الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1030 -
فتوى في الموضوع)
ورد إلى دار الإفتاء من أ. ص. غ سؤال يقول فيه:
ما حكم الشريعة الإسلامية في زكاة الحلي المعد للاستعمال، وهل في الأرض المعدة للتجارة زكاة؟
فأجاب سماحة المفتي بالجواب التالي:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد وآله وصحبه ومن والاه.
حلي النساء من الذهب والفضة المتخذ للبس في تزكيته خلاف بين العلماء قديمًا وحديثًا، والراجح عندنا أنه لا زكاة فيه لأمور:
1 – ما رواه عافية بن أيوب عن ليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس في الحلي زكاة» . وعافية بن أيوب نقل ابن أبي حاتم عن أبي زرعة أنه قال فيه: لا بأس به. وحديثه المذكور قواه ابن الجوزي في التحقيق، وفي ذلك رد على دعوى البيهقي أن عافية مجهول، وأن حديثه هذا باطل.
2 -
أن زكاة الحلي لو كانت فرضًا كسائر الصدقات المفروضة لانتشرت فرضيتها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولفعلتها
الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ولكان لها ذكر في شيء من كتب صدقاتهم، وكل ذلك لم يقع، كما بينه الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في " كتاب الأموال ".
3 -
ما رواه الأثرم عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال: خمسة من الصحابة كانوا لا يرون في الحلي زكاة: ابن عمر، وأنس، وجابر وأسماء رضي الله عنهم. نقله الحافظ ابن حجر العسقلاني في " الدراية " عن الأثرم. قال الباجي في " المنتقى " شرح الموطأ: هذا - أي إسقاط الزكاة في الحلي – مذهب ظاهر بين الصحابة، وأعلم الناس به عائشة رضي الله عنها فإنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم ومن لا يخفى عليها أمره في ذلك، وعبد الله بن عمر؛ فإن أخته حفصة كانت زوج النبي صلى الله عليه وسلم وحكم حليها لا يخفى على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يخفى عنها حكمه فيها. اهـ.
وفي " كتاب الأموال " لأبي عبيد: أن زكاة الحلي لم تصح عن أحد من الصحابة إلا عن ابن مسعود. قلت: في رواية " المدونة " عن ابن مسعود ما يوافق قول من تقدم ذكرهم من الصحابة، ففي المدونة ما نصه: قال ابن وهب وأخبرني رجال من أهل العلم عن جابر بن عبد الله وأنس بن مالك وعبد الله بن مسعود والقاسم بن
محمد وسعيد بن المسيب وربيعة بن أبي عبد الرحمن وعمرة ويحيى بن سعيد أنهم قالوا ليس في الحلي زكاة. اهـ.
وللقول بإسقاط الزكاة في الحلي أدلة أخرى يطول الكلام باستقصائها. وأما من أوجب الزكاة في الحلي المعد للاستعمال فعموم صحيح ما استدل به كحديث «في الرقة ربع العشر» (1)«وليس فيما دون خمس أواق صدقة» (2) لا يتناول الحلي كما بينه الإمامان أبو عبيد القاسم بن سلام في " كتاب الأموال " وابن قدامة في "المغني " حيث ذكر أن اسم الرقة لا يطلق عند العرب إلا على الدراهم المنقوشة ذات السكة السائرة في الناس، وأن لفظ الأواقي لا يطلق عندهم إلا على الدراهم كل أوقية أربعون درهمًا.
وصريح ما استدل به الموجب لزكاة الحلي المعد للاستعمال من النصوص المرفوعة: كحديث المسكتين، وحديث عائشة في فتخاتها من الورق، وحديث أم سلمة في أوضاح الذهب التي كانت تلبسها وحديث فاطمة بنت قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«في الحلي زكاة» ، وحديث أسماء بنت يزيد في
(1) متفق عليه من حديث أنس. وفي الحديث الذي رواه أبو داود: ((قد عفوت عن الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة من كل أربعين درهما درهم)).
(2)
متفق عليه.
أسورة الذهب. كل ذلك يعلم من تتبع كلام الشافعي وأحمد بن حنبل وأبي عبيد والنسائي والترمذي والدارقطني والبيهقي وابن حزم أن الاستدلال به غير قوي لعدم صحتها، ولاشك أن كلامهم أولى بالتقديم من كلام من حاول من المتأخرين تقوية بعض روايات ذلك الصريح.
والحاصل أننا لا نرى زكاة الحلي المعد للبس للأدلة الصحيحة: وذلك هو قول مالك والشافعي في القديم وأحمد وأبي عبيد وإسحاق وأبي ثور ومن تقدم ذكرهم من الصحابة والتابعين. وكذلك ما أعد للعارية لا زكاة فيه. وأما الحلي الذي ليس للاستعمال ولا للعارية ففيه الزكاة.
وأما الأرض المعدة للتجارة، فتجب فيها الزكاة، وإن تساهل الناس في ذلك؛ لما روى أبو داود في سننه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أنه قال:«إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع» (1) والله أعلم.
(من الفتاوى المذاعة في 3 - 9 - 1388هـ).
(1) سنن أبي داود الزَّكَاةِ (1562).