المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وأسأل الله تعالى له عظيمَ الأجر والمثوبة.   والحمد لله ربِّ العالمين، - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٩٠

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌كلمة خادم الحرمين الشريفين

- ‌الفتاوى

- ‌ تحلي الرجال بالجواهر):

- ‌ تحلي النساء بالذهب وفتوى الألباني):

- ‌ تركيبة الذهب للنساء):

- ‌ الذهب الغير المعتاد على الرأس):

- ‌ لا زكاة في الحلي)

- ‌ فتوى في الموضوع)

- ‌الجواب عن حديث المسكتين):

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌الدورات العلمية ليست مصرفا للزكاة

- ‌طباعة القرآن ليست من مصارف الزكاة

- ‌ابن السبيل من مستحقي الزكاة

- ‌حكم دفع الزكاة للأخوالأخت والعم والعمة وسائر الأقارب

- ‌حكم دفع الزكاة للأم

- ‌حكم دفع الزكاة للجدات

- ‌الزكاة تدفع للأقارب الفقراءالذين ليسوا من الأصول ولا من الفروع

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌وقت الجمعة وقت الظهر

- ‌حكم ترافع المرأة في المحاكم

- ‌حكم الأندية النسائية

- ‌ليس من خلق المرأة المسلمة

- ‌المسلم متميز بلبسه

- ‌حكم زواج المسيار

- ‌حكم سجود اللاعبين عند تسجيل الأهداف

- ‌من يبتز الفتيات مجرم خطير

- ‌عبارة (جمعة مباركة)

- ‌سجود التلاوة

- ‌تحميل المصحف في الجوال

- ‌حكم أخذ أحكام النوازل من بيانات مجهولة المصدر

- ‌من فتاوىاللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ بعض العلماء يسدل في الصلاة، وبعضهم يقبض

- ‌ الفرق بين القبض والسدل

- ‌ وضع اليد على اليد:

- ‌ وضع اليمين على الشمال فوق الصدر في الصلاة

- ‌البحوث

- ‌المطلب الأول:سيرة المؤلف أحمد بن عطْوَة

- ‌المسألة الأولى: اسمُه وأسرتُه ومولده

- ‌المسألة الثانية: شيوخُه وتلاميذه

- ‌المسألة الثالثة: فقهُه وفتاواه

- ‌المسألة الرابعة: صفاتُه ومكانته وثناء العلماء عليه

- ‌المسألة الخامسة: وفاتُه ومكتبته ومؤلفاته

- ‌المطلب الثاني:رسالةُ طُرَف الطَّرف في مسألة الصوت والحرف

- ‌المسألة الأولى: عنوانُ الرسالة وتوثيقُ نسبتها

- ‌المسألة الثانية:سببُ تأليف الرسالة وموضوعُها وأهميتها

- ‌المسألة الثالثة: منهجُ المؤلف ومصادره

- ‌المسألة الرابعة: وصفُ النسخ الخطية المُعتمدة

- ‌نماذج من الأصول المعتمدة

- ‌(النص المُحقَّق)

- ‌إدراك ركعة مع الإمام

- ‌مقدمة

- ‌الدِّراساتُ السَّابقةُ:

- ‌خُطَّةُ البَحْثِ:

- ‌مَنْهَجُ البَحْثِ:

- ‌شكرٌ ودعاءٌ:

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: مذاهبُ العلماءِ في إدراكِ الرَّكْعَةِ

- ‌المطلب الثاني: المذهب الثاني (مذهب بعض علماء السلف)

- ‌تحرير نسبة هذا المذهب:

- ‌المطلب الثالث: مذهب جماعة من التابعين

- ‌سَبَبُ الخلافِ ومَبْنَاهُ:

- ‌المطلب الأول: أدلة المذهب الأول (الجمهور)

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدّليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الدليل السادس:

- ‌الدليل السابع:

- ‌المطلب الثاني: أدلة المذهب الثاني

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌المطلب الأول: مناقشةُ أدلَّة الجمهور (المذهب الأول) والجوابُ عنها:

- ‌الجوابُ عن مناقشةِ ابنِ حَزْم السَّابقةِ:

- ‌المطلب الثاني: مناقشةُ الأدلَّةِ التي ساقها الشَّوْكَانِيُّ وابنُ حَزْم

- ‌المبحث الرابعنُصُوصٌ عَنْ بعضِ الأَئِمَّةِ

- ‌المطلب الأول: نصوص عن بعض أئمة المذاهب

- ‌ الإمام الشَّافعيِّ

- ‌ الإمامِ أحمد بنِ حَنْبَلٍ

- ‌المطلب الثانيفتوى الشَّوْكَانِيّ في ((الفتح الرباني))

- ‌المبحث الخامسمسائلُ وفروعٌ

- ‌المسألة الأولى: حدُّ الرُّكُوع المجزئ

- ‌المسألة الثانية: الاطمئنانُ في الرُّكُوعِ:

- ‌المسألة الثالثة: إذا شكَّ في إدراك الرُّكُوع مع الإمام:

- ‌المسألة الرابعة: محلُّ تكبيرةِ الإحرامِ:

- ‌المسألة الخامسة: هل تُجْزِئُه تكبيرةٌ واحدةٌ عند إِدْرَاكِ الرُّكُوعِ

- ‌المسألة السادسة: إدراكُ الإمامِ في غيِر الرُّكُوعِ:

- ‌المسألة السابعة: انتظارُ الإمامِ مَنْ أحسَّ داخلاًليدرك الرُّكُوع أو الجماعة:

- ‌المسألة الثامنة: ما يُدرك به فضلُ الجماعةِ:

- ‌الخاتمة:

- ‌الملاحق

- ‌كَلامُ الشَّوكَانِيِّ

- ‌تعقيب اللَّكْنَوِيِّ على كلامِ الشَّوكاني:

- ‌طرق إظهار الرغبة في النكاح

- ‌المقدمة:

- ‌خطة البحث:

- ‌منهج البحث:

- ‌المبحث الأول

- ‌المطلب الأول: تعريف الخطبة

- ‌المطلب الثاني:الأحاديث الواردة في خطبة المرأة من وليها أو من نفسها

- ‌المبحث الثاني

- ‌المطلب الأول: تعريف العرض

- ‌المطلب الثاني:الأحاديث الواردة في عرض الولي موليته أو المرأة نفسها

- ‌المبحث الثالث

- ‌المطلب الأول: تعريف الهبة

- ‌المطلب الثاني:الأحاديث الواردة في هبة المرأة نفسها

- ‌الخاتمة:

- ‌ النتائج الحديثية:

- ‌ النتائج الفقهية:

- ‌حكم لبس الثياب الحمرة للرجال

- ‌ المقدمة

- ‌ حكم لبس الثوب الأحمر

- ‌يكره لبس الثوب المتشبع بالحمرة دون ما كان صبغه خفيفًا

- ‌يكره لبس الأحمر مطلقا؛ لقصد الزينة والشهرة

- ‌ لبس ما كان صبغ غزله ثم نسج، ويمنع ما صبغ بعد النسج

- ‌تخصيص المنع بالثوب الذي يصبغ كله

- ‌ الأدلة:

- ‌ القائلون بجواز لبس الحمرة

- ‌ يكره لبس الثوب المتشبع بالحمرة

- ‌جواز لبس ما كان صبغ قبل غزله ثم نسج

- ‌ القائلون باختصاص النهي بما صبغ بالعصفر

- ‌ القائلون بتخصيص المنع بالثوب الذي يصبغ كله باللون الأحمر

- ‌ المناقشة:

- ‌ الترجيح:

- ‌جواز لبس الثوب الأحمر

- ‌ الخاتمة

- ‌ لبس الثياب الحمر للرجال

الفصل: وأسأل الله تعالى له عظيمَ الأجر والمثوبة.   والحمد لله ربِّ العالمين،

وأسأل الله تعالى له عظيمَ الأجر والمثوبة.

والحمد لله ربِّ العالمين، وصلّى الله على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 250

‌الملاحق

وتتضمن ملحقَيْن اثنين:

الأول: حكم من أدرك الركوع مع الإمام، للصنعاني

الثاني: كلام الشوكاني في ((نيل الأوطار))، ومناقشة

أبي الحسَنات اللَّكْنَوِيِّ له.

ص: 250

الملحق الأول

حُكْمُ مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ مَعَ الإمَامِ

للبَدْرِ الأَمِيرِ الصَّنْعَانيّ (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

ونصلِّي ونسلِّم على محمَّدٍ وآله الأكرمين.

قولُه صلى الله عليه وسلم: «من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة» (2)، رواه الشيخان وغيرهما. قال في ((المنار)): إنَّه لا يشمل منْ أدرك الإمامَ حالَ ركوعه فأحرمَ ولم يقرأِ الفاتحةَ، ولا يُسمَّى: لاحقًا، فإنه لم يأتِ بمسمَّى الركعة (انتهى).

وأقولُ: فيه احتمالان:

(الأول) فيه طرفان، الطرف الأول: أنه أُريد ركعة من صلاة المُدْرِك - اسم فاعل - أعني اللَاّحقَ. ويشمل مَن أدرك الإمامَ منحنيًا مثلاً فافتتح وقرأ الفاتحة ثم ركع، ولمَّا يرفعِ الإمامُ رأسَه؛ فإنه يَصْدُقُ عليه أنَّه أدرك ركعة من صلاته مع الإمام، واستعمالُ الركعة في

(1) نقلًا من كتاب ((ذخائر علماء اليمن)) للقاضي العلامة عبد الله بن عبد الكريم الجرافي رحمه الله، ص (133 - 136).

(2)

صحيح البخاري مواقيت الصلاة (580)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (607)، سنن أبو داود الصلاة (1121)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 271)، موطأ مالك وقوت الصلاة (15).

ص: 251

حقيقتها، ولا يَصْدُقُ عليه أنه أتى بركعةٍ إلا إذا أتى بها كاملةً؛ لأنَّ مُسَمَّى الركعة هو القيامُ والقراءةُ، أو تحمُّل الإمامِ عند من يراه مجزيًا، إلى آخر سجود منها، فلا يصدق على اللاحق أنه أدرك ركعة من صلاته إلا إذا أتى بها على هذه الصفة؛ ضرورةَ أنَّ هذا مُسمَّاها و ((أدرك)) بمعنى لحق، مثل: أدركتُ زيدًا، إذا أدركتَه لحظةً من الزمان، وكان يصدُق هذا على من لحق الإمام ساجدًا آخر سجدةٍ مثلاً، إلا أنه مَنَعَ عنه حديثُ أبي داود:«إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعتدُّوها شيئًا، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة» (1) إلا أنه يقدح في عدّ هذا لاحقًا أمران:

(الأول): أنه خلاف ما فَهِمَه عنه الناس كافة منه؛ فإنهم لو فهموا منه أنَّ المراد ركعةٌ من صلاةِ اللَاّحق حقيقةً، لقال مَنْ أوجب الفاتحةَ - وهم (الفرق الثلاث) -: أنه لا بُدَّ لِلَاّحق في الاعتداد بالركعة أن يدرك الإمام، ويقرأ الفاتحة، ثم يشاركه في الركوع. ولم يقل هذا منهم أحدٌ، ولقال من لا يُوجِبُها - وهم الزيدية والحنفية -: إنه لا بدَّ مِنْ أَنْ يدرك من قيامِ الإمامِ قَدْرَ ما يتحمَّل عنه فيه القراءة؛ ضرورةَ أنَّ ذلك - أي القيام - من مسمَّى الركعة، ولم يقولوا بذلك، بل قالوا بخلافه.

(الثاني): أنَّ لفظ ((أدرك)) إذ استُعْمِل وله مفعول، كأدركتُ سنةً مع زيد، فُهِمَ منه مشاركته لزيد ومصاحبته له في السنة كلِّها، كما هو مفاد

(1) سنن أبو داود الصلاة (893).

ص: 252

كلمة ((مع))، بخلاف ما إذا كان غير محدود، كما مثَّلْنَاه. وقوله:((أدرك ركعة)) من المحدود؛ لأنها ذات بداية ونهاية، ولا يسمى اللاحق مُدْرِكًا مع الإمام ركعةً إلا إذا شاركه فيها من أولها إلى آخرها، فإن لم يشاركه إلا في أثنائها، كبعد ركوعه، فإنَّه لا يَصْدُقُ عليه أنَّه أدرك مع الإمام ركعة من ركعاته، بل جُزءَ ركعة، وقد قلنا إنَّ المُصَاحَبَةَ في الَمْحدُودِ تقتضي المشاركةَ فيه كلّه.

الطرف الثاني: أنْ يُرَادَ بها - مع ذلك - معناها المجازيُّ، بقرينة حديث أبي هريرة الآتي، فيشمل ما إذا أدرك آخِرَ جُزءٍ من ركعةٍ مع الإمام كما يأتي.

(الاحتمال الثاني): أن يُرَادَ من أدرك ركعة من ركعات الإمام، وهذا هو الذي فَهِمَهُ النَّاس؛ فإن حُمِلَتِ الركعةُ على حقيقةِ مسمَّاها، كما هو الأصل: لم يَصْدُقْ إلا على مَنْ أَدركَهُ من أول قيامه إلى آخره واستوفى معه أفعالَها؛ لأنَّ هذا معنى الركعةِ الحقيقي. لا يقال: فلا فائدة في الإخبار؛ لأنه إخبار بما عُلِمَ، وحاشا كلام النبوَّة من ذلك؛ لأنَّا نقول: فائدتُه في الإخبارِ الإعلامُ بأنَّ المُدْرِكَ (اسم فاعل) قد أحرز فضيلة الجماعة، وأنَّ ما أتمَّه منفردًا بعد خروجه من الجماعة له في الأجر حكمُ الجماعةِ، والحديثُ مسوقٌ لذلك فإنه ما سِيقَ إلا لبيان أنَّه من أدرك من الجماعة ركعة كان له أجر الجماعة في صلاته كلِّها، لا أنه سِيقَ لبيان أنها تمَّت صلاةُ اللَاّحق. ويؤيّد هذا

ص: 253

الاحتمال: أنَّه قال: «فقد أدرك الصلاة» (1)، فوضَعَ الظَّاهرَ موضعَ المُضْمَرِ، والأغلبُ في مثل هذا أنَّه عينُ الأول، ومعلومٌ أنَّه لم يُدْرِك بالصلاة الثانية إلا صلاةَ الإمامِ، فهي المراد بالأول أيضًا، إلا أنَّه يقدح في هذا الاحتمال أنَّه لم يقله أحدٌ، بل النَّاسُ بين قائلٍ: إنه إذا صدق عليه اسم اللحوق قبل رفع الإمام رأسه من ركوعه فهو مدرك - وهم الجمهور – وقائلٍ: إنه لا يناسبُهُ حديثُ أبي هريرةَ رضي الله عنه: «من أدرك ركعة من الصلاة قبل أن يقيم الإمام صلبه فقد أدرك» ، أخرجه ابن خزيمة؛ فإنَّ التقييد بِقَبْلِيَّةِ إقامةِ الصُّلب تقتضي أنَّه يكون مُدْرِكًَا بأيِّ قدرٍ اتَّفق له قبله، ولو بقَدْرِ: سبحان الله؛ إذْ مِنَ المعلوم أنَّ التقييد بالقبلية لإفادة أنَّه يُسَمَّى مدركًا في أيِّ جزءٍ أَدْرَكَهُ مِنَ الأجزاء قَبْلَهَا.

وإذا عرفتَ هذا علمتَ أنَّ لفظ ((ركعة)) في حديث أبي هريرةَ لا يتمُّ أن يُراد بها حقيقتها، سواءٌ أُرِيدَ بها ركعة الإمام أو ركعة المأموم.

بيانه: أنَّ من أدرك الإمام منحنيًا في ركوعه لم يدرك ركعة من ركعات الإمام، بل جزء ركعة؛ لأنه قد مضى منه قيامُها، وقد سمَّاه الشارعُ: مُدْرِكًا. وإن أريد ركعة المأموم وفَرَضنَا أنه أدرك الإمام منحنيًا وأطال الإمام حتى افتتح اللاحق وقرأ الفاتحة ثم أدركه راكعًا، فإنه لا يَصدُق أنَّه أدرك ركعة من صلاته قبل أن يقيم الإمام صلبه؛ إذ لا يتمُّ

(1) سنن أبو داود الصلاة (893).

ص: 254

له إلا في آخر سجدة، فعلم بهذا: أن لفظ ((ركعة)) في هذه الصورة مجازٌ مُرْسَلٌ، من إطلاق اسمِ الكلِّ على جزئه على التقديرين جميعًا، وإذا كانت مجازًا صدقَ إطلاقُها على مَن أدركه مُنْحنيًا بِقَدرٍ لا يتَّسع معه لغير الافتتاح والانضمام إليه، وهي فائدة تقييد الحديث بِقَبْلِيَّة إقامةِ الصُّلب، ولم يأتِ إلا لإدخال هذه الصُّورةِ، ولو فُرِض أنَّه صلى الله عليه وسلم ما أراد إلا من أدرك وقرأ الفاتحةَ لفاتتْ فائدةُ التَّقْييدِ بها. بيانه: أنَّه من أدرك راكعًا فافتتح وقرأ الفاتحة لم يتمَّها إلا وقد أقام صُلبه؛ إذِ الفاتحة - لا ريبَ - أطولُ من التسبيح المشروع، كيف وأقلُّه الثلاثُ كما قدَّره صلى الله عليه وسلم؟ وقد أرشد الأمة إلى التخفيف، فتضيع فائدة القيد إلا في صلاة يطول فيها، وهي أندر النادر، وكلامُهُ صلى الله عليه وسلم محمولٌ على غالب الأحوال؛ لأنَّ التشريع دائرٌ على الأغلب، بل لو أُريدَ: مع القراءة؛ لكان الأَولى: قبلَ أنْ يحني صُلْبَهُ. وإذا كانت مجازًا في هذا الحديث تعيَّن أن تكون مجازًا في حديث الشيخين أيضًا؛ لأنَّ الحديثين سِيقَا بمعنًى واحدٍ وإفادةِ حكم معيَّن، ويدلُّ لهذا: حديثُ البخاريِّ عن أبي بكرة رضي الله عنه أنَّه دخل المسجد ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم راكعٌ فركعَ ثم دخل الصفَّ فأخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم ووقعت معتدًّا بها، إلا أنه قال الحافظ ابنُ حَجَرٍ: قوله ((ووقعت معتدّا بها)) قاله الرَّافعيُّ تَفَقُّهًا.

ص: 255

قلت: يدل لتفقُّهه ما في آخر الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم: «زادك الله حرصًا ولا تعد» (1). وفي رواية أبي داود: «أنه دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم راكعٌ فركعتُ دون الصفِّ، ثم مشيت إلى الصف، فلما قضى رسولُ الله صلاته، قال: ((أيُّكم الذي ركع دون الصفِّ ثم مشى إلى الصفِّ؟ قلت: أنا يا رسولَ الله. قال: زادك الله حرصًا ولا تعد» (2) فإنه ظاهر أنه اعتدَّ بها ولم يُؤْمَر بإعادتها، ولا يمكن أنه قرأ الفاتحة فيها. وأما قوله:«ولا تعد» (3) فهو نهيٌ عن الدُّخول في الصلاة قَبْلَ بلوغِ الصفِّ كما نادى به السياق وفهِمَه الناس وبوَّب له أئِمَّةُ الحديثِ.

ويؤيِّده أيضًا: «من أدرك الركوع من الركعة الأخرى يوم الجمعة فَلْيُضِفْ إليها أخرى» الحديثَ، فهو صريحٌ فيمن أدرك الركوع لا غير، وإن كان حديثًا ضعيفًا فهو شاهدٌ لِمَا أفادَهُ حديثُ أبي هُريرةَ.

ويدلُّ له أيضًا: حديثُ أبي داود؛ فإنَّ مُقَابَلةَ الركعة بالسجود ظاهرٌ في أنّ المرادَ بها الركوعُ لا الركعة.

وإذا عرفتَ هذه الإجمالات عرفتَ أنَّ الجمهور قد حملوا لفظ ركعة في حديث الشيخين، وفي حديث أبي داود، وفي حديث ابن خزيمة على حقيقتها ومجازها؛ لأنهم يقولون من أدرك الركعة من ابتدائها: فقد أدركَ، ضرورةً. ومن أدرك في أثنائها وآخر جزءٍ من انحناء الإمام: فقد أدركَ، فحملوا اللفظ على حقيقته ومجازه، وهو

(1) صحيح البخاري الأذان (783)، سنن النسائي الإمامة (871)، سنن أبو داود الصلاة (684)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 42).

(2)

صحيح البخاري الأذان (783)، سنن النسائي الإمامة (871)، سنن أبو داود الصلاة (684)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 42).

(3)

صحيح البخاري الأذان (783)، سنن النسائي الإمامة (871)، سنن أبو داود الصلاة (684)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 42).

ص: 256

غير مرضيٍّ لهم في الأصول، إلا أن يقال: ما أريد بالحديث إلا المجاز، ولا سِيقَ الحديثُ إلا إليه بقرينة المقام، وأمَّا الحقيقةُ فهي معلومةٌ لا يحتاج إلى بيانها: فله وجهٌ، إذا لم يكن متعيِّنا، فإنَّه معلومٌ ما أريد من الحديث إلا ذلك كما أرشد إليه حديثُ ابن خزيمةَ وشواهدُهُ.

وأمَّا من قال: إنه لا اعتداد إلا لمن قرأ الفاتحة - وهو السُّبْكِيُّ وجنح إليه الشيخ العلامة صالح بن مهدي المقبلي رحمهم الله فهم أيضًا كذلك قد حملوه على حقيقته ومجازه إلا على الأول من الأطراف، لكنه لزمهم إهمالُ فائدةِ القيد في حديث ابن خزيمة مع ما عضده من الشواهد بغير دليل سوى (1) ما عُلِم من أدلة الفاتحة إلا أن هذا أخصُّ، والخاصُّ مقدَّم على العام.

والحاصل: أنَّ هنا أطرافًا أربعة: ركعة الإمام أو المؤتم، وكلُّ واحد منهما حقيقة أو مجاز، الطرف الأول من الحقيقة منه ما قدَّمْنَاه، والطرف الأول من الحقيقة في الثاني مِنه أنَّه لم يَقُلْه أحد، والمجاز هو الأقرب عند الظنِّ بعد النظر إلى المراد مع ما رجَّحه من الشواهد، والله أَعلم. (انتهى) قاله كاتِبُه الفقيرُ: محمَّد بن إسماعيل الأمير،

(1) في الأصل: (سواء) وأظن ما أثبته هو الصحيح، والله أعلم. والنسخة المنقول عنها فيها تصحيفات كثيرة.

ص: 257

عفا الله عنه آمين. وقد أطلنا البحث؛ لأنه وقع لَدَدٌ من بعض الواقفين على كلام المَقْبِلِيّ، ورآه قويمًا لا يتمُّ سواه، فأطَلْنَا البحثَ، واستوفَيْنَا الأطرافَ؛ ليُعْلَم أنَّه لا يكتفي النَّاظرُ بأول قَدَمٍ يَقفُ به على الكلام.

وقال الصَّنْعَانِيُّ أيضًا في هذا الموضوع، ضمن الإجابة على سؤالٍ مبدوءٍ باختلاف النِّيَّة (1)

قال السائل- أدام الله إفادته -: وهل يعتدُّ اللاحق للإمام لو أدركه راكعًا؟ أو لا بُدَّ من إدراكه بحيث يقرأ فاتحة الكتاب في كلِّ ركعة؟ هذا مراده.

والجواب: أنه قد ادَّعى جماعةٌ الإجماعَ على أنَّ من أدرك الإمام راكعًا قد أدرك تلك الركعة، ونازع في ذلك المحقِّقُ المَقْبِلِيُّ رحمه الله في ((أبحاثه)) (2) وفي ((حواشيه على البحر)) قائلاً: إنَّ مُسَمَّى الركعة مجموعُ أفعالٍ، هي القيام والقراءة والركوع والسجود وغير ذلك مما تضمنه مجموع مسمى الركعة العرفي، ولكن عيَّن صلى الله عليه وسلم أنَّ للآتي بأفعال الركعة، بكونه لاحقًا للإمام ومجتمعًا معه في الركوع، إلى أن قال: أمَّا لو أحرم اللَاّحق حال ركوع الإمام ولم يقرأ الفاتحة، فلم يأتِ بمسمَّى الركعة، فلم يشمله

(1) المرجع نفسه، ص (113 - 115). ') ">

(2)

انظر: ((الأبحاث المسددة)) للمقبلي، ص (266). ') ">

ص: 258

الحديث وليس بلاحق. (انتهى)

ومرادُه بالحديث أحاديثُ مَنْ أدرك ركعة مع الإمام. وفي ((بداية المجتهد)) (1)((ومَنْ قال: اسم الركعة ينطبق على القيام والانحناء معًا، قال: إذا فاته قيام الإمام فقد فاتته الركعة. ومن كان اسم الركعة عنده ينطبق على الانحناء نفسه: جعل إدراك الانحناء إدراك الركعة)). (انتهى).

وأقول: لا شكَّ أن مسمَّى الركعة الحقيقي من ابتداء قيامها إلى آخر سجود فيها، والأصلُ في إطلاق اللفظ الحقيقةُ، وكنا لا نخرج عن هذا الأصل، ولا نجعل الركعة معتدًّا بها إلا إذا كانت من ابتدائها إلى انتهائها، ولا دليل في الأحاديث الثابتة أنَّ من أدرك الإمام راكعًا أو قُبَيْل ركوعه بحيث قرأ الفاتحة ثم لحقه في الركوع: أنه يسمى مدركًا ركعةً؛ لأن ظاهر ((من أدرك ركعة مع الإمام)) أنه صاحبها من ابتدائها إلى انتهائها؛ إذْ مَن سبقه بجزء منها لا يَصْدُقُ عليه أنَّه أدرك معه ركعة بل بعض ركعة. فقول المَقْبِلِيِّ: أنه صلى الله عليه وسلم بيَّن أن الآتي بأفعال الركعة يكون لاحقًا بالإمام: غيُر مسلَّم؛ إذ لم يتبين هذا من أحاديث «من أدرك ركعة مع الإمام» (2). وإن أراد من

(1) 1/ 186، (طعة الحلبي) و 4/ 76 من المطبوع مع ((الهداية في تخريج أحاديث البداية)). ') ">

(2)

صحيح البخاري مواقيت الصلاة (580)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (607)، سنن أبو داود الصلاة (1121)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 271)، موطأ مالك وقوت الصلاة (15).

ص: 259

غيرها فعليه البيان، وقد لزمه أنَّ الركعة مجاز في الحديث؛ لأنه أطلقها على ما إذا أدرك قراءة الفاتحة ولو قرأها والإمام راكع ثم لحقه في آخر ركوعه حيث طوَّل الإمام ركوعه، وهذا لا يسمى مدركًا مع الإمام ركعة إلا مجازًا، وقد زعم في صدر كلامه أنَّ مقتضى من أدرك ركعة مع الإمام الحقيقة، والحقيقة بأن شاركه من ابتدائها إلى انتهائها، وكان مقتضى تلك الأحاديث هو هذا.

إلا أنَّه قد أخرج ابنُ خزيمةَ في ((صحيحه)) من حديث أبي هريرة بلفظ: «من أدرك ركعة مع الإمام قبل أن يقيم صلبه فقد أدرك الصلاة» فأفاد أنه لم يرد بالركعة مُسَمَّاها حقيقةً، ضرورةَ أنَّ قوله:((قبل أن يقيم صلبه)) يصدق على من أدركه منحنيًا بِقَدْرٍ يسمى مُدْرِكًا، ومن المعلوم أنه لا يُسَمَّى باقي الركعة ركعةً إلا مجازًا، فتسميتها في حقِّ الإمام مجازٌ قطعًا، وكذلك في حقِّ اللاحق؛ لأنه إنْ أدرك الإمامَ منحنيًا: صدق عليه أنَّه أدرك ركعة، بتصريح الحديث. وهي مجازٌ في حقِّه، ضرورةَ أنَّه فاته قيامُها؛ فمَنْ أدرك الإمامَ منحنيًا، فأَحْرَمَ لصلاته - ضرورة أنه لا يُعَدُّ داخلاً إلا بالإحرام - ثم ركع معه قبل أن يقيم صلبه: صَدَقَ عليه أنَّه أدرك ركعة مع الإمام، وإن لم يقرأِ الفاتحةَ، ويصير معتدّا بالركعة كما دلّ له حديث ابن خزيمة.

وأما اشتراطُ أنْ يُدرِكَهُ بقدرٍ يقرأ فيه الفاتحة، فإنَّه يُذْهِبُ فائدة التقييد بـ ((قبل إقامة صلبه))؛ إذْ من المعلوم أنَّ القَبْلِيَّة قد أفادت

ص: 260

إدراك مَنْ لَحِقَهُ مُنْحَنيا، وأمَّا مَنْ أدركه كذلك وقرأ الفاتحة فإنه لا ينحني للركوع إلا وقد رفع الإمامُ رأسه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قد حدَّ أقلَّ تسبيحات الركوع بالثلاث، وأمر الأئمةَ بالتَّخفيف، فلا يبقى للحديث فائدة. وقد وردتْ شواهدُ لهذا المفهوم وإن كانت ضُعِّفَتْ، كحديث «مَنْ أَدركَ الرُّكوعَ مِنَ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ يَومَ الجُمُعَةِ فَلْيُضِفْ إليها أُخْرَى» و «مَنْ لم يُصَلِّ الظُّهْرَ أربعًا» ، والركوع اسم للانحناء، ويؤيِّده: حديث أبي بَكْرَةَ - وهو في البخاري - أنه دخل المسجدَ ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم راكع فركع، ثم دخل الصفَّ وأخبر النبي بذلك، قال الرَّافعيُّ: ووقعتْ معتدًّا بها. قال الحافظ ابن حَجَر: قاله تَفَقُّهًا. وفي تخريج ابن بَهْرَان مَعْزُوًّا إلى البخاريِّ عن أبي بَكْرةَ: أنَّه انتهى إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو راكعٌ فركعَ قبل أن يَصِلَ إلى الصفِّ، فذكر ذلك للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال:«زادكَ الله رِضًى ولا تَعُد» (1) وروايةُ أبي داود: أنَّه قال: «دخلتُ المسجد ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم راكعٌ فركعتُ دونَ الصفِّ، ثم مشيتُ إلى الصفِّ، فقال صلى الله عليه وسلم: مَنِ الذي رَكعَ ثمَّ مشَى إلى الصَّفِّ؟ قلت: أنا يا رسولَ الله. قال: زادكَ الله حِرْصًا ولا تَعُد» (2) ولم يأمره بالإعادة. وأمَّا قوله: ((ولا تَعُدْ)) فهو بفتح التاء المثنَّاة الفوقيَّةِ وضمِّ المُهْمَلَةِ - نهيٌ عن العودِ إلى الدخولِ في الصلاة قبلَ الوصولِ إلى الصفِّ، وهو الذي

(1) صحيح البخاري الأذان (783)، سنن النسائي الإمامة (871)، سنن أبو داود الصلاة (684)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 42).

(2)

صحيح البخاري الأذان (783)، سنن النسائي الإمامة (871)، سنن أبو داود الصلاة (684)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 42).

ص: 261

يتبادر إلى الفَهْم، ومنه فَهِمَ الرَّافعيُّ أنه اعتدَّ بها، وعليه ترجم أئِمَّةُ الحديث. والقولُ بأنَّه لم يعتدَّ بها وأنَّه أمره بالإعادة: تَكَلُّفٌ مَذْهَبِيٌّ، والله أعلم.

وقد بَسَطْنَا هذه المسألةَ بأطولَ مِن هذا، إلا أنَّه غابَ الجوابُ الذي بَسَطْنَا عند رَقْمِ هذا وفي هذا إفادةٌ. وصلى الله على سيِّدِنا محمَّدٍ. (انتهى)

ص: 262