . (1).
ففي هذا الحديث تخصيصٌ لعمومِ الآية الكريمة: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} وعمومِ قولهِ عليه الصلاة والسلام: «لا صلاةَ إلا بقِرَاءَة» (2) فيخرج من ذلك المقتدي، للحديث السابق الذي سقناه آنفًا.
وكذلك يُحمل قولُه عليه الصلاة والسلام: «فكبِّرْ ثم اقرأْ ما تيسَّر معك من القُرْآن» (3) يحمل على غير حال الاقتداء، جمعًا بين الأدلة.
قال الإمام أبو جعفر الطَّحَاوِيُّ رحمه الله بعد أن عرض للأدلة التي تدل على وجوب القِرَاءَة في سائر الصلوات: فذهب إلى هذه الآثار قومٌ، وأوجبوا بها القِرَاءَة خلف الإمام في سائر
(1) انظر: ((شرح مسند أبي حنيفة)) لملا علي القاري، ص (307 - 310)، ((كتاب الآثار)) لأبي يوسف ص (23 - 24)، ((مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه)):1/ 106، ((فتح القدير)) للكمال بن الهمام: 1/ 238 - 239.
(2)
صحيح مسلم الصَّلَاةِ (395)، سنن الترمذي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ (2953)، سنن النسائي الِافْتِتَاحِ (909)، سنن أبي داود الصَّلَاةِ (820)، سنن ابن ماجه إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَالسُّنَّةِ فِيهَا (838)، مسند أحمد (2/ 428)، موطأ مالك النِّداءِ لِلصّلاةِ (189).
(3)
صحيح البخاري الأذان (757)، صحيح مسلم الصلاة (397)، سنن الترمذي الصلاة (303)، سنن النسائي الافتتاح (884)، سنن أبو داود الصلاة (856)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1060)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 437).
الصلوات بفاتحة الكتاب، وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا نرى أن يقرأ خلف الإمام في شيء من الصلوات بفاتحة الكتاب ولا بغيرها.
وكان من الحُجَّة لهم عليهم في ذلك: أنَّ حَدِيثَي أبي هريرة رضي الله عنه وعائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: «كلُّ صلاةٍ لم يُقْرَأْ فيها بأمِّ الكتابِ فهي خِدَاجٌ» (1).
ليس في ذلك دليل على أنه أراد بذلك، الصلاةَ التي تكون وراءَ الإمام.
قد يجوز أن يكون عنى بذلك الصلاةَ التي لا إمامَ فيها للمصلِّي، وأخرج مِنْ ذلك المأمومَ بقوله:«من كان له إمام فقِرَاءَة الإمام له قِرَاءَة» (2). فجعل المأموم في حكم من يقرأ بقِرَاءَة إمامه. ثم ساق أدلة ذلك وشواهده وجَمعَ بين الأدلة التي توجِب القِراءَة مطلقًا والأدلةِ الأخرى
(1) انظر: ((موطأ الإمام مالك)): 1/ 84، 85، ((صحيح مسلم)): 1/ 296، ((شرح معاني الآثار)):1/ 215، ((سنن ابن ماجه)):1/ 274، وتخريجه بالتفصيل في ((إمام الكلام في القراءة خلف الإمام)) لأبي الحسنات اللكنوي، ص (58) وما بعدها.
(2)
سنن ابن ماجه إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَالسُّنَّةِ فِيهَا (850)، مسند أحمد (3/ 339).
بل يقال: إن القِراءةَ ثابتةٌ من المقتدي شرعًا، فإنَّ قِراءَة الإمام قِراءَةٌ له، فلو قرأ لكان في صلاته الواحدة قراءتان، وهو غير مشروع.
ولو قيل: إنَّ حديث «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فقِرَاءَةُ الإمام قِرَاءَة له» (1) معارَضٌ بحديث «لا صلاة إلا بقِرَاءَة» (2).
فإننا نقول: سلَّمْنَا أنَّه لا صلاة إلا بقِراءَة، ولكن هذا خارج عن مسألتنا، وليس الكلام فيه، وإنما الكلام في أنَّ قِراءَة الإمام هل هي قِراءَة للمأموم أم لا؟
وحديث «لا صَلاةَ إلا بِقِرَاءَةٍ» (3) لا يدلُّ على نفيٍ ولا إثباتٍ في قضية قِراءَة الإمام وأنها قِرَاءَة للمأموم، وحديثُ جابرٍ «مَنْ كانَ لهُ إمامٌ. . .» (4) يدلُّ على ثبوت القِراءَة للمأموم بقِرَاءَة الإمام، وهو مُثْبِتٌ، فيُعْمَلُ به حَذَرًا من إلغاء أحد الدليلين مع إمكان العمل بهما، والعملُ بالدليلين أولى من إهمال أحدهما (5)
وعن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه قال: سأل رجلٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسولَ اللهِ، أفي كلِّ صلاةٍ قِرَاءَة؟ قال: نعم. قال رجل من القوم: وَجَبَ هذا. فقال النبي صلى الله
(1) سنن ابن ماجه إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَالسُّنَّةِ فِيهَا (850)، مسند أحمد (3/ 339).
(2)
صحيح مسلم الصَّلَاةِ (395)، سنن الترمذي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ (2953)، سنن النسائي الِافْتِتَاحِ (909)، سنن أبي داود الصَّلَاةِ (820)، سنن ابن ماجه إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَالسُّنَّةِ فِيهَا (838)، مسند أحمد (2/ 428)، موطأ مالك النِّداءِ لِلصّلاةِ (189).
(3)
صحيح مسلم الصَّلَاةِ (395)، سنن الترمذي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ (2953)، سنن النسائي الِافْتِتَاحِ (909)، سنن أبي داود الصَّلَاةِ (820)، سنن ابن ماجه إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَالسُّنَّةِ فِيهَا (838)، مسند أحمد (2/ 428)، موطأ مالك النِّداءِ لِلصّلاةِ (189).
(4)
سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (850)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 339).
(5)
((العناية على الهداية)) للبابرتي: 1/ 238 بهامش ((فتح القدير)) لابن الهمام، وانظر:((المنتقى)) للباجي: 1/ 20.
عليه وسلم: مَا أرَى الإمامَ إذا قَرأَ إلا كانَ كَافِيًا» (1).
ويتقوَّى هذا بعمل الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم-: فقد قال عليٌّ رضي الله عنه: «من قرأ خلف الإمام فليس على الفطرة» (2).
وكان ابن عمر رضي الله عنهما لا يقرأ خلف الإمام.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «يا فلان لا تقرأ خلف الإمام إلا أن يكون إمامًا لا يقرأ» (3).
وعن أَبي وائلٍ قال: «جاء رجل إلى ابن مسعود، فقالَ: أقرأُ خلف الإمام؟ قال: أنصِتْ للقرآن، فإنَّ في الصلاة شغلاً،
(1) أخرجه النسائي في الافتتاح: 1/ 142 وصوّب وقفه، وابن ماجه في الإقامة: 1/ 275، والطحاوي: 1/ 216، والبيهقي في ((القراءة خلف الإمام)) ص (174)، وعزاه الهيثمي في ((المجمع)): 2/ 110 للطبراني في ((الكبير))، وقال: إسناده حسن. وانظر: ((فتح القدير)) للكمال بن الهمام: 1/ 240 حيث قوَّى رفع الحديث من رواية أبي الدرداء بعمله.
(2)
((معاني الآثار)) للطحاوي: 1/ 219، وله أيضا:((أحكام القرآن)): 1/ 250، المصنف لابن أبي شيبة: 1/ 376،ولعبد الرزاق: 2/ 137، ((خير الكلام في القراءة)) للبخاري ص (14)، ((سنن الدارقطني)): 1/ 231، ((سنن البيهقي)): 2/ 168 وله أيضا: ((القراءة خلف الإمام))، ص (190 - 192)، وقال ابن التركماني: إسناده حسن. وانظر: ((إرواء الغليل)):2/ 282.
(3)
((مالك)) في الموطأ: 1/ 159 مع ((شرح الباجي))، الطَّحَاوِيّ 1/ 219 - 220.
وسيكفيكَ ذلكَ الإمامُ» (1).
وعدم القِرَاءَة خلف الإمام مرويٌّ عن عدد كبير من الصحابة وكبار التَّابعين؛ فمن الصحابة: ابنُ مسعودٍ، وعليٌّ، وسعدٌ، وزيدُ بنُ ثابت، وعُمَرُ، وجابرٌ والأسودُ بن يزيد، وأبو سعيدٍ الخُدْرِيُّ رضي الله عنهم.
ومن التابعين: ابنُ جُبَيْرٍ، وابن المسيِّب، وسُوَيْدُ بنُ غَفَلةَ، والضَّحَّاكُ، وابنُ عمارةَ، وعمرو بن مَيْمُون، وغيرهم (2)
فهؤلاء جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أجمعوا على ترك القِرَاءَة خلف الإمام.
وقد وافقهم على ذلك ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما قدَّمْنَا ذكره، وشهد لهم النظر بما قد ذكرنا - آنفًا - فذلك أَوْلَى ممَّا خالفَهُ (3).
(1) ابن أبي شيبة: 3/ 376 والطَّحَاوِي: 1/ 219، وأخرجه أيضًا في ((أحكام القرآن)): 1/ 250، والطبراني في ((الأوسط والكبير)) ورجاله ثقات. انظر:((مجمع الزوائد ومنبع الفوائد)) للهيثمي: 2/ 110 - 111.
(2)
انظر: ((المصنف)) لابن أبي شيبة: 1/ 376 ففيه آثار كثيرة، وكذلك في ((معاني الآثار)) للطحاوي. ') ">
(3)
((شرح معاني الآثار)) للطحاوي: 1/ 220، وقد ذكرنا حكم القِراءَة هنا استطرادًا تكميلًا للمناقشة، ومن المناسب هنا تلخيص المذاهب في القِراءَة خلف الإمام، وقد أشار إليها الإمام ابن هبيرة رحمه الله، فقال في ((الإفصاح عن مذاهب الصحاح)): 1/ 127: ((واختلفوا في وجوب القِراءَة على المأموم؛ فقال أبو حنيفة: لا تجب القِرَاءَة على المأموم، سواء جهر الإمام أو خافت، ولا يسن له القِراءَة خلف الإمام بحال. وقال مالك وأحمد: لا تجب القِرَاءَة على المأموم بحال، ثم قال مالك: فإن كانت الصلاة مما يجهر الإمام بالقِراءَة فيها أو ببعضها، كره للمأموم أن يقرأ في الركعات التي يجهر بها الإمام، ولا تبطل صلاته، سواء كان يسمع قِراءَة الإمام أم لا يسمعها. وقال أحمد: إذا كان المأموم يسمع قِراءَة الإمام كرهت له القِراءَة، فإن لم يسمعها فلا تكره، ويسن للمأموم القِراءَة فيما خافت فيه الإمام. وقال الشافعي: يجب على المأموم القِراءَة فيما أسر فيه إمامه، فإن جهر، فعنه قولان. . .)). وانظر: ((إمام الكلام في القراءة خلف الإمام))، للعلامة أبي الحسنات اللكنوي ففيه عرض للمذاهب بالتفصيل مع الأدلة والمناقشة والترجيح مما لا تجده في كتاب آخر.
2 -
وأما الدليل الثاني الذي ذكره ابن حَزْم، وهو قوله عليه الصلاة والسلام:«. . . وما فاتكم فأتمُّوا» (1) فلا يدل على ما ذهب إليه، فإن الرَّكْعَة لم تَفُتْ مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوع، كما قد بينّا - وبالتالي فإنه لا يجب عليه قضاؤها؛ لأنها وقعت مؤدّاة معتدًّا بها ومجزئةً.
يجاب عنه: بأن الفَرْضَ قد سقط عنه؛ للأدلَّة السابقة التي
(1) صحيح البخاري الأذان (635)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (603)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 306)، سنن الدارمي الصلاة (1283).
أوردناها آنفًا، وهي مخصِّصَة لعموم الأدلة التي ساقها ابنُ حَزْم.
ولذلك قال بعض الفقهاء: ((تتعيَّن فاتحة الكتاب في كل ركعة إلا ركعة مسبوق، فإنها لا تتعيَّن، على الأصح، ولا تلزم المسبوقَ، وإن وجبتْ عليه تحمَّلها عنه الإمامُ)) (1)
قال الحافظ ابن كثير: ((فأمَّا المأموم المسبوق الذي يدرك الإمام في الرُّكوع، فإنه يقتدي به وتسقط عنه قراءة الفاتحة في هذه الرَّكعة لفوات محلِّها، ويكون مدركًا لهذه الرَّكعة عند الأئمةِ الأربعة وجمهورِ أصحابهم، وهو قول عامَّة السَّلَف من الصحابة)) (2)
وقد أجمع الفقهاء على أنَّ جميع ما يجب في الصلاة، يجب مع القدرة عليه، وأنه إذا عجز الإنسانُ يسقط وجوبُه، فإذا كان القيامُ، وهو ركنٌ في الفرض يسقط إذا عجز عنه، وكذلك الفاتحة، وغيرها من أركان الصلاة وواجباتها، فسقوطُ المختلَف في وجوبه إذا تعذر مِنْ بابٍ أَوْلَى وأَحْرى (3)
وقد جعل شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَةَ، رحمه الله، حديثَ أبي بَكْرَةَ نَفْسَهُ مخصِّصًا لعموم الأحاديث التي تدلُّ على وجوب القِرَاءَة،
(1) انظر: ((مغني المحتاج بشرح المنهاج)) للخطيب الشربيني: 1/ 157 بتصرف يسير. ') ">
(2)
انظر: ((الأحكام الكبرى)) لابن كثير، ورقة (173/ أ). ') ">
(3)
انظر: ((الفتاوى السعدية))، للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي: 1/ 171 ') ">
فقال:
((. . . وأيضًا فهذا عمومٌ قد خُصَّ منه المسبوق بحديث أبي بَكْرَةَ وغيره، وخُصَّ منه الصلاة بإمامَيْن، فإنَّ النبي، صلى الله عليه وسلم، لما صلَّى بالناس وقد سبقه أبو بكر ببعض الصلاة، قرأ من حيث انتهى أبو بكر، ولم يَستأنِفْ قِرَاءَةَ الفاتحةِ؛ لأنَّه بَنَى على صلاةِ أبي بكرٍ رضي الله عنه)(1)
وحتى لو لم نقلْ: إنَّ هذا الفرض قد سقط عن المأموم، فإنَّ القيامَ والقِراءَةَ كلاهما قد حصل للمأموم؛ أمَّا القيامُ فقد حصلَ عندما كبَّر للصلاة وهو في حال الوقوف، وأمَّا القِراءَةُ فقد حصلت له بقِرَاءَة الإمام، كما سبق ذلك عند حديث «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» (2)، والله أعلم.
3 -
وأمَّا ما قاله ابنُ حَزْمٍ من أنَّ زيدَ بنَ وَهْبٍ لما قام يقضي ما سبقه به الإمامُ عند دخوله مع ابن مسعود، دلَّ على ((إيجاب القضاء. .)) فهذا غير مسلَّم له، فهو قد احتجَّ بذلك على أنه فِعْلُ صحابيٍّ، وقد سبق نقلاً عن ابن حَجَر وابنِ عبدِ البَرِّ: أنَّه ليس صحابيًّا، بل هو معدودٌ في كبار التابعين.
(1)((مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية)): 23/ 290. ') ">
(2)
سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (850)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 339).
وكذلك لا يدلُّ على إيجاب القضاء؛ لأنَّ الرواياتِ التي سبقت (1) فيها ما يدلُّ على أنَّ ابن مسعود أقعده وأخبره بالإجزاء والاعتداد بالرَّكْعَة، وعندئذ قعد ولم يصلِّ، فقد قال:«فأخذَ عبدُ اللهِ بيدِي فأَجْلَسَنِي، وقالَ: إنَّك أَدْرَكْتَ» .
فهو كان يرى عدم إدراك الرَّكْعَة حتى أخبره عبدُ الله بنُ مسعود رضي الله عنه بأنه قد أَدْرَكَ. ولم يُنْقَل أنه صلَّى أو قضى تلك الرَّكْعَة بعد أن أخبَرهُ عبدُ الله بأنه قد أَدْرَكَ.
فكيف إذن يقال: إنَّ هذا يدلُّ على وجوب القضاء؟
4 -
وأمَّا حديثُ أبي هريرةَ، رضي الله عنه:«إِذَا أَدْرَكْتَ القومَ رُكُوعًا لم تعتدَّ بتلك الرَّكْعَةِ» .
فإنَّه مخالفٌ للآثار الصحيحة الثَّابتة، ومنها ما هو مرويٌّ عنه رضي الله عنه، وكذلك: سنده ضعيف؛ من أجل عنعنة ابن إسحاق، ومن أجل مَعْقِلٍ، فإنَّه لم يوثِّقْه أحد غيرُ ابنِ حِبَّان، وقال الأزْدِيُّ: متروك (2)
(1) انظر فيما سبق، ص (192). ') ">
(2)
قال ابن عبد البر في ((التمهيد)) 7/ 72 وفي ((الاستذكار)) 1/ 82: ((روي من طريق فيه نظر. . . وهذا قول لا نعلم أحدًا قال به من فقهاء الأمصار، ولا من علماء التابعين، وقد روي معناه عن أشهب)). وقال ابن الملقِّن في ((خلاصة البدر المنير)) 1/ 197: ((غريب. وفي طبقات العبادي أن ابن خزيمة روى في ذلك خبرًا مسندًا، وأنه قول أبي هريرة. ورواه الدارقطني في ((علله)) من رواية معاذ رضي الله عنه – وضعَّفه)). انظر: ((العلل الواردة في الأحاديث)) للدارقطني: 6/ 58 - 59. وقال ابن حجر في ((تلخيص الحبير)):2/ 41 - 42 ((المعروف عن أبي هريرة موقوفًا، أما المرفوع: فلا أصل له)). وانظر: ((فتح الباري)) لابن رجب: 7/ 114، ((إمام الكلام في القراءة خلف الإمام)) لأبي الحسنات اللكنوي، ص (98).
لكن رواه البخاريُّ في مكانٍ آخرَ من ((جزء القِرَاءَة. .)) عن جماعةٍ، فقال: حدَّثَنا مسدَّد وموسى بنُ إسماعيلَ ومَعْقِلُ بنُ مالك قالوا: حدَّثَنا أبو عَوانةَ، به، لكن بلفظ:«لا يجزِئُك إلاّ أنْ تُدْرِكَ الإمامَ قائِمًا» (1).
ثم قال البخاريُّ: حدَّثَنا عُبَيْدُ بنُ يَعِيش، قال: حدَّثَنا يونس، قال: حدَّثَنا ابنُ إسحاق، قال: أَخبَرَني الأَعْرَجُ به، باللفظ الثاني.
فقد ثبت هذا عن أبي هريرةَ لتصريح ابنِ إسحاق بالتحديث، فزالت شبهة تدليسه.
أمَّا اللَّفظ الأول فلا يصحُّ عنه؛ لتفرُّدِ مَعْقِلِ بنِ مالكٍ به ومخالفتِه للجماعة في لفظه.
وثَمَّةَ فرقٌ واضح بين اللَّفظَيْن: فإنَّ اللفظ الثابت يعطي معنًى آخر لا يعطيه اللفظ الضعيف؛ ذلك لأنَّه يدلُّ على أنَّه إذا أدرك
(1) جزء ((القِرَاءَة خلف الإمام. .)) للبخاري، ص (34).
الإمام قائمًا، ولو لحظةً، ثم رَكعَ: أنَّه يدرك الرَّكعةَ. هذا ما يفيده اللفظ المذكور. والبخاريُّ ساقه في صدد إثباتِه وجوبَ قراءةِ الفاتحة، وأنَّه لا يُدرِك الرَّكْعَة إذا لم يقرأها. وهذا مما لا يتحمله هذا اللفظ كما هو ظاهر، والله أعلم (1)
وقال الحافظُ ابنُ رَجَبٍ في كتابه النفيس ((فتح الباري، شرح صحيح البخاري)):
فأبو هريرةَ رضي الله عنه لم يقُلْ: إنَّ مَنْ أدركَ الرُّكوع فاتته الركعة لأنَّه لم يقرأ بفاتحة الكتاب. إنَّما قال: لا يجزئك إلا أن تُدْرِكَ الإمامَ قائمًا قبل أن يركعَ، فعلَّل بِفَوَاتِ لُحُوقِ القيامِ مع الإمامِ، وهذا يقتضي أنَّه لو كبَّرَ قبل أن يركع الإمام ولم يتمكَّن من القراءة فركع: كان مُدرِكًا للركعة. . .
(1) عن: ((إرواء الغليل)): 2 265، و ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)): 2 59، كلاهما للشيخ محمد ناصر الدين الألباني.