الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهُوَ ابْنُ رَبِيعَةَ كُنْيَتُهُ أَبُو رَبِيعَةَ.
(المأقين) تثنية المَأق بفتح الميم وهمزة ساكنة وبلا همز وقاف، طرف العين الذي على الأنف، وفي رواية "المأقيَيْن" بيائين، وهو تثنية مَأْقي لغة في المَأق.
(الأذنان من الرأس) قال الخطابي: إضافتها إلى الرأس إضافة تشبيه وتقريب لا إضافة تحقيق، وإنّما هو في معنى دون معنى، كقوله صلى الله عليه وسلم:"مولى القوم منهم" أي: في حكم النّصرة والموالاة دون حكم النّسب واستحقاق الإرث. ومعنى الكلام إبانة الأذن عن الوجه في حكم الغسل، وقطع الشبهة فيهما لما بينهما من الشَبه في الصورة، وذلك أنّهما وجدتا في أصل الخلقة بلا شعر وجعلتا محلًّا لحاسة من الحواس، ومعظم الحواس محلّه الوجه فقيل الأذنان من الرأس ليعلم أنّهما ليستا من الوجه.
***
[باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا]
(عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه) قال الدارقطني: سمعت أبا بكر النقاش يقول: عمرو بن شعيب ليس من التابعين، وقد روى عنه عشرون من التابعين، قال الدارقطني: فتتبّعت فوجدتهم أكثر من عشرين.
وقال ابن الصلاح: قرأت بخطّ الحافظ أبي موسى الطَّبَسي (1) في تخريج له قال: عمرو بن شعيب ليس بتابعي وقد روى عنه نيف وسبعون رجلًا من التابعين. وهذا وهم فإنّه روى عن صحابيين وهما الربيع بنت معوّذ بن عفراء، وزينب بنت أبي سلمة ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم، فهو تابعي. وقد اختلف الحفّاظ في الاحتجاج بنسخة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه، والرّاجح الاحتجاج بها مطلقًا، والضمير في جدّه لشعيب لا لعمرو، فإنّه ابن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاصي، ومحمد المذكور لا مدخل له في هذا الإسناد إلَّا في حديث واحد لا ثاني له، وهو ما أخرجه ابن حبّان في صحيحه من حديث ابن الهاد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن محمد بن عبد الله بن عمرو مرفوعًا:"ألا أحدّثكم باحبّكم إليّ وأقربكم منّي مجلسًا يوم القيامة" الحديث.
(السبّاحتين) تثنية سبّاحة وهي (و)(2) المسبحة الأصبع التي تلي (3) الإبهام، سمّيت بذلك لرفعها في التسبيح، وتسمّى أيضًا السبّابة للإشارة بها عند السّب للمسبوب. قال الشيخ وليّ الدّين: وفي هذه التثنية تغليب لأنّ الإشارة إنّما تكون باليمين فقط، قال: وعدوله عن لفظ السبّابتين إلى السبّاحتين لأحسن اللفظين في التعبير.
(فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم أو ظلم وأساء) قال الشيخ وليّ الدّين: استشكل الحكم بالإساءة والظلم على من نقص من هذا العدد، فإنّه صلى الله عليه وسلم توضّأ مرّتين، ومرّة مرّة، وأجمع العلماء على جواز الاقتصار على مرّة واحدة، ورُوي من حديث عبد الله بن عمرو نفسه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضّأ مرّة مرّة، رواه الطّحاوي بإسناد صحيح، ورواه البزّار والطبراني في الأوسط من وجه آخر عنه. وأُجيب عن هذا الإشكال بتضعيف هذه اللّفظة وهي قوله:"أو نقص"،
(1) في أ: الطلسي.
(2)
كذا في النسخ الثلاث.
(3)
في ج: "يليها".
قال ابن الموّاق (1): إن لم يكن هذا اللّفظ شكًّا من الراوي فهو من الأوهام البيّنة التي لا خفاء بها، إذْ الوضوء مرتين مرتين ومرة مرة لا خفاء في إجزائه، والآثار بذلك صحيحة، والوهم فيه من أبي عوانة وهو وإن كان أحد الثقات فإنّ الوهم لا يسلم منه بشر إلّا من عصم. ويؤيّده رواية أحمد والنسائي وابن ماجه:"فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدّى وظلم" ولم يذكروا "أو نقص" فقوي بذلك أنّها شكّ من الرّاوي أو وهم. هذا على أن المعنى أو نقص من الثّلاث وهو الذي قال النووي في شرح المهذب أنّه الذي لم يذكروا غيره، وقال البيهقي في سننه: يحتمل أنّ المراد بالنقص نقص العضو يعني لم يستوعبه. وحمل بعضهم الحديث على الاعتقاد، أي من اعتقد سنيّة ما فوق الثلاث، أو نقص عن الثلاث، فلم يعتقد سنية بعضها، وإلى ذلك أشار صاحب الهداية من الحنفية بقوله: والوعيد لعدم رؤيته سنّة. وقال الشيخ وليّ الدّين: يحتمل أن يكون معناه نقص بعض الأعضاء فلم يغسلها بالكلية، أو زاد أعضاء أخر لم يشرع غسلها.
قلتُ: هذا عندي أرجح بدليل أنّه لم يذكر في مسح رأسه وأذنيه تثليثًا، وقال النووي في شرح المهذّب: اختلف أصحابنا في معنى أساء وظلم، فقيل أساء في النقص وظلم في الزيادة فإنّ الظلم مجاوزة الحدّ ووضع الشيء في غير محلّه، وقيل عكسه لأنّ الظلم يستعمل بمعنى النقص كقوله تعالى:{آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} ، وقيل: أساء وظلم في النقص وأساء وظلم في الزيادة، واختاره ابن الصلاح لأنّه ظاهر الكلام، ويدلّ عليه رواية الأكثرين "فمن زاد فقد أساء وظلم" ولم يذكر النقص.
قال الشيخ وليّ الدّين: وهو المتعيّن. وقال المنذري في حواشيه: قيل أساء في الأدب بتركه السنَّة والتأدّب بآداب الشرع، وظلم نفسه بما نقصها من الثواب. وقال الشيخ وليّ الدّين: قوله: "أو ظلم وأساء" شك من الراوي في تقديم لفظ الإساءة أو الظلم. وقد وقع في رواية النسائي الجزم بتقديم لفظ الإساءة كما تقدّم.
***
(1) توفي سنة 642 هـ وهو صاحب كتاب "بغية النقّاد النّقلة فيما أخَلَّ به كتاب البيان وأغفله أو ألمَّ به فما تمّمه ولا كمّله". وكتاب البيان هو بيان الوهم والإيهام لابن القطان الفاسي.